صحيح أن الرصاصة تستطيع أن تزهق النفس ولكنها لاتستطيع ان تزهق اوتقتل الفكرة والحزب الاشتراكي اليمني وجد ونشأء من اوساط الشعب وهو فكرة متجددة لايمكن اغتيالها صحيح قد ترهبنا هذه الاغتيالات ولكن لايمكن ان يموت الحزب كواقع اجتماعي وسياسي وايديولوجي.)
جار الله عمر
أُغتيل الشهيد جارالله ككل الاشياء الجميلة التي تم اغتيالها في هذا البلد، وحصدت رصاصات الارهاب والنظام وقوى الظلام خير من انجبت اليمن من كوادر عسكرية ومدنية وسياسية، بدأت وعلى مدار اربع سنوات منذ العام ٩٠ – ٩٤ حيث بلغ عدد الضحايا من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني وقياداته ١٥٥ شهيدا، وثمة ما يجب ان لا يُنسى عن التضحيات الجسيمة للحزب الاشتراكي اليمني في خضم كفاحاته النبيلة في معارك التاريخ ومعادلات الصراع، نحو الدولة المدنية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وسعيه الدؤوب لانتاج قوة الدولة لا دولة القوة، تلك التي أضاعت في دهاليز مصالح نافذيها احلام الشعب وتطلعات أجياله.
جاء الشهيد جار الله عمر وقادة كثر من بين ظهراني الحركة الوطنية التي شكل الحزب الاشتراكي اليمني مصباً لروافدها، ومن مدرسته القيمية المكافحة حملوا على عاتقهم مبادئه وكانوا في مقدمة صفوف نضاله ومساراته الوطنية وسجلوا بأحرف من نور مواقف خالدة في سفر التاريخ وكانوا الطليعة الملهمة في أحلك المراحل التي مر بها الحزب والوطن معاً.
لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني حزباً نخبوياً، ولم يكن حزباً مناطقياً أو جهوياً أو طائفياً، ولذلك فإنه مثل كل الخارطة اليمنية بسهولها وجبالها وريفها وحضرها، من عمق الجماهير خلق واليهم يعود ومن صلب المعاناة والكفاحات الطويلة صبغ مبادئه وقيمه واهدافه ومشروعه الوطني الكبير، من اكواخ الفلاحين ومصانع العمال و هسهسات خبز الفقراء المعجونة بكدهم وعرقهم، من احلام المهمشين بالعدالة الاجتماعية و بسطاء الناس، ومن بين اشراقة عيون التواقين للحرية والكرامة جاء هذا الحزب العظيم متدثراً بهم وباحلامهم النبيلة، ولذلك ظل عصياً على الكسر، وعصياً على الموت، وعصياً على الاحتضار.
لقد تعرض الاشتراكي لضربات موجعة كانت احداها اغتيال الشهيد جارالله عمر ، وتداعت قوى التخلف عليه كما تداعت الأكلة على قصعتها ، بغية انهاءه ، غير انه تحمل كل الضربات بإرادة صلبة وأبى ان ينكسر او يموت، متجددا في كل مواسم الزرع ومهما كان عنف الجفاف، مستمرا في توليد الحلم نحو المستقبل لوطن بات غارقا في العتمة ،واقفا على مئالات مجهولة .
إن فداحة جريمة اغتيال جار الله عمر التي كانت أمام مرأى ومسمع العالم بينت بكل وضوح حجم مأساوية الدولة العميقة وطغيانها ووحشية ادواتها وتعاملها مع الخصوم السياسيين، وان القاتل المتطرف خريج جامعة الإيمان ما هو إلا احد تروس تلك الادوات التي ظلت مستمرة في تغييب الدولة والقانون وفرض اجندتها على المشهد السياسي العام حتى غدت الاغتيالات ثقافة، مازالت تحصد الرؤوس، ولم يعد ذلك مقتصراً على رؤوس الاشتراكيين وحدهم ورغم مطالبه المستمرة بتجفيف منابع الارهاب إلا أنه لم يصيخ سمع أحد لنداءاته.
لقد مني حزبنا ووطننا وكل يساريي العالم بخسارة كبيرة باغتيال رجل الديمقراطية والتسامح والحوار جار الله عمر الذي رحل واقفاً كأشجار الصفصاف الباسقة،،كان قد استكمل قراءة كلمة الحزب الاشتراكي اليمني في مؤتمر عام التجمع اليمني للاصلاح موضحا موقف الاشتراكي تجاه قضايا الشعب في الحرية والكرامة ،والتي ضمنها ما بات يعرف بالوصايا السبع، عن المواطنة المتساوية وتأمين السيادة بتوازن المصالح بين الفئات الاجتماعية والمناطق المختلفة للبلاد، وعن دولة النظام والقانون والديمقراطية والتسامح وقواعد العيش المشترك، وبعد عام ونيف من هندسته لتكتل اللقاء المشترك، هذا الجار الله القادم من المستقبل، النابض بالمحبة والسلام والزاخر بالفكر التحرري والمفعم بروح الوطنية ورجل اللحظات العصيبة ومهندس أدوات البقاء، وأن إحياء ذكرى الاغتيال الاثمة ليس فقط للتذكير بهول الفاجعة وقول المراثي ولكنه التأكيد على الاصرار بالمضي قدماً وفق الخارطة التي رسم معالمها الشهيد جار الله بفكره ودمه، الاصرار على الوفاء لمبادئه وقيمه والانتصار لتحقيق الاهداف التي كافح من اجلها حتى عانقت روحه السماء ووري جسده النحيل طيات تربة هذه الارض التي احبها حتى النخاع.
جار الله كان ظاهرة عابرة للحدود والجغرافيا، مثله مثل الثورات التي لا تؤمن بأي حدود وبأي جغرافيا، يساري قومي أممي، نذر نفسه لتحرير الانسان وهو من تلك المعادن النفيسة التي لم تغير بريقها سنون القحط وعوامل الشتات ومغريات الحياة، استمر ثابتاً كرواسي الجبال الشامخة، وبسيطاً كالحقول الخضراء، ونابضاً دوماً بحب الناس وقضاياهم كنبض السحاب بالمطر.
ها هي ذكرى اغتياله تطل بكل سوداويتها، كلطخة عار في التاريخ اليمني المعاصر،كجريمة أرادت جرف الفكرة وقتلها وسحل أي تطلعات ترفض الاستبداد وتعسكر الحياة المدنية وتهمش الدولة، غير ان الفكرة لم تمت ومنها توالدت أفكار عديدة تنامت حتى اسقطت القتلة، مات القتلة بالادوات نفسها التي صنعوها لاغتيال الشرفاء، وعاش جار الله كفكرة لا تموت ولا تشيخ ولا يطالها النسيان