جاءت زيارة قام بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المكلاّ مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن بمثابة أول اختبار للمزاج الشعبي إزاء السلطة الشرعية بعد التهدئة الاقتصادية التي أقدمت عليها مع جماعة الحوثي بدفع كبير من السعودية واقتضت التراجع عن قرارات مالية صارمة كانت السلطة نفسها قد اتخذتها ضدّ الجماعة ولقيت دعما شعبيا ومباركة من قبل شركائها المحليين.
كما مثلت الزيارة عملية سبر لآراء بعض هؤلاء الشركاء في التهدئة المذكورة التي يبدو أنّها لم تنل رضا غالبيتهم. وتدخل حضرموت، لا سيما منطقة الساحل حيث توجد مدينة المكلاّ، ضمن مناطق نفوذ المجلس الانتقالي الشريك في تشكيل السلطة اليمنية المعترف بها دوليا والممثل داخل مجلس القيادة التابع لها، والساعي لاستعادة دولة الجنوب المستقلة التي تعتبر حضرموت جزءا منها غير قابل للتنازل عنه.
وكان المجلس ضمن شركاء الشرعية غير الراضين على إجراءات التهدئة الاقتصادية مع جماعة الحوثي، نظرا لكون مناطق نفوذه متضررة من الوضع الاقتصادي والمالي الناتج عن التوترات التي تثيرها الجماعة في البحر الأحمر وعن اعتداءاتها على الموانئ ومنافذ تصدير النفط ما أدى إلى وقفه وحرمان الحكومة اليمنية والمناطق الداخلة ضمن سلطتها من عوائده.
كما أنّ الانتقالي الجنوبي متوجّس من أي اتفاقات تبرمها الشرعية مع الحوثيين دون التشاور معه بما من شأنه أن يفتح الباب لاتفاقات سياسية أشمل قد تكون على حساب القضية الأم للمجلس والمتمثّلة في استعادة دولة الجنوب.
وأتاحت زيارة العليمي إلى حضرموت للمجلس الانتقالي وللشارع الحضرمي الموالي له التعبير عن عدم رضاه عن سياسات الشرعية اليمنية. واعتبرت دوائر سياسية يمنية أنّ عدم مرافقة فرج البحسني للعليمي في زيارته إلى حضرموت مثّلت رسالة عدم رضا جنوبي على الشرعية.
ويُعتبر البحسني القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي من الشخصيات البارزة في حضرموت حيث يحظى بشعبية كبيرة تدعمت خلال فترة عمله كمحافظ لها. وأجمعت الأوساط السياسية في حضرموت على أنّ عدم مشاركة البحسني في ترتيبات الزيارة مثل نقيصة كبيرة لها، وتسبب بفشلها رسميا وشعبيا.
وقال هشام كرامة الجابري مدير مكتب البحسني إن غياب الأخير عن زيارة العليمي إلى حضرموت يعدّ إخفاقا كبيرا للزيارة. وأشار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية إلى أن حضور البحسني كضيف شرف فقط خلال الزيارة “قلل من فعاليتها وأهميتها وأثار تساؤلات حول أهدافها الحقيقية”، قائلا إنّ “الزيارة تثير الكثير من الاستغراب بسبب غموض أهدافها ولا يتوقع أن تحقق شيئا يذكر لحضرموت”.
وربطت بعض الدوائر السياسية والإعلامية حالة الغضب التي قوبل بها العليمي في حضرموت بعملية التهدئة مع الحوثيين. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت الأسبوع الماضي على لسان مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ أن الحكومة اليمنية والحوثيين المدعومين من إيران توصلا إلى اتفاق لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية، بعد فترة من التوترات بين الطرفين.
وتضمّن الاتفاق، بحسب غرونبرغ “إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة”. وجاء الاتفاق بإجماع أغلب الملاحظين في مصلحة جماعة الحوثي، بينما لم تحصل الشرعية في المقابل على أي من مطالبها وخصوصا كف يد الحوثيين عن عرقلة تصدير النفط.
وكتب الناشط الجنوبي مالك اليزيدي اليافعي على منصة إكس معلّقا على زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى المكلا قائلا “العليمي يصل حضرموت بعدما سلم البنوك والطيران للحوثي وسيسلم لهم حصتهم من النفط” مضيفا “لذلك استقبله الحضارم بصيحات برّة برّة”.
واستقبل متظاهرون موكب العليمي في شوارع المكلا باحتجاجات رفعوا خلالها هتافات ناقدة لسياسات الشرعية ومطالبة لرئيسها بمغادرة المحافظة، وذلك على الرغم مما أبداه مجلس القيادة قبل الزيارة من تفهّم لقضايا سكّان حضرموت ومن وعود بالعمل على حلّها.