بعض التحليلات تذهب إلى أن الانهيار المتسارع لحزب الله يعود إلى فارق القوة الواسع مع إسرائيل. هذا صحيح نسبيا فقط، وكان يمكن تلافيه، بل وتحقيق انتصار محدود لكنه مهم، إلا أن الحزب ارتكب خطيئتين يبدو أنهما تقضيان عليه.
الأولى: غياب إرادة القتال الحاسمة والواضحة، وقد ظهر ذلك بوضوح بعد مقتل قائدة العسكري فؤاد شكر، إذ أنه بدلا من يعاقب إسرائيل بضراوة بالغة ويطلق عليها ألف صاروخ لا تعادل شيئا من ترسانته، انتظر كثيرا، وربط نفسه بالتقويم الإيراني الذي قرر (ضبط النفس) في حادث اغتيال هنية، ثم انتقم بشكل خائب وهش بعد مضي وقت طويل نسبيا. وفي خطابه بعد اغتيال شكر، أرسل حسن نصر الله إشارات مباشرة بعدم التصعيد، بل ودعا سكان الجنوب للعودة إلى ديارهم.
ليس هناك قائد يصدر هذه الدعوة في خضم حرب، إلا إن كان قرر عدم خوضها، هذه إشارة سلام مباشرة، فهمتها إسرائيل على أنها ضعف، وكانت كذلك بالفعل. في الحروب ليس هناك تردد أو ليونة أو حسابات للرجعة، لا سيما مع عدو مثل إسرائيل، لكن حينما ربط نصر الله نفسه بالحسابات الإيرانية البراغماتية انتهى ومنح إسرائيل زمام المبادرة.
الخطيئة الثانية، هي الفشل الأمني المريع، وعدم القدرة على السيطرة على تسرب المعلومات، حتى كأن أحد ما كان يضع قيادات الحزب في المكان الخطأ لتقتلهم إسرائيل. بالطبع نفهم أن الحزب اصبح كتابا مفتوحا لإسرائيل خلال مغامرته الطويلة في سوريا، لكن هذا الفشل الأمني، سيكون نموذجا لغياب الكفاءة يتقدم فيه الحزب على كل من سواه عبر تاريخ الحروب. هذا الفشل الأمني قضى على قيادات الحزب خلال عشرة أيام، وربما يكون من بينهم زعيم الحزب ذاته.
لا تعرف أسرار هذه الخيبة الأمنية، وقد لا تعرف أبدا، لكنها لا تخرج عن دائرة أقرب المقربين من قيادة الحزب، أو من رعاته الإيرانيين.
في الحصيلة، فشل الحزب باستخدام قوته الصاروخية المخزونة، فمنها ما دمر في مخازنه، ومنها ما يصعب إطلاقه بسبب الرصد الإسرائيلي أو الانكشاف الأمني. وهكذا تحولت صواريخ الحزب من ميزة للقوة إلى عبء، وإلى قنابل موقوتة يتسبب انفجارها بقتل اللبنانيين انفسهم.
لا نعرف كيف سيخرج الحزب من هذا المأزق، لكنه بالتأكيد لن يعود كما كان، لا سيما إن صحت أخبار مقتل أمينه العام، فحينها يصبح حزب الله من الماضي.