1. أي مكسب جنته قطر من إنفاق مالي هائل صب في ميادين العبث؟
2. هل كان تفكيك مصر وسوريا وليبيا استثمارا استراتيجيا أم مقامرة خاسرة؟
3. أليس ما تحقق فعليا هو تعزيز نفوذ العدو الصهيوني وتوسيع دائرة هيمنته؟
إن ما سُمي بثورات “الربيع العربي” لم يكن وليد إرادة داخلية خالصة ولا صنيعة خارجية محضة بل تداخلت فيه عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية؛ فالغضب الشعبي وتراكم الفساد والبطالة والقمع ولد انفجارا داخليا غير أن قوى إقليمية ودولية سارعت إلى استثماره، فحولته إلى منصة لتصفية حسابات كبرى. وهنا برز الدور القطري ـ الإعلامي والمالي والسياسي ـ ليشكل رأس حربة في المشروع تسانده تركيا التي فتحت ذراعيها للإسلام السياسي ووفرت له المأوى والمنابر… غير أن هذين الطرفين لم يكونا سوى أدوات منفذة لإرادة القوى الكبرى: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومن خلفهما المستفيد الاول الكيان الصهيوني.
لقد استثمرت واشنطن في شعار “الانتقال الديمقراطي” ووجدت في الإسلام السياسي (الإخوان والشيعة على حد سواء) أوراقا رابحة لمرحلة إعادة التشكيل خصوصا في عهد إدارة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي وُصفت بحق بأنها عرابة تلك التحولات… أما أوروبا فكانت آنذاك تسير في ركاب الفكر الليبرالي الأمريكي قبل أن تجتاحها موجات اليمين المتطرف عقب حرب أوكرانيا وصعود روسيا مجددا إلى مسرح التوازنات الدولية… وإلى جانب ذلك لعبت منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” دورا مكملا عبر ترويج خطاب حقوق الإنسان وتحويله إلى غطاء للتدخلات.
وقد جسدت قطر انخراطها العملي عبر أدوات متعددة: تمويل مباشر على هيئة منح وودائع وقروض دعم لوجستي وعسكري محدود كما في ليبيا وسوريا، مساعدات إنسانية وتنموية، وأهمها سلاح الإعلام من خلال شبكة الجزيرة التي أدت دورا مركزيا في تشكيل الرأي العام وتسويق أجندات التغيير.
ولو أن الدوحة وجهت ربع هذا الثقل السياسي والمالي لدعم مصر اقتصاديا واستقرارها سياسيا أو لشدت من أزر سوريا الدولة وجيشها لظلت معادلات الردع الإقليمي متوازنة ولما استطاعت إسرائيل أن تنفرد بالميدان العربي بلا كابح ، تُغير متى شاءت وتفرض شروطها بلا حسابات استراتيجية تُذكر.
أما حصيلة هذا “الربيع” فجاءت كالتالي:
تفكك الدولة الوطنية وانزلاق بلدان إلى حروب أهلية دامية (ليبيا، سوريا، تونس)
انهيارات اقتصادية طالت العملات الوطنية والاستثمارات وفرص العمل وأغرقت الشعوب في أتون الفقر والبطالة.
موجات نزوح ولجوء بالملايين غيرت البنية الديموغرافية وأثقلت كاهل الجوار.
تصدعات اجتماعية وفكرية غذاها الاستقطاب السياسي والطائفي.
صعود الجماعات المتطرفة والمسلحة التي تحولت إلى جيوش ظلية عابرة للحدود.
تدخلات أجنبية واسعة جعلت من الأوطان ساحات صراع بالوكالة تتنازعها أجندات إيران وتركيا وقطر والغرب.
لكن.. وفي قلب هذه الفوضى برزت بعض دروس “الصحوة” لقد كان صوت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بمقولته الشهيرة: “المتغطي بالأمريكان عريان” إشارة مبكرة لضرورة تنويع مصادر القوة وتنويع التحالفات وعدم الارتهان للولايات المتحدة التي أثبتت التجارب أنها شريك غير موثوق.. وعليه عادت مصر لتستعيد زمام المبادرة، فأعادت بناء جيشها على أسس أكثر تنوعا في التسليح والتحالفات لتتبوأ مجددا موقع الدولة المركزية التي لا يُمكن إسقاطها بمعادلات خارجية أو أجندات عابرة.
// ملهم محمود طالب العيفري










