في التاريخ لحظات لا تُنسى، تُفرز الرجال من بين الحشود، وتُغربل الصفوف، وتَصنع من الشعوب قلاعًا عصيّة على الانكسار. واليوم، يقف أبناء الجنوب على أعتاب لحظة كهذه، لحظة فاصلة تُحدّد مستقبل أمة، وتختبر وعيها، وثباتها، ومدى استحقاقها للحلم الذي لطالما ناضلت لأجله وهو استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة من المهرة حتى باب المندب
فالتحديات لا تأتي فرادى، بل تتكالب من كل اتجاه.. مؤامرات تتخفى بثوب “النصح”وأصوات نشاز تسعى لتفتيت النسيج الاجتماعي، وحملات ممنهجة تضرب في صميم الثقة والولاء والانتماء.
هم ليسوا جددًا في مكرهم، ولا مبتدئين في كيدهم، لكن الجنوب -كما عهدناه- ليس طارئًا على التاريخ، ولا هشًّا أمام الرياح. فقد اختبر النكبات، وخرج منها أكثر صلابة، وأشد وعيًا.
لسنا في معركة شعارات، ولا في ساحة استعراض للمواقف،بل نحن في لحظة “صدق تاريخي”، تتطلب أن نكون على قدر الأمانة، أو أن نخسر كل شيء.آن الأوان أن ندرك أن المشروع الوطني الجنوبي أكبر من الأشخاص، وأهم من الولاءات الضيقة، وأقدس من الحسابات الصغيرة.آن الأوان أن نقول: كفى تشظيًا.. كفى تخوينًا.. كفى استنزافًا للثقة والبصيرة.
نحن بحاجة إلى جبهة داخلية متماسكة، إلى صفّ جنوبي موحد، نختلف فيه برقي، ونتفق فيه على الثوابت، ونردم فيه الهوة بين القيادات والشارع.فلنكن على وعي بأن معركتنا ليست ضد بعضنا البعض، بل ضد من يراهنون على تمزقنا.. ضد من يروّجون لليأس، ويستثمرون في الفوضى.
الجنوب ينادينا اليوم كما لم ينادِ من قبل، فإما أن نلبي النداء بمسؤولية، أو نخذل الأجيال القادمة التي علّقت علينا آمالها.لنُغَلِّب العقل على العاطفة،ولنَصُن الحلم من التبعثر،ولنصنع معًا لحظة جنوبية جديدة.. تكون بحجم التضحيات، ووفية لدماء الشهداء.دعونا نوقف جلد الذات، ونرتقِ بخطابنا، ونحمل هذه المرحلة بما تستحقه من نُبل وصدق ووفاء.