تتزايد الأصوات في الجنوب محذرة من تحويل معاناة وتضحيات الشعب إلى مكاسب شخصية أو فئوية، رسالة واضحة تعيدها وتطلقها الجماهير، وهي مدركة ومسؤولة أن الوطن وحقوق الشعب يَجِبُ ألاّ تتحول إلى مكاسب شخصية آنية أو خاصة، في ردود فعل تظهر مدى الغضب الشعبي والحنق المتزايد تجاه استغلال التضحيات الوطنية لصالح فئات دون غيرها.
منذ سنوات طويلة، شعب الجنوب يقدم تضحيات كبيرة في سبيل نيل حقوقه الوطنية والسياسية وبناء دولة جنوبية تحقق العدالة الاجتماعية والسياسية، هذه التضحيات لم تأتِ دون ثمن، إذ دفعت الجماهير فيها أثماناً باهظة من دماء أبنائها ومن استقرارها الاقتصادي والاجتماعي دون استثناء ولا حكرا على فئة دون أخرى، واليوم ، يزداد القلق حول كيفية إدارة هذه المكتسبات الوطنية في ظل انعدام الشفافية عن طريقة إدارة القيادات الجنوبية لهذه المكتسبات والعملية السياسية وتحويلها إلى واقع على الأرض.
أن التحذير من استغلال قضية الوطن وتحويلها إلى مكاسب خاصة، لم يأت من فراغ لأن الشواهد على ذلك كثير من الانحرافات لم تعد تخطئها العيون ولذلك خرجت الكثير من الانتقادات التي تُطرح اليوم من عديد المخلصين لشعبهم الجنوبي ومن قادة سابقين في الثورة الجنوبية يوم كان الثمن فيها هو التضحية، تعبر عن مخاوف من أن يتم التعامل مع الوطن من قبل قيادات سياسية فاعلة وكأنه “بقرة حلوب”، تُستغل ثرواته وموارده من قبل فئة معينة، دون النظر إلى المعاناة العامة للشعب، فبينما يطمح المواطنون إلى تحسين أوضاعهم المعيشية وتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً، يرون أن هناك من قفز على تضحياتهم ويعمل تحقيق مكاسب خاصة على حساب الوطن.
إن إنهاء الفساد والمحسوبية هو رأس العِلة، ولذلك ترتفع الأصوات الشعبية المطالبة بوجود رقابة صارمة على إدارة الموارد الوطنية، وكشف حساب عن كل ثروات القيادات الجنوبية ما بعد ٢٠١٥م، وضمان أن يتم محاسبة الفاسدين بحيث تتحول موارد الجنوب إلى فوائد عامة للوطن وليس لفئة محددة.
يجب أن تكون هناك شفافية في كيفية إدارة الثروات الوطنية، وكيفية توزيعها بما يحقق العدالة، فلا يمكن أن تستمر المعاناة العامة في ظل استغلال الوطن من قبل فئة لتحقيق الثروات الشخصية.
أن القيادات السياسية في الجنوب تواجه اليوم اختباراً حقيقياً، فهل ستستجيب لمطالب الجماهير؟ أم ستظل تحكمها المصالح الشخصية الأنانية المحركة لأفعالها المخزية؟
على هذه القيادات أن تدرك أن الشرعية الحقيقية تأتي من الشعب، وأن فقدان الثقة قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وستصبح تلك القيادات أول الخاسرين.
الوطن ليس مجرد مورد اقتصادي، ولا هو ملكية خاصة لفئة محددة، إنه كيان مقدس، وقدسيته من حقوق شعبه الذي يجب أن تكون مصالحه أولوية قصوى للمخلصين، وكل استغلال للتضحيات أو تجاهل لمطالب الشعب سيؤدي إلى عواقب وخيمة، لن تكون إلا في مصلحة أعداء الجنوب.
ختاماً، يبقى الأمل معقوداً على ما بقي من وعي لدى بعض القيادات واستجابتها لمطالب الشعب، وتغيير النهج نحو بناء وطن يضمن حقوق الجميع ويحمي تضحيات أبنائه، قبل أن تقع الفأس في الرأس.