عندما نستخدم تعبير “ثورة الجياع” فإن هذا لا يأتي من باب الاستخدام المجازي أو المبالغة التعبيرية أو حتى التهويل الإعلامي والسياسي، لا بل إنه تعبيرٌ حقيقي عن حالة وشيكة الاندلاع، تبدو عوامل انفجارها في الأفق غير البعيد.
خبراء السياسة والاجتماع يشيرون إلى ثلاثة عوامل هي بمثابة الشروط الأساسية لقيام أي ثورة، وللتخفيف دعونا نقول أن هذه العوامل هي المبررات التي تجعل من اندلاع الثورة أمراً حتمياً يمكن التحكم في إذا ما دنا، وهذه العوامل هي:
1. عجز النظام القائم عن القيام بوظائفه الأساسية وواجباته القانونية والدستورية تجاه الشعب.
2. اتساع دائرة السخط الشعبي واشتماله لجميع فئات المجتمع، المتضررة من السياسات القائمة والنهج المتبع في إدارة شؤون هذه المجتمع.
3. بلوغ هذا السخط درجة من التصاعد تصل حد الاستعداد للتضحية والموت في سبيل التخلص من الوضع القائم، وتغيير منظومة إدارة شؤون المجتمع.
هذه العوامل تكاد أن تغدو ناضجةً في مجتمعنا وإن لم تكتمل عملية النضوج التي ستأخذ مداها إذا ما بقيت الحالة على ما هي عليه، علماً أن الحالة لا تكاد تخرج من السيء إلا لتنتقل إلى الأسوأ، ويقيني أن بعض القائمين على شؤون إدارة البلد (في محافظات الجنوب) التي يسمونها بالــ”محررة” يشعرون بمعانات الناس وعذاباتهم المتواصلة والمتصاعدة، ولو لم يشعروا بما يعتمل في قاع المجتمع فإنهم غير جديرين بتحمل مسؤولية قرية من القرى وليس دولة مساحتها تزيد عن 350 ألف كيلومتر مربع يقطنها أكثر من عشرة ملايين من البشر، أقول إن بعض هؤلاء يشعرون بما يجرى عند أساسات المجتمع الذي يديرونه لكنهم إما عاجزين عن القيام بما يحمي المجتمع من الانهيار، وإما إن البعض منهم يريدون حصول هذا الانهيار لأن هذا المجتمع لا يعنيهم من قريب أو من بعيد فالمجتمع ليس مجتمعهم والشعب ليس شعبهم والأرض ليست أرضهم، وهم مجرد حكام مستضافين من دولة شقيقة جاءوا لمهمة مؤقتة وسينصرفون عند انقضاء هذه المهمة.
من يقرأ عن الأوضاع التي تشهدها محافظات الجنوب، وعن حالة الناس فيها، يؤمن إيماناً مطلقاً أنه ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الوضع من الانهيار فإن فوضى قادمة قد تأكل الأخضر واليابس، لم تعد قابلة للتأجيل، أما من يعيش بين الناس في عدن وبقية المحافظات فإنه سيعيش نصيبه من عذابات الجحيم اليومي الذي يعانيه الناس، في جميع متطلبات حياتهم بدءاً بالغذاء والدواء واالخدمات، مرورا بالغلاء الفاحش المرتبط بانهيار سعر العملة حتى أحض من الحضيض نفسه وانقطاع دفع مستحقات الموظفين والمتفاعدين لأشهر متواصلة، وانتهاءً بغياب الدولة وحضور اللادولة، وهو ما يعني أن التماسك الهش والخادع للمجتمع يقوم على العوامل الفطرية والغريزية القابلة للانفلات في أية لحظة.
أكثر ما يهدد المجتمع بالفوضى والانهيار والتفكك هو غياب بديل سياسي جاهز لتحمل مسؤولية تنظيم طاقات المجتمع وتأطير عمليات الرفض الشعبي العارم للوضع القائم، وهو ما يعني أن عملية الرفض الشعبي، أو ما أسميناه بـ”ثورة الجياع” قد لا تتخذ المنحى المنتظم والقابل للتوجيه والإرشاد، وأن فوضىً عارمة قد تكتسح المجتمع في ظل الانتشار العشوائي للسلاح، وتنامي حالة اليأس والإحباط بين الناس، وبالتالي حدوث ما لا يحمد عقباه من التداعيات التدميرية لا سمح الله.
ما يزال من الممكن الحيلولة دون حصول هذه الأزمة الكارثية، إذا ما تحمل حكام البلد مسؤوليتهم وبصورة استثنائية وعاجلة ومبتكرة قد تتطلب جراحة مؤلمة في بنية القيادة ذاتها، بدءًا بوقف الفساد والعبث واتباع إجراءات تقشفية صارمة تشمل أغلبية الصف الأول من القيادة ومنع السفريات المكلفة، وإيقاف دفع الرواتب بالدولار أو أي عملة أجنبية، ثم تخفيف جيش الموظفين والمسؤولين الوهميين المهاجرين، وفصل من جرى تجييشهم على طريقة (الكتبة العسكرية) في فترة نزوح القيادة واستيلاء الفاسدين على وزارات الخارجية والدفاع والأمن، التي ابتلعت معظم إياردات الموازنة وصار لدينا أسر كاملة من الدبلوماسيين تشمل الزوج والزوجة والأبناء والأقرباء، لا يعملون شئاً سوى التوقيع على قائمة الدولارات.
المعالجة لا بد أن تكون متعددة الأوجه والغوص فيها قد يطول لكننا نقول للقائمين على شؤون البلد.
إن البديل لهذا الوضع المهدد بالانهيار هو “ثورة جياع” وشيكة لا تبقي ولا تذر، تجعل أيامكم في الحكم (لذي لا يحكم) معدودةً
فهلَّا خشيتن هذه الثورة واستعجلتم العودة إلى الوطن لمعالجة الوضع قبل حدوث هذه الثورة؟