<h2></h2> <h2><strong>بقلم / محمد محسن الهدالي</strong></h2> <h2><strong><img class="alignnone size-full wp-image-141320" src="https://alsadarahsky.com/wp-content/uploads/2025/10/1761207366928.jpg" alt="" width="1070" height="744" />لم يكن كثير الكلام، لكنه كان يملك صوتاً يدوّي في ساحات القتال… صوت بندقيته.</strong></h2> <h2><strong>كان الصمت لغته حين يتكاثر الضجيج، والحسم خياره حين يكثر الجدل.</strong></h2> <h2><strong>عرفه رفاقه قائداً لا يرفع صوته، لكنه يرفع الهمم، يمضي بخطاه الواثقة كمن يسير نحو قدرٍ يعرفه، فيبتسم له بثبات المؤمن وهدوء الأبطال.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>هو محسن صالح مثنى حسن الهدالي، القائد الذي علّم الصمت كيف يكون بياناً، والبندقية كيف تنطق بالحق حين يصمت الجميع.</strong></h2> <h2><strong>رجلٌ جمع بين حنكة القائد ورقّة الإنسان، وبين صرامة المقاتل ونقاء المؤمن، فصار مدرسةً في الوطنية لا تُنسى، وصوتاً للجنوب لا يخبو.</strong></h2> <h2></h2> <h2></h2> <h2><strong>---</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>جذور في الأرض... وسماء من الإيمان</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>من قمم جحاف خرج، حاملاً في ملامحه سحنة الأرض ورائحة التراب، وفي قلبه يقينٌ أن الحرية لا تُوهب بل تُفتدى.</strong></h2> <h2><strong>نشأ في بيتٍ متواضعٍ عامرٍ بالقيم، تعلّم فيه الكرامة قبل الحروف، والإباء قبل المجد.</strong></h2> <h2><strong>كبر بصمتٍ كصمت الجبال، لا يصنع الضجيج لكنه يهب العالم ظلاً وأماناً.</strong></h2> <h2><strong>كان يرى في الوطن أمّاً تُحتضن لا سلعةً تُباع، وفي المبدأ ديناً لا يُساوم عليه، فكان من أولئك الذين يزرعون الإيمان بالفعل لا بالقول.</strong></h2> <h2><strong>في ميادين البحر... البداية نحو المجد</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>التحق الشهيد الهدالي بالقوات البحرية عام 1985م، مؤمناً أن خدمة الوطن هي أسمى مراتب الولاء.</strong></h2> <h2><strong>في مياه البحر الهادرة تمرّس على الصبر والانضباط، وحمل في داخله اتساع الأفق وعمق العزيمة.</strong></h2> <h2><strong>ثماني سنواتٍ قضاها جندياً نبيلاً، إلى أن جاءت وحدة عام 1990م بما حملت من وعودٍ مكسورة، فكان من أوائل من أدركوا أن الجنوب مقبل على اختبارٍ عسير.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>نار الحرب وميلاد البطولة</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>حين اشتعلت حرب صيف 1994م، كان في طليعة المقاتلين المدافعين عن الجنوب.</strong></h2> <h2><strong>واجه جيوش الغزو بصلابةٍ نادرة، مردداً في خضمّ النيران</strong></h2> <h2><strong>> "لن يمرّوا إلا على جثثنا."</strong></h2> <h2><strong>ظلّ يقاتل حتى آخر طلقة، وعندما استُشهد رفاقه وأُحيطت به جيوش العدو، أُسر واقتيد إلى السجن المركزي بصنعاء.</strong></h2> <h2><strong>وفي زنازين الأسر، لم تنكسر روحه، بل ازداد وهجها صلابةً وإصراراً، كجمرٍ ينتظر ساعة الانفجار من جديد.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>من ظلام الأسر إلى فجر النضال</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>خرج من السجن أكثر صلابةً، وعاد إلى الضالع حاملاً جراحه كأوسمة شرف.</strong></h2> <h2><strong>رأى وطنه مثقلاً بالقيود، وأبناءه محاصرين بالخذلان، فاختار أن يكون شرارة الأمل.</strong></h2> <h2><strong>عام 2007م، كان في طليعة مؤسسي جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين، التي أشعلت جذوة الحراك الجنوبي السلمي.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>لم يكن خطيباً صاخباً، بل قائداً يعرف أن الهدوء أحياناً أبلغ من الهتاف.</strong></h2> <h2><strong>وحين حاولت السلطة استمالته بالمال والمناصب، أجابها بثقة:</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>> "الحرية لا تُشترى، والكرامة لا تُرتهن.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>القائد الذي صنع من الصبر سلاحاً</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>كان الهدالي حاضراً في كل مسيرة، في كل ساحة، في كل مواجهة ضد القمع.</strong></h2> <h2><strong>اعتُقل مراراً، وتعرّض للتعذيب، لكنه ظلّ ثابتاً على مبدئه، مؤمناً أن النصر يولد من رحم الألم.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>وفي عام 2009م، عندما قصفت المدفعية بيوت المدنيين في ردفان، كان أحد من خططوا لتدميرها حمايةً للأبرياء.</strong></h2> <h2><strong>لم ينتظر جزاءً ولا شهرة، اكتفى بأن يرى الناس آمنين والوطن واقفاً رغم الجراح.</strong></h2> <h2><strong>الرحيل... حين اكتملت الحكاية</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>حين عجز الأعداء عن إخضاعه، لجأوا إلى الغدر.</strong></h2> <h2><strong>وفي صباح 22 سبتمبر 2010م، انفجرت عبوة ناسفة في شارع الجمرك بالضالع، فصعدت روحه الطاهرة إلى السماء.</strong></h2> <h2><strong>كان صمته الأخير أبلغ من أي خطاب، وكانت دماؤه سطور الختام في ملحمةٍ طويلة من العزة والنضال.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>عمّ الحزن أرجاء الجنوب، وبكته الجبال كما تبكي الأمّ ابنها البارّ.</strong></h2> <h2><strong>ودُفن في مقبرة الشهداء إلى جوار رفاقه، تاركاً وصيةً نقشتها الأيام على ذاكرة كل جنوبي:</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>> "لا تفرّطوا في الجنوب، فدماؤنا أمانة في أعناقكم."</strong></h2> <h2><strong>خمسة عشر عاماً من الخلود</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>في الذكرى الخامسة عشرة لرحيله، لا يزال الهدالي حاضراً في كل قلبٍ جنوبيٍّ نابض بالكرامة.</strong></h2> <h2><strong>تتناقله الألسن كما تُروى حكايات الخلود، ويستحضره المقاتلون في كل معركةٍ دفاعاً عن الأرض والهوية.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>لقد رحل جسداً، لكنه باقٍ فينا مبدأً وإرثاً وروحاً حارسةً للجنوب.</strong></h2> <h2><strong>صمته لا يزال يعلّمنا أن البطولة ليست في الصراخ، بل في الثبات.</strong></h2> <h2><strong>وأن البندقية حين تنطق بالحق، تكتب سطور التاريخ بمدادٍ من دماء الأحرار.</strong></h2> <h2></h2> <h2><strong>سلامٌ عليك أيها القائد الصامت،</strong></h2> <h2><strong>يا من جعلت من رصاصك نشيداً للوطن،</strong></h2> <h2><strong>وسِرتَ نحو الخلود بخطى الواثقين.</strong></h2>