مع اقتراب عيد النصر، تبرز إنجازات القيادة الروسية بقيادة فلاديمير بوتين، الذي استطاع أن يطوي صفحة الحرب الروسية الأوكرانية، ليقف الزمن لحظة تقدير لما تحقق من تحولات كبرى أعادت روسيا إلى موقعها بين القوى العظمى… وفي ذلك المشهد سيشرق اسم بوتين ككوكب قدري لا يأفل رجل روسيا القومي الأعظم وبطلها الأشد بأسا قائدٌ نحت مجد بلاده على صفيح الزمن، وأعاد إليها سطوتها بين الأمم فما كانت الحرب إلا حدا فاصلا بين زمن الهيمنة الغربية وزمن استعادة التوازن… وسبيلا لإرساء حقائق الجغرافيا التي لا يغيّرها وهمُ معاهدات تُبرم في عواصم الغرب.
حين اعتلى فلاديمير بوتين سدّة الحكم كانت روسيا تترنّح عند حافة السقوط جيشٌ أثخنته الفوضى واقتصادٌ مترنّح وساسةٌ خانعون أمام الإملاءات الغربية حتى كادت الإمبراطورية التي قهرت نابليون وسحقت النازية تتحوّل إلى تابع ذليل… لكن بوتين بإرادةٍ من حديد وعزيمة لا تُكسر انتشل روسيا من براثن الانحدار وأعاد إليها مَنعتها فشيّد اقتصادا يرهبه الخصوم وبعث جيشًا يختزن بأس القياصرة وعزم السوفييت فارتقت روسيا إلى مصافّ القوى العظمى ممسكة بزمام المعادلات الجيوسياسية بقبضةٍ من فولاذ.
ما إن وطئت قدماه عتبة الكرملين حتى خاض معركته الأولى ضد الفساد المستشري ثم التفت إلى الإرهاب الذي استفحل في القوقاز،، فصبّ سطوته على الشيشان حتى أخضعها بعد حربين ضاريتين ثم انقضّ على جورجيا بعملية برق خاطف .. فانتزع منها أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في خمسة أيام محوّلا إياهما إلى كيانين يدوران في فلك موسكو. ولم يكن ذلك سوى الفصل الأول، إذ واصل تقدّمه الاستراتيجي،، فأعاد القرم إلى حضن الوطن.. قاطعا أوهام “الناتو” في بسط سطوته على البحر الأسود.. ومثبتا أن روسيا ليست كيانا واهنا تُرسم حدوده في أروقة واشنطن وبروكسل.
وفي أوكرانيا، خاض بوتين حرب المصير—”العملية الخاصة”—فانتزع خيرسون وماريوبول وأحكم قبضته على مفاعلي زابوروجيا وتشيرنوبيل النوويين حتى بات بحر آزوف بحيرة روسية خالصة تشهد على عودة الدب الروسي كلاعب أوحد في ساحته الاستراتيجية… كل ذلك صنعه في أتون مواجهة ضارية ضد جُلّ دول الغرب في وقت كان ستالين—أحد أعظم القادة القوميين الروس—يخوض حربه الكبرى مدعوما من ذات الحلفاء في ملحمة ستالينغراد… وما بين ستالين وبوتين يبقى المجد الروسي محفورا في صخر التاريخ لا تمحوه رياح التغيير ولا تزعزعه أعاصير السياسة.
لا يُقاس بوتين بالزعماء العابرين فهو ليس رئيسا يتناوب عليه التاريخ بل قائد صاغ ملامح روسيا الحديثة وحطّم أوهام الغرب في الهيمنة المطلقة. وإن كان كُتب لهزيمته—لا قدّر الله—فستكون تلك نهاية أي أمل في بناء عالم متعدد الأقطاب وإيذانا بانهيار التوازن الدولي وعودة الطغيان الغربي ليحكم العالم بعنجهيته واستبداده… لكن ذلك لن يكون ما دامت روسيا صامدة كحصن منيع وما دام بوتين واقفا على رأسها شامخا كقمم الأورال يرسم مصير أمته بيده لا بأيدي أعدائها.
لا يُقارن بوتين بليونيد بريجنيف؛ ولا خروتشوف؛ ولا حتى بستالين ولا بسواهم؛ فهو طراز وحده قائد أعاد روسيا إلى موضعها الذي لا يُنازع وصنع لها مجدها بحدّ السيف ورفع رايتها حيث لا تنحني