انهار بنك سيلكون فالي الأمريكي بعد محاولات المستثمرين والمودعين أمس إجراء عمليات سحب حجمها 42 مليار دولار، حيث لم يعد المصرف قادرا على تلبية عمليات السحب الهائلة التي قام بها عملاؤه لأموالهم، وهم ينشطون خصوصا في مجال التكنولوجيا، كما لم تنجح محاولاته بزيادة رأس المال بسرعة. فما قصة هذا الانهيار وكيف ومتى بدأت عملية سقوط ثاني أكبر بنك في أمريكا؟
بداية السقوط بدأت قصة انهيار بنك سيلكون فالي عندما اكتشف عملاء البنك أن المصرف لم يعد قادرا على تلبية عمليات السحب الهائلة التي قاموا بها لأموالهم ما اضطر السلطات الأمريكية إلى إغلاق مصرف سيليكون فالي بنك المقرب من أوساط التكنولوجيا والذي وجد نفسه فجأة في حالة عسر وأوكلت السلطات الأمريكية إدارة الودائع بالبنك إلى المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع في الولايات المتحدة (FDIC) وبعد ذلك بساعات قليلة استدعت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين المسؤولين عن الهيئات المنظمة لقطاع المال لبحث الوضع، حيث شددت على أن “ثقتها كاملة” في قدرة هذه الهيئات على “اتخاذ تدابير مناسبة”، وعلى أن النظام المصرفي “متين وقادر على المقاومة” لكنها ذكرت أيضا في شهادتها أمام لجنة الطرق والمواصلات في مجلس النواب أمس الجمعة: أراقب الوضع وهناك تطورات حديثة تهم بعض البنوك التي أراقبها بعناية شديدة، مضيفة: عندما تتعرض البنوك لخسائر مالية، فإن الأمر يجب أن يكون مصدر قلق.
كيف سيحصل العملاء على ودائعهم؟ تعني الحراسة القضائية عادة نقل ودائع البنك إلى بنك آخر في وضع مالي جيد، أو أن تتولى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع سداد مستحقات المودعين إلى الحد المؤمن عليه البالغ 250000 دولار.
وتخطط المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع في الولايات المتحدة لإعادة فتح فروع بنك سيلكون فالي البالغ عددها 17 والتي تتخذ من كاليفورنيا وماساتشوستس مقرا والسماح للعملاء بسحب ما يصل إلى 250 ألف دولار على المدى القصير، وهو المبلغ الذي عادة ما تضمنه المؤسسة.
ما تأثير إفلاس بنك سيلكون فالي على البنوك الأخرى؟ لا يمثل إغلاق بنك اس في بي اختصارا لـ سيليكون فالي بنك أكبر عملية إفلاس مصرفي منذ إغلاق بنك “واشنطن ميوتشوال” للادخار في العام 2008 فحسب، بل أيضا يمثل ثاني أكبر إفلاس لبنك بالتجزئة في الولايات المتحدة.
في الواقع تأثرت العديد من البنوك حول العالم بالأزمة حيث خسرت أكبر أربعة مصارف أمريكية 52 مليار دولار في البورصات، وأعقبتها المصارف الآسيوية ثم الأوروبية وفي باريس، خست بنوك سوسييتيه جنرال 4،49 % وبي إن بي باريبا 3،82 % وكريدي أجريكول 2،48 %. في أماكن أخرى من أوروبا، كما خسر دويتشه بنك الألماني 7،35 % وباركليز البريطاني 4،09 % ويو بي إس السويسري 4،53 %.
وشهدت مصارف محلية مثل فيرست ريبابلك وسيغنتشر بنك المزيد من الاضطرابات مع انخفاض أسهم كل منهما 23 %.
كما هبطت أسهم كل من بنوك إتش.إس.بي.سي ودويتشه بنك وباركليز وأوني كريديت وكومرتس بنك بما بين 2.6 بالمائة و7.4 بالمائة.
هل يشهد العالم أزمة اقتصادية جديدة بعد هذا الانهيار؟ أثارت الأحداث المتسارعة التي أعقبت انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي سؤالين أساسيين في أذهان المتابعين: كيف وصل بنك سيليكون فالي (SVB) إلى هذا الموقف؟ وهل ستتضخم هذه الأزمة وتتحول إلى نذير هلاك للمؤسسات المالية العالمية؟ قرع انهيار بنك سيليكون فالي (SVB) طبول الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تطل برأسها منذ جائحة كورونا التي أعطبت بدورها الاقتصاد والصناعة وسلاسل التوريد والإمداد، وجاءت الحرب الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عام لتزيد من شدتها واتساعها.
وعقب أكبر فشل لمؤسسة مالية منذ ذروة الأزمة المالية في عام 2008، سارع المنظمون الأمريكيون إلى الاستيلاء على أصول بنك (SVB) يوم الجمعة بعد أن سارع المودعون، ومعظمهم من العاملين في مجال التكنولوجيا والشركات المدعومة من رأس المال الاستثماري، إلى سحب أموالهم هذا الأسبوع مع انتشار القلق بشأن وضع البنك.
وبينما تعهد الرئيس جو بايدن الأحد بمحاسبة الأشخاص المسؤولين عن إفلاس بنك سيليكون فالي ومؤسسة مالية ثانية هي سيغنِتشر بنك، ساعياً في الوقت نفسه إلى طمأنة الأمريكيين بأن ودائعهم بأمان، أكدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أن الحكومة تريد تجنُّب تأثير إفلاس البنك على بقية النظام المصرفي، مستبعدةً إنقاذ البنك عن طريق ضخّ أموال عامة كما فعلت الحكومة خلال الأزمة المالية عام 2008 عندما أنقذت عدداً من البنوك الكبيرة لاعتقادها أن انهيارها سيشكل خطراً على النظام المصرفي بكامله.
انهيار بنك التكنولوجيا
قبل انتشار الأخبار التي زفت نبأ انهياره، لم يكن بنك سيليكون فالي معروفاً لعامة الناس، فقد تخصص في تمويل شركات التكنولوجيا الناشئة وأصبح أحد أكبر البنوك في الولايات المتحدة من حيث حجم الأصول. في نهاية عام 2022، كان لديه أصول بمقدار 209 مليارات دولار ووصلت ودائعه إلى حوالي 175.4 مليار دولار. ما جعله يحل في المرتبة الـ16 كأكبر بنك في الولايات المتحدة.
ويرجع السبب الرئيسي وراء انهيار البنك إلى تعرضه لأزمة سيولة وعجز عن سداد فوائد الودائع، التي كان يستثمر أموالها في السندات الأمريكية طويلة الأجل، ما دفعه إلى بيع محفظة استثمارية وطرح أسهم في محاولة لتوفير الأموال.
لكن إصدار وكالة موديز للتصنيف الائتمانى تقريراً خفضت فيه التصنيف الائتماني للبنك نتج عنه ما يسمى مصرفياً بـBank Run، أي هرع المودعون إلى سحب أموالهم. فيما دفع انهيار سعر سهم البنك بنسبة 60% يوم الجمعة الجهات المنظمة إلى إغلاق المصرف وتحويل وصايته إلى المؤسسة الاتحادية لتأمين الودائع التي ستتصرف في أصوله.
تأثير الدومينو
مباشرةً بعد أن أعلن بنك سيليكون فالي أنه يسعى إلى زيادة رأس المال بسرعة لمواكبة السحوبات الهائلة لعملائها، حيث اضطر إلى بيع محفظة سندات بقيمة 21 مليار دولار، خسر فيها قرابة 1.8 مليار دولار، كما طرح أسهماً بقيمة 2.25 مليار دولار، بدأت موجة من الذعر تخيم على الأسواق منذ يوم الخميس.
وفاجأ الإعلان المستثمرين وأثار مخاوف بشأن سلامة القطاع المصرفي بأكمله، بخاصة مع الارتفاع السريع في أسعار الفائدة، وهو ما يخفض قيمة السندات في محافظهم ويزيد من تكلفة الائتمان وسط تباطؤ الإقراض المصرفي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً. ما قد يتسبب في أزمة سيولة تتمثل بعدم قدرته على الاستمرار بدفع فوائد على الودائع المتبقية.
وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن استمرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة منذ مارس/آذار 2022 حتى اليوم تسبب في هجرة الودائع من البنك ليستثمرها أصحابها في السندات قصيرة الأجل، والتي تجاوزت عائداتها 5%، أي أنها مربحة أكثر من بقائها في بنك مثل (SVB) والحصول على عائد لا يتعدى 3.5%.
ومع نهاية رحلة بنك (SVB) في عالم التمويل والاستثمار، خسرت أكبر أربعة بنوك أمريكية 52 مليار دولار في سوق الأسهم يوم الخميس. وفي أعقاب ذلك، تعثرت البنوك الآسيوية ثم الأوروبية. من ناحية أخرى، واجهت البنوك متوسطة الحجم أو أكثر التي تركز على نوع واحد من العملاء، اضطرابات أكبر.
هل العالم على موعد مع أزمة بنوك عالمية؟
بدأ المنظمون الماليون الأمريكيون إجراءات طارئة ليلة الأحد لوقف العدوى المحتملة من انهيار بنك سيليكون فالي. وتشمل الإجراءات ضمان حصول المودعين لدى البنك المنهار على أموالهم بحد أقصى 250 ألف دولار صباح الاثنين، والمبالغ المتبقية يحصلون مقابلها على سندات تصرف لهم عند تسييل أصول البنك.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية قول بول أشوورث المحلل في كابيتال إيكونوميكس، والذي جاء فيه: “منطقياً، يجب أن يكون هذا كافياً لمنع أي عدوى من الانتشار وإغلاق المزيد من البنوك، وهو ما يمكن أن يحدث في غمضة عين في العصر الرقمي. لكن العدوى كانت دائماً تتعلق بالخوف غير العقلاني، لذلك نؤكد أنه لا يوجد ضمان لنجاح ذلك”.
وبعد المخاوف حيال حدوث أزمة والتي أثارتها تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية بأنه لن تكون هناك خطة إنقاذ لبنك وادي السيليكون، جاءت التدخلات سريعاً من خلال الإعلان عن أنه سيجري السماح للبنوك الآن باقتراض مبالغ غير محدودة بشكل أساسي من الاحتياطي الفيدرالي للعام المقبل، طالما أن القروض تقابلها أوراق مالية حكومية آمنة. وهذا يعني أن البنوك ستكون قادرة على الوصول بسهولة إلى نقود المودعين، دون الاضطرار إلى بيع السندات الحكومية التي انخفضت قيمتها خلال العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وسعت يلين إلى تهدئة المخاوف من تأثر النظام المصرفي الأمريكي البالغ 23 تريليون دولار بسقوط بنك إقليمي، وذلك بعد أن صرحت قائلة: “النظام المصرفي الأمريكي آمن حقاً ويتمتع برأس مال جيد، إنه مرن”.