الصدارة سكاي – خاص
أثار تصريح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مساء الخميس الفائت عن المفاوضات الجارية في العاصمة العُمانية مسقط، وحديثة عن التوقيع القريب على خارطة الطريق الجاهزة، الكثير من ردات الفعل في الساحة اليمنية، ومفاجأة صادمة لكثير من النخب في اليمن بجنوبه وشماله.
الوزير السعودي، كان تحدث في تصريحات صحفية، بانه حان الوقت لتنفيذ خارطة السلام في اليمن، التي وصفها بأنها “جاهزة” وأن بلاده مستعدة للعمل وفقها مُعربًا عن تفاؤله بإمكانية التوقيع عليها بأقرب وقت.
تصريحات المسؤول السعودي، مثلت صدمة للكثير من القوى السياسية الفاعلة في الأزمة اليمنية، في وقت استبعدت الكثير من القوى السياسية من مفاوضات مسقط، ومن خارطة الطريق التي بشر بها المسؤول السعودي دون التوضيح عن ماهيتها وبنودها الأساسية.
وذكرت مصادر مقربة، بأن وفد الحكومة ذهب إلى مسقط بتوجيهات سعودية واضحة لإبداء أكبر قدر ممكن من المرونة في المفاوضات وتجاوز أيّ عوائق وعراقيل يمكن أن تطرأ، بناء على اتّفاق مسبق بين المملكة وسلطنة عمان بوجوب وتسهيل التوصّل إلى اتّفاق ولو بالحدّ الأدنى ليكون منطلقا لوضع الأرضية الإنسانية ولاحقا الاقتصادية للانتقال إلى مرحلة مناقشة الحل السياسي الشامل للصراع.
وتزامنت المساعي السعودية بالدفع بعملية سلام مهما كان ثمنها، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تدهورًا متسارعًا في سعر العمل المحلية، وانهيار اقتصادي مخيف، في وقت تشتد فيه الحرب الاقتصادية بين الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليًا، وبين جماعة الحوثي، آخرها احتجاز جماعة الحوثي، طائرات اليمنية في مطار صنعاء، والتي دفعت بالتصعيد إلى مستوى مُعقد، في وقت لم تهدأ فيه التوترات الجارية في البحر الأحمر.
وتسعى المملكة العربية السعودية، للدفع بعملية سلام وتفاوض، ينهي الحرب في اليمن التي دخلت في عقدها العاشر، في محاولة للخروج من المأزق اليمني، وبطريقة مستعجلة وغير مدروسة، أو محسوبة العواقب برأي مراقبين.
ويظهر الموقف السعودي مدى إصرار المملكة على إيجاد مخرج سلمي للصراع اليمني وذلك في إطار سياسة أشمل شرعت الرياض في تنفيذها وتقوم على تبريد الصراعات من حولها وإقامة علاقات تصالحية مع جميع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إيران التي تدعم جماعة الحوثي وتمدّها بالوسائل اللازمة لمواصلة الحرب في اليمن.
وتبدي الرياض إصرارًا على مواصلة جهود السلام في اليمن، رغم التعقيدات الكبيرة التي طرأت إثر انخراط جماعة الحوثي في استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر تحت شعار دعم قطاع غزة في الحرب الإسرائيلية ضدّه.
وتتجنب المملكة الانخراط في توترات البحر الأحمر، ما يشير إلى عدم استعداد السعودية للتفريط في ما تمّ تحقيقه من تقدّم ضئيل باتجاه الحلّ السلمي في اليمن، وذلك بفضل ما أبدته المملكة من مرونة إزاء جماعة الحوثي تجلّت بدخولها في محادثات مباشرة معها.
ولعبت سلطنة عمان دورا مفصليا في تقريب الهوّة بين السعودية والحوثيين، وصولا إلى الجمع بين ممثلين عن كليهما في اجتماعات جرت في كلّ من صنعاء والرياض، كما أنّ السلطنة مرشّحة الآن للعب دور في تحريك جمود المسار السلمي.
وتخشى الكثير من القوى السياسية الفاعلة في الأزمة اليمنية على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، من أن تكون الشرعية، وبدفع كبير من السعودية، بصدد الإعداد لتمرير اتفاقات “تحت الطاولة مع الحوثيين” تكون على حساب المجلس، ومكاسبه الكبيرة، وخارطة نفوذه السياسي التي رسمها تواجده الشعبي والعسكري الكبير في مختلف محافظات الجنوب.
مفاوضات عمان وخارطة الطريق.. المضمون والمحتوى
ليس معروف بعد، ولم يتم الإعلان بشكل رسمي حتى الآن عن بنود خارطة الطريق التي أعلنت المملكة العربية السعودية، عن قرب التوقيع عليها، كما تجهل الكثير من القوى السياسية الفاعلة في الأزمة اليمنية فحوى هذه الخارطة، وما حوته من طرح.
غير أن ما تم الإعلان عنه بأن المحادثات التي تجري في مسقط، بين الطرفين في ملف المحتجزين، ويحضر هذه المحادثات ممثلين عن التحالف العربي، للبحث في كافة قوائم المحتجزين لدى مختلف الاطراف.
ويتوقع ان يتوصل الطرفان إلى اتفاق يفضي إلى تبادل أكبر عدد ممكن من المحتجزين، نظرًا لوجود تفاهمات مسبقة حول هذا الملف، تم التوصل إليها في محادثات غير معلنة جرت خلال النصف الثاني من العام الماضي في مسقط، وادت تداعيات حرب غزة إلى عدم الانتقال الى مرحلة تنفيذها.
وكشف رئيس الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، عن بنود خارطة الطريق قبل يومين في مقابلة صحفية حيث أوضح أنها ستمر بثلاث مراحل، تمتد لسنتين، تنص أن يتم في المرحلة الأولى التي ستستمر لستة أشهر وقف إطلاق نار شامل، ورفع القيود عن الموانئ وصرف المرتبات للموظفين وفقًا لميزانية 2014، بالإضافة إلى إجراءات اقتصادية وتحسين الخدمات والإفراج عن المعتقلين، وتهدئة الخطاب الإعلامي بين الأطراف.
وأشار عبدالسلام، إلى أن خارطة الطريق المتفق عليها، تشمل في مرحلتها الثانية، الاستمرار بالعمل بالمرحلة الأولى، وخروج القوات الأجنبية من اليمن، والسماح بإنتاج وتصدير النفط، تحت إشراف لجنة اقتصادية، والخروج بتصور لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، موضحًا أن المرحلة الأخيرة ستمتد لعامين وسيتم فيها الاتفاق على مرحلة إنتقالية لإدارة البلاد.
واعتبر ناطق الجماعة، إلى أن التطورات في البحر الأحمر، والحرب على غزة حال دون التوقيع على خارطة الطريق، مشيرًا إلى أن السعودية لازالت متمسكة بخارطة الطريق، مهددًا في الوقت نفسه بأن الحرب الاقتصادية التي تشنها الحكومة المعترف بها ضد جماعته من شأنها أن تنسف كل ما تم إنجازه من توافقات.
وتفيد مصادر دبلوماسية أن المحادثات تجري باشراف من الامم المتحدة، وبحضور عدد من السفراء والدبلوماسيين في البعثات الدبلوماسية لدى اليمن، وستستمر في حال تم التوصل إلى اتفاق في ملف الاسرى، منوهة إلى أنه سيتم مناقشة الملف الاقتصادي، وملفات اخرى كالطرقات وغيرها.
وتشير،انباء ان مكتب المبعوث الاممي سيقدم للأطراف خطوط عريضة بشأن خارطة الطريق للحل الشامل بعد الانتهاء من المحادثات في عدة ملفات.
تفاهمات عسكرية واقتصادية بالتوازي مع مفاوضات مسقط
وأظهر حزب الإصلاح اعتراضًا علنيًا لما يجري في مسقط من مفاوضات، على لسان أمينه العام، محمد اليدومي الذي شن هجومًا على مفاوضات مسقط، في مسعًا للحصول على تمثيل أكثر، برأي مراقبين، وهو الأمر الذي دفع بيحيى كزمان رئيس الوفد الحكومي المفاوض في ملف الأسرى، للرد على اليدومي بالقول أن حزب الإصلاح يعتبر الشرعية ملكية خاصة به دون غيره.
لكن اعتراضات حزب الإصلاح على ما يجري في مسقط من حوارات يصطدم بحقيقة التفاهمات الموجودة على الأرض بين الحزب وجماعة الحوثي، حيث قطع الحزب بالفعل خطوات في إبرام اتفاقات مع الحوثيين، كانت نتاج تفاهمات سابقة معهم بشأن عدد من الملفات آخرها فتح الطريق بين صنعاء ومأرب، وبين مناطق نفوذ الحزب في تعز ومناطق سيطرة الحوثيين فيها.
ويسعى حزب الإصلاح لاستثمار سخط القوى السياسية مما يجري من غموض في مفاوضات مسقط، لانتزاع أكبر قدر ممكن من التمثيل وإثبات الوجود، واستمرار اختطافه السابق على مركز القرار في الشرعية، في أي استحقاقات أو مفاوضات مصيرية قادمة برأي مراقبين.
بدورها المملكة العربية السعودية، كانت قد شرعت في بناء جسر من التواصل وحسن الثقة، مع الحوثيين، بعد زيارة سفيرها لدى اليمن، محمد آل جابر إلى صنعاء ……….. على أمل ترويض الجماعة للانخراط في سلام جِدِّي يضمن أمن حدودها، وإيقاف الأعمال العدائية ضدها بوساطة عمانية.
واتخذت المملكة إجراءات عملية بهذا الخصوص، وبدأت برفع الحصار البري والجوي، المفروض على الجماعة منذ انطلاق عاصفة الحزم نهاية مارس من العام 2015، حيث ألغت قرار تفتيش السفن القادمة إلى الموانئ اليمنية، والسماح لاستئناف العمل بالمطارات.
مسار السلام الشائك.. التعقيدات والتحديات
بالرغم من هرولة المملكة العربية السعودية، وإصرارها على طي صفحة الملف اليمني، وخروجها من المأزق اليمني بأي ثمن، وتقديمها الكثير من التنازلات والانصياع للكثير من شروط الحوثيين، فإن الكثير من المعوقات والتعقيدات تحول دون تحقيق رغبة المملكة بتوقيع خارطة السلام.
وتبرز أولى التعقيدات في إصرار المملكة على اعتبار أنها وسيطًا لحل الأزمة وليس طرفًا من أطرافها، الأمر الذي ترفضه جماعة الحوثيين، وإصرارهم على اعتبار أن السعودية أبرز أطراف هذه الأزمة فيما يرى مراقبون بأن إصرار الجماعة على اعتبار المملكة طرفًا ليس إلا سعيًا لانتزاع مزيدًا من التنازلات السعودية وابتزازها اقتصاديًا.
ويرى مراقبون على أن حديث المملكة عن خارطة الطريق لا يعدو كونه “في الحقيقة تأكيد سعودي على أنها لا تريد التصعيد حاليًا، ولا يعني أنها جاهزة لتوقيع خارطة الطريق؛ لأن هناك الكثير من التعقيدات حتى في خارطة الطريق”.
ويصطدم تفاؤل المملكة بصلابة عراقيل جماعة الحوثي، التي تصر على التعويض من قبل المملكة عن كل الخسائر المادية والبشرية طيلة سنوات الحرب، فضلًا عن دفعها لمرتبات الموظفين في مناطق سيطرتهم وفقًا للكشوفات المعدة من قبلهم.
وتبرز تعقيدات اقتصادية كثيرة بخصوص خارطة الطريق، تتمثل بتوحيد العملة، وآلية جمع الإيرادات، وإدارة المؤسسات الاقتصادية الكبيرة كالموانئ والبنك المركزي وغيرها.
كما أن الاتفاق على المرحلة الانتقالية، وتوحيد كافة الأطراف بإطار سياسي واحد، يضمن التمثيل العادل لمختلف أطراف الصراع، وفقًا لثقلها السياسي والعسكري، تعد أحد أبرز عراقيل التوصل لاتفاق سلام.
موقع قضية الجنوب في بنود خارطة الطريق