في جنح الظلام، حين يصمت كل شيء إلا صوت البنادق الخافتة، كانت حركة تقرير المصير “حتم” تمضي في طريقها بثبات لا يلين.
رجالها، مناضلون أشداء، اعتادوا الليل حليفًا والغيم ستارًا، يغيرون على ثكنات الاحتلال ويضربون في عمق معسكراته، مخلّفين وراءهم رعبًا وارتباكًا في صفوف جيشه.
مع كل نصر تحققه “حتم”، كان جنون المحتل يتضاعف، حتى لجأ إلى أقذر أساليبه: الاغتيال.
كانت أولى ضرباته الغادرة باغتيال المناضل الشهيد محمد ثابت، في محاولة لكسر شوكة المقاومة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل دفع به غروره للتفكير باجتياح مدينة زبيد، معقل “حتم” والقلعة الصلبة التي يتحصن بها القائد عيدروس ورفاقه.
لكنها كانت مغامرة حمقاء.
فما إن بدأت قوات الاحتلال تحرّكها نحو المدينة، حتى اشتعلت الأرض من تحت أقدامها؛ إذ تحركت كل مناطق الضالع، وغار رجال “حتم” على المواقع العسكرية من كل اتجاه.
أربكت الضربات المباغتة جيش الاحتلال، فاضطر إلى الانسحاب تحت نيران الغضب، عائدًا بخيبة إلى ثكناته، مهزومًا أمام عزيمة لا تُقهر.
وفي عام 2000م، واصل الاحتلال نهجه الدموي، فاغتال الشهيد أحمد محمد ناصر الجمل في كمين وجرح قايد سعيد وحزام ومحمد علي حمود ونجى المناضل خالد مسعد ، ثم لاحقًا أقدم على تصفية الشهيد أحمد عبدالله شكع في العام نفسه وجرح المناضلين عبدالفتاح قرقور وعبيد محمد مسعد ،ثم في يونيو استشهد المناضل عادل مانع أثر مواجهات شرسة في حياز، وكأن الموت قد صار وسيلته الوحيدة في مواجهة الحق.
لكن الردّ لم يتأخر.
حاولت قواته اعتقال المناضل الصلب صالح صلحي قرض، فبادَرهم بنار الغضب، وأردى بعضهم بين قتيل وجريح، لتنهار العملية، ويتشتت الجنود في الجبال والسهول.
ثم جاء الردّ الأكبر، حين اجتمع كل رجال “حتم” تحت راية واحدة، ليخوضوا مواجهة حاسمة أسفرت عن نصر كاسح ضد جيش الاحتلال.
ومع مرور العام، استمر النزف.
ففي العام التالي أي في عام 2001م، امتدت يد الغدر لتغتال القائد الشهيد علي قائد المعكر، ثم دخل الاحتلال في حالة هستيرية من الانتقام، فبدأ بنسف بيوت المناضلين في جحاف، وكان من بين المستهدفين:البكري، وهاشم، وكباس،وفضل حسن وهم الاربعة المناضلين الذين نسف الاحتلال بيوتهم، وأدى تدمير بيوتهم إلى التشريد حيث وجدوا أنفسهم بلا مأوى وتجرعوا كل صنوف المعاناة والفقر .
وقد جرى تفجير المنازل بما فيها من أثاث ومحتويات وغذاء..
بالإضافة إلى تضرر الكثير من المنازل المجاورة في مناطق، السويداء وبلس وعانيم،. وعندما هب أبناء جحاف لنجدة أسرة المناضل محمد صالح هاشم وبناء غرفة صغيرة وحمام ومطبخ يأوي الأسرة إلا أن قوات الاحتلال عاودت الزحف قبل فجر اليوم الذي سبق عيد الفطر وداهموا البيت وقاموا بإطلاق النار على الأطفال والنساء وأصيب الشاب المناضل بكيل هاشم باكثر من عشرين رصاصة ثم قام الجنود بأخذه بينما كان جريحاً ودمه ينزف وقاموا باختطافه وتعمدوا عدم إجراء إسعاف طبي مناسب له ما تسبب له اعاقة مستدامة في ساقه، ولم يطلق سراحه الا بعد عدة أشهر.
لم تكن البيوت وحدها هي المستهدفة، بل الكرامة والوجود والمصير.
لكن “حتم” كانت تعرف أن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع من بين أنياب الطغاة.