إن احتفال الصين بالعرض العسكري المهيب اليوم في ذكرى يوم النصر على اليابان لا يقل دلالة ولا أهمية عن احتفال روسيا قبيلها بـ يوم النصر العظيم؛ فكلا المشهدين ليسا مجرد طقوس بروتوكولية او احياء الانتصارات ؛ بل رسائل استراتيجية ـ عسكرية مشفرة يبعثها العملاقان الآسيويان إلى العالم بأسره.
إن بكين وموسكو عبر استعراض ترسانتهما النووية والتقليدية المتطورة وعبر ما تمتلكانه من قدرات اقتصادية وطاقات إنتاجية صاعدة تعلنان بوضوح أن ميزان القوى الدولي لم يعد حكرا على الغرب.. وأن معادلة الأمن الجماعي والسيادة الاقتصادية تتشكل اليوم بإرادتهما وقراراتهما السيادية.. إنها إشارة جيواستراتيجية بأن التنين الصيني والدب الروسي باتا الركيزتين اللتين تضبطان إيقاع العلاقات الدولية وتفرضان أجندة عالمية جديدة قائمة على التعددية القطبية وكسر الهيمنة الأحادية التي استنزفت مقدرات الشعوب لعقود.
لقد طويت صفحة العالم أحادي القطبية وبدأت مرحلة تاريخية عنوانها إعادة تشكيل النظام الدولي على أسس القوة الصلبة (العسكرية) والقوة الناعمة (الاقتصادية والدبلوماسية).. وسيسجل التاريخ أن الرئيس فلاديمير بوتين كان الرائد الذي تجرأ على تفكيك منظومة السيطرة الغربية، حين اتخذ قراره الاستراتيجي بإطلاق العملية العسكرية الخاصة في الساحة الأوكرانية… ومنذ تلك اللحظة الفاصلة لم يعد العالم كما كان؛ إذ دشنت الحرب الأوكرانية عهدا جديدا تتقدمه قوى الشرق كفاعل أصيل في صياغة معادلات النفوذ وتوزيع أوراق القوة، ورسم مستقبل النظام العالمي المتعدد الأقطاب.
سبق العرض العسكري الصيني انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين (31 أغسطس – 1 سبتمبر 2025) بمشاركة قادة الصين وروسيا والهند وإيران وتركيا ودول أوراسيا تمثل نصف سكان العالم.
القمة مثلت نقطة تحوّل في مسار التعددية الدولية؛ حيث طرحت الصين مبادرات للحوكمة العالمية والتمويل، وقدمت روسيا رؤية لإنشاء منظومة مالية مستقلة عن الغرب فيما ركزت الهند على الأمن والربط الاقتصادي.
بهذا لم تكن القمة مجرد لقاء دبلوماسي، بل خطوة عملية نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على التمويل والتقنية والأمن كأضلاع نفوذ جديدة.