تتواصل حالة التدهور المريع لمقومات الحياة في عاصمة الحكومة اليمنية المؤقتة عدن الواقعة “جنوب البلاد”، والذي امتد إلى جميع المناطق المحررة، كما هو الحال أيضًا في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الارهابية الإيرانية.
ولا يكاد يمر يوم بل “ساعة واحدة” دون أن تسجّل أسواق عدن ارتفاعًا في أسعار السلع الاستهلاكية المختلفة، بما فيها الخضروات والفواكه والمنتجات المحلية، متأثرة بشكل كبير بتواصل انهيار سعر العملة المحلية “الريال” أمام العملات الأخرى والتي بدأت تلامس الـ 1700 ريال يمني للدولار الواحد، فضلًا عن تداعيات ذلك الانهيار الناتج عن فساد الشركاء الأعداء الذي يمارسون فلسفته في وضح النهار وفوق مكاتب المسؤولية.
تراكم المعاناة
ويتحدث العديد من سكان عدن حول ما يمرون به في ظل “انهيار العملة وارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات”، المترابطة فيما بينها بشكل وثيق حيث يؤثر “الكل على الكل”، في ظل غياب شبه تام بل وكامل للتواجد الحكومي الرسمي للوقوف على تلك القضايا التي تهدد حياة المواطن في قوته اليومي.
ويرى العديد من أبناء المدينة في حديث لـ”المنتصف” بأن المعاناة متراكمة عليهم منذ سنوات، وتحديدًا منذ انهيار مؤسسات الدولة على وقع فوضى الإخوان وانقلاب الحوثيين، وما تلاها من حروب وتدخلات وصراعات وصولًا إلى مرحلة تعاقب حكومات الشرعية، التي لم تحمل شيئا للمدينة ولا البلاد بشكل عام نتيجة تداخلات الصلاحيات وانتشار الفساد في أروقتها.
وأكدوا بأن انهيار العملة المحلية يُعد السبب الرئيسي الذي يقف وراء انهيار بقية الخدمات، فضلًا عن ضياع منظومة الاقتصاد والتنمية، وصولًا إلى تهديد الحياة الاجتماعية في المدينة الناتج عن تدهور جميع الخدمات من “صحة وتعليم وأمن ومواصلات واتصالات وطرق ومنشآت” وغيرها من المقومات التي ترتكز عليها حياة الأسر والمجتمعات المحلية في اطار أي كيان سياسي “دولة”.
العملة والأسعار
وعند السؤال حول الأوضاع التي تعيشها عدن اليوم، يجمع كل من التقينا بهم في مناطق متفرقة من المدينة، بأن ما يهم المواطن بشكل مباشر “ارتفاع الأسعار”، والذي طال جميع المنتجات والبضائع والسلع الأساسية والمكملات الضرورية، المستوردة والمنتجة محليًا.
وعند التقرب أكثر من الوضع المتدهور وارتباطه بارتفاع الأسعار، يتحدث “مصطفى احمد”، صاحب محل لبيع الخضروات والفواكه في أحد أسواق عدن لـ”المنتصف”، بالقول: أن “تدهور العملة ووصولها إلى مستويات قياسية تقارب الـ 1677 ريال للدولار الواحد، يعد السبب الرئيس في ارتفاع أسعار جميع السلع”.
وأشار “مصطفى”، إلى أن السلع المستوردة مرتبطة بسعر الدولار، وان السلع التي يتم جلبها من مناطق الحوثيين مرتبط بسعر العملة، فمع تدهوره أمام الدولار والسعودي، ترتفع قيمة التحويلات المالية من مناطق الشرعية إلى مناطق الحوثيين وينعكس ذلك على ارتفاع أسعار السلع التي يتم استقدامها بمبالغ كبيرة تتجاوز قيمتها الحقيقية بثلاثة أضعاف يتم عكسها على سعر السلع عند البيع لتعويض ما تم دفعه، ويكون المواطن المستهلك المتضرر الأبرز منها.
السلع المستوردة
وفيما يتعلق بالسلع المستوردة التي يعتمد عليها اليمنيون بنسبة 82 بالمائة في حياتهم اليومية، يقول “سعيد الحضرمي” وهو تاجر “تجزئة وجملة في آن واحد” للسلع الاستهلاكية الاساسية: بأن “عمليات البيع والشراء في ظل التدهور المستمر للعملة صعبة جدًا، حيث يظل تقلب السوق بين الحين والآخر، وبين لحظة وأخرى، ويصعب التحكم بأسعار السلع المعروضة والتي سيتم شراؤها”.
ويقول الحضرمي لـ”المنتصف”: “أصعب وضع يمر به التاجر في تجارته ما يجري هذه الايام من تقلبات بسعر العملة التي نظل نسأل عن سعرها بشكل لحظي، كي نتمكن من إجراء عملية البيع المباشر للمستهلك او تجار التجزئة، ومع ذلك نقع في فخ الخسارة نتيجة استمرار تدهور سعر الريال اليمني أمام العملات الأخرى خاصة “الدولار والسعودي”، العملتين اللتين باتتا تشكلان الركيزة الأولى في المعاملات التجارية والعقارية وغيرها في أسواق عدن وحتى في مناطق الحوثيين”.
أسعار السلع ورمضان
وتحدث كل من مصطفى، والحضرمي، عما يدور من تقلبات في أسعار السلع والخضروات في ظل انهيار العملة، وغياب الرقابة والمعالجات الحكومية للحد منها، خاصة هذه المرة التي تواصل عملية الانهيار دون وجود أي مؤشرات حكومية للوقوف على اسبابها وإيجاد ولو معالجة مؤقتة لها خاصة وان شهر رمضان المبارك على الأبواب.
ويرى الحضرمي، أنه في حال استمر الوضع بالانهيار بالنسبة لسعر العملة، ستكون هناك كارثة حقيقية في البلاد شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، لأن جميع المعاملات التجارية مرتبطة ببعضها البعض خاصة فيما يتعلق بعمليات الاستيراد للبضائع الموحدة التمويل.
وأشار الحضرمي، إلى أن ذلك مرتبط أيضًا هذا العام، بما يجري من هجمات واستهداف للملاحة والسفن التجارية في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، من قبل إيران وأذرعها الذي أوجد ذريعة للدول الغربية للتواجد في تلك الممرات المائية، وقيامها بتشكيل تحالفات وشن هجمات لحماية السفن والملاحة، زاد الوضع تعقيدا وسيكون لها انعكاسات كارثية على أسعار السلع المستوردة خاصة واننا مُقبلون على شهر رمضان الذي تكثر فيه الطلبات على تلك المنتجات.
ويتوقع التاجران، بأن يكون رمضان هذا العام بالنسبة لأسعار السلع والخضروات الفواكه، شهر عوز وعدم قدرة شرائية من قبل الأسر التي ستتأثر بشكل كبير بما يجري في البحر وفي مراكز اللعبة المصرفية الحكومية
الخدمات العامة
وتعيش عدن حالة من تدهور في الخدمات العامة متأثرة بعدم وجود الحكومة والمسؤولين المباشرين كرؤساء المؤسسات ومدراء عموم المرافق، وغياب النافذة الواحدة التي تتحكم بقرار الأداء وتقديم الخدمات في المدينة.
كما تتأثر الخدمات في المدينة بأهم عامل صعب معالجته منذ العام 2015 والمتمثل بالفساد المستشري بشكل كبير في أوساط الدوائر الحكومية المختلفة بدءًا من رئاسة مجلس القيادة الرئاسية والحكومة مرورًا بالوزراء والمدراء المباشرين للمرافق المختلفة.
ويتحدث سكان عدن، عن أسباب تدهور الخدمات وعلى راسها الكهرباء والمياه والانترانت والأمن والصحة والتعليم غيرها من الخدمات الاخرى، مرجعين ذلك إلى أسباب محددة تتمثل بـ “الفساد ثم الفساد” وغياب الحكومة، وغياب الرقابة والمحاسبة، وتعدد مصدر القرار، وتدهور العملة”.
ومنذ ايام تشهد المدينة تراجعًا مهولًا في خدمة الكهرباء نتيجة انعدام الوقود وإضرابات العمال في محطات التوليد، وعدم وجود أي تحرك للجهات الرسمية المسؤولة للمعالجة والتي عجزت منذ تحرير المدينة من الحوثيين في 2015 سبب صفقات الفساد في شراء الطاقة واستيراد النفط والمتاجرة بعمليات الصيانة وقطع غيار المحطات.
ويتخوف سكان المدينة من وصول شهر رمضان وأوضاع الكهرباء كما هي حاليا رغم الأجواء الباردة التي تعيشها المدينة مقارنة بما هو قادم من فصول الحمى، الخريف والصيف، وما يزيد من استياء الأهالي ان مؤسسة الكهرباء بدأت تفعيل مبدأ فصل العدادات عن المنازل والمحلات التجارية غير المسددة رغم غياب الكهرباء لساعات تصل في بعض الأيام إلى 20 ساعة انقطاع من 24 ساعة.
ويقول الأهالي أن المؤسسة اتخذت إجراءات جديدة بالنسبة للحصول على الأموال بعد عدم استجابة الجهات الرسمية لمطالبة التي ادت لتوقف الكهرباء من تحسين رواتبهم ورفعها وصرف مستحقاتهم المالية، واستعانوا هذه المرة بالأجهزة الأمنية الفاسدة بالنسبة للحصول على قيمة استهلاك التيار المنقطع أصلًا.
أخيرًا .. هذه لمحة بسيطة عما تعيشه مدينة عدن الساحلية ذات الجمال الآسر والسحر المتدفق من أمواج سواحلها المتعددة وخلجانها الصافية، ودفئ جبالها الشامخة الحاضنة للمدنية التي حرمت حقوقها من القائمين عليها، فهي تنتظر عودة الزمن الجميل كما ينتظره جميع اليمنيين.. لعل ينبثق الأمل ينبثق منه لمعالجة الأوضاع التي تحتاج إلى قيادة وإرادة وإدارة فقط.
عدن.. يعيش عدد من سكانها حالة بؤس وفاقة وصلت بهم إلى تبادل ما تبقى من “الخبز” من أسرة إلى أخرى في اطار حلول الأهالي للبقاء على قيد الحياة