أثار رفع سعر الدولار الجمركي جدلاً واسعاً حول جدواه في ظل تفشي الفساد الإداري والمالي داخل مؤسسات الدولة. فبينما يفترض أن يساهم هذا الإجراء في زيادة الإيرادات العامة وتحقيق العدالة الضريبية وتقليل الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، فإن الواقع الفاسد يجعل نتائجه سلبية على المواطن والاقتصاد معاً.
في الحالة الطبيعية، يهدف تحرير سعر الدولار الجمركي إلى تعزيز موارد الدولة المحلية وتمويل الخدمات العامة وتحقيق توازن في السياسة الضريبية. غير أن وجود الفساد في أجهزة التحصيل الجمركي، من تهرب وتلاعب بالفواتير وتحويل الإيرادات إلى جيوب خاصة، يحوّل هذا الإجراء من إصلاح اقتصادي إلى عبء إضافي على المواطن.
ينعكس ذلك أولاً في ارتفاع الأسعار دون تحسن في الخدمات العامة، حيث يقوم التجار بزيادة أسعار السلع لتعويض ارتفاع الرسوم، بينما لا تُستثمر العوائد الإضافية في تحسين الكهرباء أو التعليم أو الصحة. ويدفع المواطن الثمن دون أن يلمس أي مقابل.
ثانياً، يؤدي ارتفاع الدولار الجمركي إلى زيادة معدلات التضخم، خاصة في بلد يعتمد على الاستيراد مثل اليمن، إذ ترتفع أسعار معظم السلع مع بقاء الأجور منخفضة، فتتسع الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة، وتزداد معاناة الأسر الفقيرة والمتوسطة.
كما تتراجع العدالة الضريبية، إذ يتمكن كبار التجار والمتنفذون من التحايل أو دفع رشاوى لتقليل الرسوم، في حين يتحمل التجار الصغار العبء كاملاً، مما يعزز احتكار الأسواق وارتفاع الأسعار.
ويفقد المواطن ثقته بالحكومة مع استمرار ارتفاع الأسعار دون تحسن ملموس في الخدمات أو مكافحة حقيقية للفساد، الأمر الذي يولد رفضاً شعبياً لأي إجراءات اقتصادية لاحقة.
إضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع الرسوم الجمركية إلى توسع السوق السوداء وزيادة نشاط التهريب، حيث يجد المهربون فرصة لتحقيق أرباح أكبر على حساب الاقتصاد الرسمي، ما يقلل من الإيرادات الفعلية للدولة.
في المحصلة، يتحول رفع الدولار الجمركي في بيئة يسودها الفساد إلى مجرد زيادة في الأسعار بلا جدوى اقتصادية حقيقية. فالإيرادات الإضافية تُهدر أو تُستغل لمصالح ضيقة، والنتيجة ارتفاع التضخم، اتساع رقعة الفقر، تراجع الثقة بالحكومة، واستمرار دورة الفساد التي تضعف الاقتصاد الوطني.