بحسب المصادر المصرفية والتجارية المطلعة، فمن المتوقع أن يواصل الريال اليمني تعافيه أمام العملات الأجنبية خلال الأيام القليلة القادمة.
وتستند المصادر في توقعاتها على الخطوات الجادة التي اتخذها المركزي اليمني بالتنسيق مع جمعية البنوك وجمعية الصرافين في شهر يوليو ٢٠٢٥، والتي ساهمت في ضبط العرض والطلب للنقد الأجنبي وقوضت بشكل ملحوظ إجراءات المضاربة.
وخلال اليومين الماضيين أظهر بعض الصرافين والتجار نمطا من سلوك القطيع، وبدأوا بالمضاربة بشكل هبوطي وشراء الريال اليمني بسعر مضاعف بعد أن كانوا يقومون بالعكس.
وحاليا يبدو أن سوق الصرافة يشهد عملية “انتخاب طبيعي” إذ تواجه العديد من الكيانات الصيرفية خطر الإنقراض والخروج من السوق. وهذا يستوجب على كل المواطنين الغافلين ممن أودعوا مدخراتهم بصورة غير قانونية في شراكات صرافة أن يسارعوا إلى استردادها.
ولفهم السياق بصورة أوضح وجب العودة إلى مطلع العام الجاري حينما بلغ الانهيار الاقتصادي منعطفا غير مسبوق. صحيح أن تراجع العملة كان أمراً متوقعا مع شحة الموارد ووقف تصدير النفط وعدم تلقي مساعدات مالية. لكن وتيرة الهرولة المفرطة نحو القاع كانت تحمل معها علامات تعجب كثيرة!
لاحظت إدارة البنك المركزي أن القفزات الكبيرة في أسعار العملة المحلية كانت تحدث مساءً وبصورة جماعية، وهو ما مثل طرف الخيط. وبعد مزيد من البحث والمراقبة اتضح أن هذا الانهيار كان يتم وفق عمل ممنهج، ولا يمثل تفاعلاً طبيعيا مع حالة السوق.
بدأ البنك المركزي يجري فحصا دقيقا لشبكات الصرافة، وأتضح بعد أشهر من التحقيق أن جماعة الحوثي نجحت عبر مزيج من العمل الاستخباراتي والمالي في إنشاء شبكة من الصرافيين الذين يتم تمويلهم بسخاء للقيام بعمليات مضاربة ممنهجة.
على هذا الاساس حدد البنك المركزي قائمة سوداء بشركات الصرافة المضاربة، وقد وضع الأمر على جدول أعمال مجلس القيادة الرئاسي، أثر مناقشات معمقة بين محافظ البنك المركزي والدكتور رشاد العليمي واللواء عيدروس الزبيدي في عدن.
في الوقت نفسه قرر البنك المركزي في يوليو وضع حد أعلى للعملة بالتفاهم مع البنوك المعتمدة وجمعية الصرافين؛ وقد تم إيقاع عقوبات على كل جهة لا تعتمد هذا السعر لذا فان عجلة الانهيار توقفت؛ كما أن قرار المركزي بوضع سقوف للتعاملات المالية ساهم في ضبط السوق أيضا.
وفي ٢٤ يوليو بدأت عمليا “مجزرة المضاربين”، حيث أصدر المعبقي ثلاثة قرارات تضمنت توقيف ٣٢ شركة غير ممتثلة- ومازالت القائمة مرشحة للارتفاع- وهو ما أنعكس إيجاباً على سعر العملة المحلية.
لكن إنهاء المضاربة يتطلب من الأجهزة الأمنية استجابة صارمة لتنفيذ هذه القرارات لاسيما في عدن ومأرب وتعز وحضوموت والمهرة. ويتطلب من القيادة السياسية متابعة حازمة إذ ليس سراً أن عدد من القيادات الأمنية والعسكرية وحتى السياسية متورطة بشبكات مصالح مع صرافين غير ممتثلين.
وفي حقيقة الأمر فان البنك المركزي تحوّل عمليا من إسلوب التعويم الحر، إلى أسلوب التعويم المدار للعملة المحلية..
ومن خلال التنسيق مع جمعيات البنوك والصرافين يطمح المركزي إلى وضع سعر ثابت للريال اليمني خلال المرحلة القادمة. وذلك سيكون مقدمة لإلزام كافة التجار والبنوك والصرافات باجراء تعاملاتها بالريال اليمني وفق تسعيرته المقرة.
وإلى جانب الحد من المضاربة فان ثمة عوامل أشد أهمية ساهمت إيجابا في تعافي الريال؛ وفي مقدمتها مأسسة التعاون بين البنك المركزي والقطاع الخاص من خلال “اللجنة الوطنية لتغطية الإستيراد”، والتي أقرت آليه دقيقة لتغطية البضائع الأساسية وكيفية إيداع أموال التجار بصورة محوكمة.
وهذه الخطوة رغم عدم الإهتمام بها إعلاميا، إلا أن لها دوراً جوهريا لانها تسببت في تعليق عمليات المستوردين لشراء العملة من السوق، وبالتالي حدت من الطلب على العملة الصعبة ما منح الريال جرعة أكبر من التحسن. لكنها ستظل جرعة تحسن ظرفية وإنقاذية.
في المحصلة فإن إنقاذ العملة المحلية من الانهيار هو عملية مركبة؛ تبدأ بضبط السوق وإنهاء المضاربة، وتستقيم بتعزيز الإيرادات العامة، وتستدام باتمام الاصلاحات المؤسسة.
حاليا بالكاد بدأت الشرعية بمباشرة الخطوة الأولى من هذه العملية المركبة؛ وعليه استعاد الريال اليمني عافيته بصورة مبشرة..
لكن أفق هذا هذا التحسن ومدى استدامته سيظل مرهون بالاصلاحات والايرادات، وهو ما يتطلب تفاعلا اشمل من المجتمع السياسي والرأي العام ومؤسسات الدولة التنفيذية.
وقد بات فريضة وطنية على قيادة الشرعية مقاربة الملف الاقتصادي بصورة ناجزة؛ والتحول من أسلوب العمل بالمسكنات إلى سياسة “العلاج بالكيّ”؛ وهو ما يمكن مناقشته بصوره أوسع في مقال قادم!