تسيطر حالة من التوتُّر على المشهد السياسي في إسرائيل، بعد استمرار تدافُع مئات الآلاف من المتظاهرين، للأسبوع الحادي عشر؛ احتجاجًا على خطط حكومية، تستهدف إقرار تعديل قانوني يضعف من سلطات القضاء، مقابل تعزيز السيطرة على مفاصل مؤسسات إسرائيل، ومنها «الأمنية، والعسكرية».
ولا تقف الأزمة الحالية في إسرائيل عند حدود الانقسام السياسي، بل باتت أزمة لم يسبق أن شهدت مثلها إسرائيل، فبينما تتسع دائرة الاحتجاج، أصبح يتنامى القلق لدى الإسرائيليين من وصول الأمور إلى «حرب أهلية»، المصطلح الذي يكاد أن يكون الأكثر سماعًا وتداولًا في الخطاب الإسرائيلي اليوم، من قِبَلِ «الإعلاميين، والسياسيين»، وعلى رأسهم؛ وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، الذي أعرب، الجمعة الماضية، عن خشيته من اندلاع «حرب أهلية» في البلاد.
ويبدو الأمر أكثر خطورة في اللغة العبرية، عندما يكون المصطلح البديل لـ«الحرب الأهلية» هو «حرب الإخوة» في بلد يرى أنه يفتخر بالتضامُن الداخلي إلى المستوى الذي يسميه الناس بعضهم البعض «الأخ»، لكن بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فقد ذهب هذا الشعور الأخوي الآن، وتم استبداله علانية بالكراهية والازدراء والرعب الواضح.
وفي تلك الأثناء، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن الدعوات إلى عصيان الأوامر العسكرية في الجيش – احتجاجًا على خطة الإصلاحات القضائية – خطيرة، وتنخر في أساس إسرائيل، كما هدد «يوآف غالانت»، رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالاستقالة من منصبه، في حال تواصل التشريع أُحادي الجانب بدون موافقة واسعة.
وبالرغم من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الإثنين الماضي، عن «تخفيف» لخطة الإصلاح القضائي التي تتبناها حكومته اليمينية، وذلك بعد اتصال تلقاه «نتنياهو» من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عبَّر خلاله عن دعمه للتوصل لتسوية للأزمة الدستورية في إسرائيل، وحثه على ترسيخ الضوابط والتوازنات، وبناء توافق أوسع نطاقًا، لكن المعارضة قالت: إن الخطة لا تزال تُمثِّل تحديًا للتشريعات الرئيسية في المحكمة العليا؛ ما يُمهِّد الطريق لمواجهة دستورية، بينما اتهم قادة الاحتجاجات «نتنياهو» بالخداع وهددوا بالتصعيد.
يبدو أن ما بدأ كمعارضةٍ لإصلاحٍ قضائيٍّ مثيرٍ للجدل، في شكل «عصيان مدني» يتزايد الآن؛ ليصبح شيئًا أكبر من ذلك بكثير، فهل من الممكن أن تؤدي الخطة التي تحاول الحكومة اليمينية المتطرفة بدفعها إلى تآكل الضوابط والتوازنات بشكلٍ فعَّالٍ على الحكومة، والسماح للبلاد بالانزلاق أكثر نحو الاستبداد، وهل ستتحقق مخاوف السياسيين الإسرائيليين، التي تشير بأن إسرائيل أصبحت على شفا «حرب أهلية»، وماذا ينتظرها الفترة القادمة؟
ثانيًا: توقعات غير مسبوقة باقتراب «حرب أهلية»
ظهرت بوادر تفكُّك التماسُك الاجتماعي بين الإسرائيليين، بشكلٍ علنيٍّ، في مارس 2021، بعد الجولة الرابعة غير الحاسمة من الانتخابات البرلمانية، في أقل من عامين، عندما بثّ برنامج ساخر شعبي “Eretz Nehederet” رسمًا كوميديًّا، يقدم فيه إسرائيلي حلًّا للخروج من المأزق السياسي، وكان الحل الذي أشار إليه البرنامج بطريقةٍ هذليةٍ وساخرةٍ، هو «الحرب الأهلية»؛ بمعنى وقوف اليهود الشرقيين ضد اليهود الأشكناز، اليسار ضد اليمين، الأغنياء ضد الفقراء، المتدينين ضد العلمانيين.[1]
في ذلك الوقت، كان للمونولوج صدى لدى الجمهور الإسرائيلي؛ لأنهم وجدوه مضحكًا، لكن الاستماع إليه اليوم، يبدو الرسم وكأنه نبوءة زاحفة تتحقق الآن.
وفي الأشهر الأخيرة، أصدر يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي «الشاباك»، تحذيرًا، في أكتوبر من العام الماضي، قبل أيام من الانتخابات، التي جلبت الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية إلى السلطة، كتب «ديسكين» مقالًا في صحيفة «يديعوت أحرونوت» اليومية، بعنوان «على شفا حرب أهلية».
تنبأ «ديسكين» بما سيأتي؛ مستندًا في تحليله إلى تفكُّك التماسُك الاجتماعي الداخلي، الذي قال: إنه جارٍ بالفعل، وصدم الكثيرين من توجُّهِهِ المباشر في ذلك الوقت، واندفعوا لتوبيخه، ومحاولة إثبات خطئه، وبعد 6 أشهر، تظهر استطلاعات الرأي، أن ثلث الإسرائيليين يتفقون معه الآن.
كما أظهر استطلاع، نُشر في فبراير الماضي، أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أن ثلث المستطلعين يعتقدون أنه من المحتمل، اندلاع «حرب أهلية» عنيفة، وتُعدُّ النسبة أعلى بيْن المتظاهرين الذين شملهم الاستطلاع؛ حيث وصلت إلى أكثر من 50 %، إلى جانب التهديد بالعُنْف الجسدي، بدأت الحرب الكلامية تتكشف بالفعل[2]، وبينما يقارن المتظاهرون الحكومة بالنازيين، يشير إليهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بـ«الفوضويين» في «المعسكر الآخر».
مع ذلك، يمكن العثور على جذور المكان الذي يجد فيه المجتمع الإسرائيلي نفسه اليوم، في عام 1995، عندما اُغْتِيل رئيس الوزراء اليساري، يتسحاق رابين، على يد الناشط اليميني المتطرف، إيغال عامير؛ حيث يرى بعض الخبراء، أن الحروب الأهلية تبدأ تاريخيًّا باغتيالات بارزة، لكنها تستغرق وقتًا لتتطور إلى صراعٍ شاملٍ.
وعلى صعيدٍ آخر، أجرى جاد برزيلاي، الأستاذ في جامعة حيفا، بحثًا مكثفًا حول مؤشرات «الحروب الأهلية»، ويتوقع أن إسرائيل ربما تسير في هذا الاتجاه الآن، وقال «برزيلاي» لموقع Middle East Eye البريطاني، أن الناس ترسم صورةً خاطئةً عما يجب أن تكون عليه «الحرب الأهلية»، «هي ليست لوحة لأشخاصٍ يقطعون حلق بعضهم البعض بفأس، بل يمكن أن تتخذ أشكالًا مختلفةً، مثل؛ فشل في التواصُل بين نُخب الدولة، أو عدم وجود شخصيات ومؤسسات مركزية للتفاوض مع الأطراف المتنافسة، أو الخلاف الدستوري كما في «الحرب الأهلية الأمريكية».[3]
ويشير «برزيلاي»، أن «الحرب الأهلية» الأمريكية، لم تحدث بسبب العبودية فقط، فبين عام (1830-1860)، كانت هناك محاولات للتفاوض بين «الجنوب، والشمال» لسنوات، وفشل الطرفان في التوصُّل إلى تفاهُمٍ دستوريٍّ، أدَّى في النهاية إلى الحرب، ويُعدُّ هذا هو المكان الذي يرى فيه «برزيلاي» إسرائيل الآن، في مثل هذا النَّوْع من الأزمة، تتأكد مخاوف «برزيلاي» من خلال ما يراه «مؤشرات اجتماعية» تسبق أدة «الحرب الأهلية»، التي يقول: إنها موجودة في إسرائيل اليوم.
ومن أهم هذه المؤشرات التي ظهرت في الأشهر الأخيرة؛ بسبب الأزمة السياسية المستمرة، هي الفجوة بين الأغنياء والفقراء، الآخذة في الاتساع في مجتمعٍ مليءٍ بالفعل بالتوتُّرات العِرْقية بين اليهود الشرقيين (من أصول شرق أوسطية، وشمال أفريقية) والأشكناز (من أصل أوروبي)، يمكن أن تؤدي المشاكل الاقتصادية إلى مزيدٍ من الاحتكاكات «الاجتماعية، والاقتصادية».
ثانيًا: معالم المظاهرات الحالية ضد الحكومة الإسرائيلية
تشكّل الأزمة الحالية في إسرائيل، التي لا تقف عند حدود الانقسام السياسي، محنةً لم يعتد على «تل أبيب» التعامل مع مثيلاتها من قبْل؛ إذ لم يسبق أن شهدت حركة اعتراض واسعة ضد حكومة، يقودها إحدى الشخصيات السياسية الإسرائيلية الأساسية، مثل «نتنياهو».
مشاركة «شاملة»
أحصت وسائل الإعلام، نزول أكثر من مليون مستوطن إلى شوارع المُدُن الأساسية، وما بدا بارزًا، أن المظاهرات لم تقتصر على فئات أو جماعات محددة؛ إذ شارك فيها ضباط سابقون في الجيش والأمن، وقضاة سابقون واقتصاديون وصحافيون وتقنيون وأطباء وتجار وطلاب جامعات وغيرهم؛ ما يعني أنّ تأثيراتها ونطاقها يستحيل ضبطها أو السيطرة عليها عبْر الطُّرُق الإسرائيلية المعتادة كـ”التعتيم” أو “العزل”؛ لأنها شاملة لمختلف القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية.
والأهم من ذلك، لا تتخذ هذه المظاهرات صفة “دينية”، كما كان الحال في سنوات سابقة، مع احتجاجات بعض الجماعات الدينية كـ”الحريديم”، الذين رفضوا قوانين متعددة، كالتجنيد الإلزامي، والتي جرى احتواؤهم وقتها، وعقد اتفاقات معهم لتهدئة الأوضاع.
من هنا، تقف حكومة «نتنياهو» أمام مُعْضِلَةٍ ذات طبيعةٍ مختلفةٍ عن سابقاتها، فمن غير المرجّح، أن يكون بمقدور «نتنياهو» أن يلجأ إلى تقاسُم المصالح وتوزيع الحصص؛ بهدف إسكات الفئات المعترضة عليه، سواء من خصومه أو حلفائه، كما فعل غير مرةٍ، وآخرها كان في تأليف الحكومة.
اتساع رقعة الاحتجاجات الجغرافية
برز مُعْطىً جديد في المظاهرات، والتي تحدثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكلٍ مُقْتَضَبٍ؛ إذ أشارت إلى أنّ المظاهرات اجتاحت كافة أنحاء البلاد، في أكثر من 100 مدينة وبلدة، بينها حيفا (شمالًا)، والقدس وبئر السبع (جنوبًا).
وكان ملفتًا، أنّ زعيم المعارضة، رئيس الحكومة السابق، يائير لابيد، اختار أن يشارك في المظاهرات عبْر إلقاء كلمةٍ في «هرتسيليا»؛ ما يعني أنّ المعارضة بدأت تفكّر أكثر في إقحام المناطق البعيدة عن المركز بشكلٍ متزايدٍ، في حركة الاحتجاج على حكومة «نتنياهو».
وعبْر الالتفات إلى خريطة توزع المظاهرات، تظهر مشكلة إضافية أمام سعي «نتنياهو» للسيطرة على الحركة الاحتجاجية؛ إذ يبدو أنّ توزيع القوى الأمنية الإسرائيلية في عشرات المناطق، مع الحاجة إلى قواتٍ كبيرةٍ في المدن الرئيسية؛ بسبب وجود عشرات آلاف المتظاهرين، وإمكانية أكبر لحصول أعمال شغب أو مواجهات؛ تجعل الأمر مهمة مستحيلة.
ومن الناحية الأُخرى، يحاول وزير الأمن القومي، بن غفير، بالسيطرة على الشرطة، عن طريق إصدار تعليمات خاصة؛ لمواجهة الاحتجاجات باستخدام القوة؛ الأمر الذي جعل المحكمة العليا الإسرائيلية تصدر قرارًا، بمنعه للتدخُّل في عمل الشرطة.
بوادر «انقلاب عسكري» من «نوع آخر»
يحدث هذه الأيام في إسرائيل «انقلاب عسكري»، غريب في نوْعه وطريقته، وربما هو الأول من نوعه؛ حيث أعلن مئات من جنود وضباط الاحتياط من كل القطاعات والتخصصات، منها الحساسة جدًّا والنخبوية – منها من سلاح الطيران – ومن قوات العمليات الخاصة، وحتى القطاع الطبي، عن رفضهم الخدمة، في ظلِّ إصرار رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” على السيْر حتى النهاية بمسألة «الإصلاحات القانونية».
هذا الانقلاب لم يحدث عن طريق نزول الدبابات إلى شوارع المدن الرئيسية، ولم يحتج الأمر لاستخدام الطائرات لقصْف مبنى البرلمان “الكنيست” والجسور الرئيسية، ولم يحتج الانقلاب لإغلاق المطارات.
كل ما حدث هو انتشارٌ وتفشٍّ لظاهرةٍ، آخذةٍ بالازدياد، أُطلق عليها (الرفض)، والقائمة على إعلان قطاعات تعتبر عصب إسرائيل، هي ظاهرة رفْض الخدمة العسكرية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد رفض طاقم شركة الطيران “الـ عال” حمل رئيس الوزراء إلى روما، في إطار زيارةٍ رسميةٍ سابقةٍ، واستطاع “نتنياهو” بصعوبة العثور عن متطوعٍ لنقله هو وزوجته «سارة نتنياهو» إلى روما.
وقال موقع «تايمز أوف إسرائيل» الإخباري: إنّ «رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرزي هاليفي، يشعر بالقلق من الأصوات المتزايدة بين كبار جنود الاحتياط ضد الحضور إلى الخدمة؛ احتجاجًا على خطة الحكومة؛ لإعادة تشكيل القضاء، وأنّ ذلك سيضرّ بالنشاط العملياتي والتدريبات العسكرية»، ومن جانبها، حذّرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، من أنّ «رفض الخدمة في الجيش يكتسب شرعية عامة».
ثالثًا: ضغط أمريكي.. وخطوة للخلف
في أول تصريح له، بشأن الأزمة السياسية الحالية داخل إسرائيل، أعرب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال مكالمةٍ هاتفيةٍ أجراها، الأحد الموافق 19 مارس، مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن قلقه إزاء خطة الإصلاح القضائي للحكومة الإسرائيلية، مؤكدًا أنه في كل السنوات التي تابع فيها إسرائيل، لم يشهد مثل هذا المستوى العالي من القلق الداخلي، بشأن الوضع السياسي.
وأعرب الرئيس الأمريكي عن مخاوفه، بشأن ما ستعنيه الخطة للديمقراطية الإسرائيلية، وحيث إن الإصلاحات يجب أن تحترم ما أسماها «القيم الديمقراطية الأساسية»، مشيرًا إلى أنها «سمة مميزة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية»، وبدوْره قال «نتنياهو»: إن «إسرائيل كانت وستظل ديمقراطية قوية ونابضة بالحياة».
الخطوة التي جعلت الائتلاف يرجع للخلف قليلًا، ويستخدم لغة أكثر تحفُّظًا، مقارنةً بتلك الواردة في مشروع القانون الأصلي، الذي قدم في الرابع من يناير؛ حيث عقد «نتنياهو»، بعد مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأمريكي، اجتماعًا مع قادة أحزاب، بما في ذلك وزير العدل، ياريف ليفين، الذي يُعدُّ اللاعب الرئيسي في دفْع خطة الحكومة؛ لإضعاف المحكمة العليا.
وبعد الاجتماع، أعلن مكتب «نتنياهو»، أنه سيتم تأجيل معظم التشريعات التي هي جزء من الخطة القضائية إلى ما بعد «عيد الفصح»، الذي يصادف من 5 إلى 13 أبريل.
وبالنسبة للعنصر الأساسي في الخطة القضائية؛ أيْ (تغيير عملية تعيين القضاة)، سيتم طرْحه للتصويت النهائي، بحلول نهاية جلسة «الكنيست»، في الأسبوع الأول من شهر أبريل.
ووفقًا لخطة الائتلاف الجديدة، سيكون 6 من أصل 11 عضوًا في اللجنة التي تعين قضاة المحكمة العليا من الائتلاف الحاكم؛ ما يمنح الحكومة السيطرة الكاملة على العملية.
كما تنُصُّ الخطة على أن التحالف سيكون قادرًا على تعيين قاضيي المحكمة العليا التاليين، والرئيس الجديد للمحكمة العليا، بأغلبية بسيطة في اللجنة، وإذا تمَّ تنفيذ ذلك، فستكون هذه هي المرة الأولى منذ تشكيل اللجنة، في عام 1953، التي يتم فيها تعيين قضاة المحكمة العليا، من قِبَلِ سياسيين من الائتلاف فقط.
وصف بيان الائتلاف القرار، بأنه «تخفيف» لخطة الإصلاح القضائي، ودعا المعارضة إلى استخدام تأجيل جزء من التشريع لبدْء حوار، لكن قادة المعارضة ومنظمي الاحتجاجات المناهضة للحكومة رفضوا بسرعة خطة الائتلاف الجديدة، وادعوا أنها مناورة تكتيكية؛ تهدف إلى محاولة قتْل الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد مع تسييس المحكمة العليا.
الخاتمة
لطالما كانت أزمة القيادة لدى إسرائيل هي إحدى أبرز مشاكلها، ويبدو لافتًا أن هذه المظاهرات الواسعة غير مُنْصاعةٍ بمجملها لزعيمٍ سياسيٍّ محددٍ يواجه «نتنياهو»، بل هي حركة شعبية بامتياز، تعبّر عن غضبها على الأخير وسياساته المتبعة؛ بمعنى إذا تراجع «نتنياهو»، فإن قراره سيُفهم من قِبَلِ المعارضة، وحتى من قِبَلِ مؤيديه، أنه انكسار أمام ضغط الشارع.
لذلك، في حال استمرّ الوضع، خاصةً أنه من غير المعلوم أنّ تلك المظاهرات ستنتهي بشكلٍ حاسمٍ وتامٍ، فإن كل الملامح تشير إلى أن إسرائيل مقبلة على أزمة حقيقية وغير مشهودة على جميع المستويات «السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية»، ومع ارتفاع منسوب الانقسام السياسي الحالي، خاصةً أنه قد يتخذ أشكالًا إضافيةً من الشرخ، خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، لا سيما مع تفاقُم مخاطر المواجهات بين المتظاهرين.
وبالرغم من أن لا أحد يعرف على وجه اليقين، ما إذا كان سيناريو «الحرب الأهلية»، الذي يلوح به السياسيون والإعلاميون داخل إسرائيل سيتحقق أم لا، ولكن مجرد الحديث عنه أمر خطير، بما فيه الكفاية بالنسبة لإسرائيل.
سيناريوهات محتملة
لم يتبق سوى 10 أيام أخرى، حتى يذهب «الكنيست» في عطلة «عيد الفصح»، وبعد رفْض الائتلاف الحكومي لخطة التسوية التي قدمها الرئيس، يتسحاق هرتسوغ، فإن الأحزاب المتنافسة ليست قريبةً حتى من البدْء بالحديث مع بعضها. هناك 4 سيناريوهات محتملة، لمآلات الأزمة القضائية العالقة:
السيناريو الأول:
إقرار التشريعات بالقراءتيْن «الثانية، والثالثة»، ونشوب أزمة دستورية مستحكمة؛ وهذا يعني أن الائتلاف يتجاهل خطة الرئيس والمتظاهرين؛ ما قد يُنْشِئ داخل «حزب الليكود» دعوات للتفاوض، ووقْف التشريع، مع توفُّر الأغلبية اللازمة بأصوات «الكنيست»؛ لإقرار القراءتيْن بصورةٍ نهائيةٍ، دون اتضاح، كيف سيكون رد فعل النظام القضائي، وما إذا كانت المحكمة العليا سترفض القوانين أم لا؟ من الناحية النظرية، فسيكون «الكنيست» ذو الأكثرية اليمينية، قادرًا على التغلُّب على رفْض المحكمة العليا، لكن من غير المعروف ما إذا قبلت المحكمة بذلك؛ الأمر الذي سيخلق أزمةً دستوريةً.
السيناريو الثاني:
يتمثل السيناريو الثاني، بتجميد التشريع، ونشوب أزمة ائتلافية داخل الحكومة، وتقرر الحكومة إيقاف التشريع لما بعد عطلة «الكنيست»؛ للبدء بالتفاوض مع المعارضة، والتوصُّل إلى حلٍّ وسطٍ، وهو ما سيكون غير مقبول لوزير العدل، ياريف ليفين؛ ما قد يؤدي إلى استقالته من منصبه، وبروز أزمة داخل الائتلاف، كما أن الاحزاب الدينية المتطرفة ليست مهتمةً بإيقاف التشريع.
السيناريو الثالث:
يتعلق السيناريو الثالث، باستمرار التشريع، ولكن مع تخفيف النسخة الحالية لصيغةٍ أكثر تصالحية، دون تفاوض مع المعارضة؛ في محاولةٍ لخفْض مستوى اللهب، وهذا الاحتمال الأرجح، الذي تحدَّث عنه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وآخرون في «الليكود»، في الأيام الأخيرة، بالنظر لحقيقة أن المتدينين يُصرّون على استكمال التشريع بحلول العطلة، مع العلم، أن «نتنياهو» سيسعى لتخفيف الحدّة، لكن «ليفين» من المرجح، أن يقف ضده، ويصْعُبُ حاليًا، رؤية وضْع يكون فيه مستعدًا للتنازل عن لجنة اختيار القضاة.
السيناريو الرابع:
ويرتبط ذلك، بتفاقُم كبير في الاحتجاجات أمام استمرار «الكنيست» باستخدام الأغلبية الائتلافية، واستكمال التشريعات؛ ما يدفع القوى للتعبير عن احتجاجها، بما يتجاوز المظاهرات، وفي هذه الحالة، يمكن للاتحاد العام للعمال، الإعلان أن التغييرات القانونية تضر بهم، ويتأثر الاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك اتخاذ الصناعيين قرارًا، بشأن احتجاجات خاصة بهم، والسؤال في مثل هذا السيناريو: ما الذي ستفعله الحكومة لتهدئة الوضع؟ فهل ستُغيِّر التشريع، أم أنها ستعمل على إنهاء الإضراب بطرق أخرى؟