يتشكل ذهن الإنسان من خلال مزيج معقد من الخلفيات الثقافية والاجتماعية والدينية والتعليمية، إضافة إلى الخبرات الشخصية التي يمر بها، هذه الخلفيات تحدد الإطار الفكري للفرد وتوجهاته فتؤثر على فهمه للعالم وقدرته على التعامل مع الاختلافات، كلما كان المجتمع متنوع ومعتدل كان العقل الجمعي أكثر مرونة وقدرة على التقدم.
لكن الوضع في جنوب اليمن بعد حرب عام 2014 شهد تحولات مقلقة خاصة داخل المذهب الواحد ولأن المعركة في اليمن ظهرت بطابع ديني لدى العقل البسيط ظهرت إثرها تيارات دينية كسبت ثقة المجتمع لمقاومتها وتقدمها صفوف المعارك، إضافة إلى استحواذها على الدعم الإقليمي كجماعات لا تلعب دوراً سياسياً بل تستخدم لَه، ورغم ذلك ظهرت هذه الجماعات مختلفة مع بعضها فأصبحت تعمل على تصنيف الأفراد والجماعات الأخرى وإقصائهم عبر فكر التكفير، وهو ما يعكس انحراف في الجوهر الفكري لهذه الجماعات. الانقسامات داخل المذهب الواحد لم تعد مجرد خلافات فكرية بل أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي نفسه.
الأخطار الناجمة عن هذه الانقسامات عميقة فهي تؤدي إلى صراع داخلي يضعف المجتمع ويحول الدين إلى أداة للصراع بدلاً من كونه مصدرًا للتلاحم، جذور هذه المشكلة تكمن في الأُطر الفكرية المغلقة التي تمنع الحوار العقلاني وتغلق الباب أمام التفكير النقدي والفلسفي.
الحل يكمن في دور الدولة الفاعل في إدارة الشؤون الدينية بحيث تضمن توجيه الخطاب الديني نحو الاعتدال والفكر المنطقي والفلسفي وتمنع الانحرافات التي تؤدي إلى الصراع الداخلي. إن إشراف الدولة على التعليم الديني وإغلاق المراكز التي لا تتبع ولا تخضع للمؤسسات الدولة وإعادة تأهيل القائمين عليها وإعادة تأهيل الخطاب الفكري بشكل عام يخلق بيئة أكثر اتزانًا ويقود المجتمع نحو الاستقرار والتنمية بعيدًا عن التطرف والانقسام الذي يهدد مستقبله.