بيان مجلس القيادة الرئاسي الصادر من الرياض اليوم (18 سبتمبر) أعاد التأكيد على “وحدة وتماسك المجلس” وعلى “الشراكة والقيادة الجماعية” وفق قرار نقل السلطة (9/2022) والقرار المنظّم لأعمال المجلس (119/2025). كما كلّف الفريق القانوني بمراجعة قرارات المجلس منذ 2022 خلال 90 يومًا، ومراجعة التعيينات الصادرة عن الزبيدي في سبتمبر، م أحقية الاستعانة باللجنة العسكرية والأمنية.
هذه الصياغة لا تأتي في فراغ. فخلال الأيام الماضية تصاعدت دعوات إصلاح بنيوية داخل المجلس من قيادات تنتمي للمجلس الانتقالي الجنوبي: محمد الغيثي دعا إلى “آلية تشاركية فعّالة”، وعبدالرحمن المحرمي حذّر من القرارات الأحادية، وفرج البحسني شدّد على إقرار لائحة تنظّم العمل. هذه المواقف لا تستهدف عيدروس الزبيدي بل تنطلق من دعمه، وتضع أصابعها على جوهر المشكلة: أحادية رئيس المجلس رشاد العليمي وتجاوز مرجعية التوافق.
من هنا، تُقرأ فقرة “مراجعة تعيينات الزبيدي” كخطوة دفاعية لإبطاء عملية إعادة التوازن التي بدأها الزبيدي بحزمة قراراته الأخيرة، أكثر من كونها إدانة لمضمون تلك القرارات. في المقابل، يمكن القول إن المراجعة الشاملة منذ 2022 ستفتح أيضًا ملف القرارات التي اتُّخذت منفردة من الرئاسة، بما قد يعيد تصحيح كفّة المؤسسات لمصلحة آلية القرار الجماعي المنصوص عليها في إعلان نقل السلطة.
سياسيًا، البيان يحاول طمأنة الوسطاء الإقليميين بأن المعالجة ستكون مؤسسية، لكن معادلة القوة داخل المجلس ما تزال قيد التفاوض. نجاح الفريق القانوني لن يُقاس بالنصوص فقط، بل بقدرته على تحويل “المسؤولية الجماعية” إلى قواعد مُلزمة تُغلق باب التفرد وتُرسّخ الشراكة الفعلية.
السيناريوهان المطروحان واضحان: إما احتواء منضبط يُفضي إلى “كود سلوك” وآلية تصويت/توافق واضحة تُحصّن القرار الجماعي، وإما انتقال الأزمة إلى اختبار صعب إذا استُخدمت المراجعة لتصفية نفوذ طرف بعينه. هنا تتقدّم الوساطة الإقليمية كعاملٍ حاسم في ترسيم شكل آلية صنع القرار.
نحن أمام معركة تعريف من يملك القرار داخل المجلس. الزبيدي وحلفاؤه يدفعون نحو نموذج القيادة الجماعية المنصوص عليه في الإعلان، فيما يسعى العليمي لتثبيت قراءة أوسع لصلاحياته. بيان اليوم خطوة إلى الوراء على صعيد الأحادية، لكنه سيكون اختبارًا حقيقيًا لجدية الانتقال من “شعار التماسك” إلى قواعد حُكم مشتركة لا لبس فيها.