في الذكرى الحادية والستين لانطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963، يستمر الجيل الحالي في مسيرة النضال الوطني ساعيًا نحو تحقيق الاستقلال الثاني للجنوب. إنّ هذا الجيل يستحق كلّ التقدير والاحترام على صموده وتضحياته في هذه المسيرة المظفرة. لم تكن هزيمة صيف 1994 نهاية الطريق، بل كانت بداية مرحلة جديدة شهدت ميلاد جيل وطنّي أعاد صياغة هويته بما يتناسب مع روح العصر وتحدياته.
لقد ساهمت سنوات الحراك الجنوبي في ترسيخ هوية وطنية عميقة تؤكد على وحدة الهدف والمصير، والتي تجسّدت في وحدة الأرض من المهرة إلى باب المندب. إنّ تحقيق الاستقلال الأول كان تحقيقًا لأحلام الرواد الأوائل الذين آمنوا بوطن يمتدّ على جنوب شبه الجزيرة العربية.
لقد توحّدت 23 سلطنة ومشيخة في كيان وطني واحد، وأجبرت بريطانيا على الرحيل ليس فقط من مستعمرة عدن، بل من جميع المناطق الواقعة شرق قناة السويس. لقد شكّل ما أنجزه جيل الاستقلال الأول إنجازًا تاريخيًا عظيمًا في مسيرة الأمة العربية، ولولا تلك الثورة التي حظيت بدعم الزعيم جمال عبد الناصر، لما سرّعت بريطانيا من رحيلها عن بلاد العرب.
لقد أسّس الآباء الأوائل دولة على مبادئ قومية تقدمية حاربت التخلّف بجميع أشكاله، بما في ذلك التشدد الديني والمذهبي. ورغم كلّ شيء، تبقى تلك التجربة السياسية جزءًا من تاريخ الجنوب بإيجابياتها وسلبياتها. إنّ الجيل الحالي يُدرك ذلك جيدًا وهو يمضي قدمًا نحو بناء دولته الجديدة القائمة على قيم التسامح ونبذ العنصرية والكراهية. إنّ التضحيات التي قدّمها هذا الجيل في مسيرته النضالية علّمته أنّ الدولة الجديدة يجب أن تكون منفتحة على المستقبل ومؤمنة بالتعايش والتعليم.
يُعدّ الجنوب اليوم شريكًا أساسيًا في مكافحة الإرهاب، وسيستعيد دوره المهمّ في حماية أمن باب المندب وبحر العرب. إنّ المرحلة القادمة تتطلّب جيلًا قادرًا على بناء منظومة اقتصادية قوية مستفيدًا من موقع الجنوب الاستراتيجي الذي كان وسيظلّ مهدًا للتنوير والحضارة. فمن هذه الأرض انطلقت الدعوة الإسلامية التي نشرَت قيم المحبة والتسامح في قلوب ملايين البشر في الشرق الآسيوي وإفريقيا. ولولا المدرسة الوسطية الحضرمية، لما كان لهذه الأرض كلّ هذا الأثر الحضاري عبر التاريخ.
إنّ هذا الجيل الذي نتباهى به وهو يحمل أعلامه الوطنية في كلّ مناسبة، هو جيل صمد في وجه نظام علي صالح، وهزم الحوثيين أذناب إيران، وسحق التكفيريين من أتباع القاعدة. إنّه جيلٌ عظيمٌ قادرٌ على قيادة الجنوب نحو تحقيق الاستقلال الثاني الذي لم يعد بعيدًا.