لا يمكن أن تقوم قائمة لأي شعب إلا بالوعي الخلّاق وهو لا يعني الثقافة العالية فقط بل والإدراك الواعي للواقع أيضا ، والتعامل معه بحكمة وصدق ونزاهة . وإذا لفتنا الى الخطاب السياسي والإعلامي بشكله العام في بلادنا وجدناه في المجمل ينبني على أربعة عناصر : الكذب والتضليل ( التلاعب بالعقول ) التبرير ( التهرب من المسؤلية ) الإشاعة ( تكريس التلقي السمعي بدلا من التحقق والمعاينة ) التربص بالآخر ( إعادة إنتاج الخصومة واستجرار الصراعات ) وقد أفرز ذلك وعيا مشوشا وضبابيا عند الجماهير يفقدها القدرة على التمييز بين التنوير والتهييج والبيان والتعمية والأصالة والتزييف ، واليقين والتخمين ، وعندما تفقد الجماهير قدرتها على التمييز فإن التمييع يحل محل الحق ، والتهريج يحل محل المعرفة ، والانقياد يحل محل الاختيار ، والسعر يحل محل القيمة . ويرجع ذلك في الأساس الى أن أغلب من يتسيدون عملية توجيه اهتمام الرأي العام ، ويحظون بتزاحم رواد وسائل التواصل الاجتماعي على حساباتهم وصفحاتهم هم أشخاص متواضعوا الثقافة ، ومحدودوا الأفق ، وشحيحوا القدرة على الإبداع ، بل أن البعض منهم قد أصبحت حماقته ورعونته وسطحيته وتفاهته هي سبب شهرته وإقبال المتابعين عليه والتأثر به واتخاذ ما ينشره ويروج له معيارا للصواب ونبراسا للحقيقة . إن موجه عاتية من الوعي المزيف تجتاح عقل المجتمع ، وتلوث بصيرة جزء كبير من أفراده بسبب افتقار الخطاب السياسي والإعلامي للقدرة على إنتاج الوعي الخلاق ، وتسيد الطارئين لعملية توجيه دفته ، وتمكين الأقل كفاءة والأقل خبرة لزمام المؤسسات المناط بها إحداث الإصلاحات المناسبة لتغيير هذا النمط من الوعي ، ووضع الأسس والمعالجات لبناء وعي خلاق يقلص من مساحة ذلك الوعي المزيف شيئا فشيئا الى أن يتمكن من إزاحته الى الظل والحلول مكانه .