كان يوم حالك الظلام في سمائه، حين غيب قدر الله أسطورة الكفاح، ومؤرخ تاريخ الفدائية والتضحية، ومؤسس مداميك العمل الوطني، وكاتب سطور النضال، وتاريخ الثورات المناضل الرمز الشيخ عبد الله مطلق صالح بن مسعود. نعم كان حُزنًا عميقًا، وجرحًا غائرًا، لن تطويه الأيام ولا السنيين مهما تقادمت دورتها بالإندثار، لكن يظل رحيله مصابًا جللًا، وحدثًا مؤلمًا أجهش الوجدان بالبكاء، ومزق القلوب بالألم، وهتك الفؤاد بالوجع، وأثقل النفوس بالحسرة، حتى أبيضت العيون بالحزن، لكن تلك مشيئة الله، التي حلت علينا، وعلى أهله والوطن الجنوبي والشعوب العربية أجمع وهو رحيل فقيد ترك كتابًا من تاريخ النضال والفداء والكفاح والتضحية يصعب علينا اليوم حفظه، وموسوعة من القيم والإرادة والصبر والعزيمة والإصرار والفدائية ونكران الذات وحب الخير للجميع وكره الانتقام على الرغم ما عانى، وتعرض له من ظلم ونكران لأدواره البطولية، التي لا تحصى، ولا تعد، وشاءت أقدار الله أن ألتقيت به قبل رحيله عدة مرات، ووجدته كالطود شامخًا لا ينحني، يقدم من دون أن يطلب مقابل أو يتمنى ثناء أو يطمح إلى جاه.
يا إلهي!! أي حديث أخير أتذكره معه قبل سفره إلى عالمه الأخروي؟ غير كلماته المخزونة في ذاكرتي، وابتسامته التي ما زالت مرسومة في مخيلتي، وبشاشته، التي لا تفارق البال، ونقاء سريرته، التي لا توصف، وعطاءاته ومواقفه البطولية والنضالية التي خلدته، وآثاره الكفاحية، التي ما زالت درسًا نتعلمه وتستلهمه الأجيال، من أي مدرسة تعلم رمز الفداء الأكتوبري الخالد أبا عادل تلك الخصال، حتى حصد أسطورة تلك المحبة بقلوب الكل من دون استثناء.
فاليوم الكل يتذكر أبا عادل بعد مرور أسابيع على رحيله، بل والكل ما زال مذهولاً من هول فاجعة الرحيل، وليس هذا فحسب، بل والكل يحاول أن يقنع نفسه ببقائه على قيد الحياة لما خلدت به مواقفه البطولية والكفاحية، وضميره الحي، وأعماله الفدائية والوطنية العظيمة في خدمة البلد، وخدمة الأجيال، والوقوف مع المظلومين، لكنها أقدار الله شاءت أن تأخذه إلى عالم الخلد الأخروي، والوطن اليوم في أوج الحاجة إلى أناس نادرين مخلصين عايشوا تحولات التاريخ الوطني من أمثاله ويعملون بنصائحه، ويتعلمون من خبرات مدرسته، ويستفيدون من تجاربه، إنه الخالد الراحل الفقيد أبا عادل طيب الله ثراه.
(2) قدوة للنضال، وأسطورة للكفاح:
رحل فقيدنا الجليل، ومناضلنا الكبير الشيخ الرمز عبد الله مطلق صالح بن مسعود، وقد كان للمكافح معلم، ولساحات الكفاح أنموذج، وللنضال الوطني مدرسة، وللعمل الفدائي عنوان بارز من النجاح، لما انتهج طيلة مسيرته الحافلة بالمنجزات من نضال كبير، وكفاح أسطوري منذ انطلاق ثورة أكتوبر، وبناء الدولة الجنوبية الوليدة ولجبهة حالمين كان قائدها من دون منافس، وشاهد حاضر في كتب التاريخ وموسوعة الثورات!.
لقد كان الفقيد الرمز أبا عادل الكل معجباً بسيرته النضالية، وكفاحه الأسطوري، وكفاءته المقتدرة، ونجاحاته المبهرة، وانجازاته الخالدة ونصائحه الصادقة والمخلصة ونضالاته، التي صارت سجلًا تاريخيًُا في النضال والكفاح، والعمل الوطني والإداري والعسكري، والأخلاق والقيم، والسلم والحرب، والحقوق والحرية، والعدالة والمساواة حتى سجلت مآثرة صفحة خالدة لا تنسى، ومواقف لا تستطيع الأيام أن تمحها، فتلك خصال الأشخاص العظماء، والقادة المبدعون، والكفاءات الناجحة من دون أن تسمع لأعمالها ضجيج المادحين الراغبة في حب الظهور غير شواهد الأعمال الوطنية الناجزة، التي خلدتها يداه وأفعاله بنزاهة المكافح الأسطوري، والمناضل الفدائي والكادر الكفو، والعملي الصادق، والنتاج الوطني المثمر.
(3) عبد الله مطلق بن مسعود مثال وطني نادر لاستدعاء المواقف، ومواصلة المسير:
كم نحن اليوم والجنوب قاطبة بحاجة إلى أمثال – الراحل الخالد الفقيد عبد الله مطلق صالح بن مسعود، فقد كان بالأمس مدرسة نضالية متكاملة في العمل الوطني، والنضال العسكري والتضحية الفدائية التي قدمت خيرة ما عندها من رجال ومع هذا ظل شامخًا لا ينحني رغم قساواة المنعطفات التي تعرض لها وأسرته المناضلة، واليوم يتطلب الشرفاء وعاشقي الحرية والنضال أن يواصلوا المسير على خطاه، ويحملوا راية النضال والكفاح بعده ونحن على ثقة من أن المخلصين من شرفاء جنوبنا، العاشقين إلى حرية استعادة الدولة أن توفي هذه الهامة الوطنية الفريدة حقها وأن تعوض ما لحق بهذا الرمز الوطني الخالد، وأسرته من ظلم من دون اعتبار لتاريخه الحافل بالنضال والكفاح والتضحية والعمل الوطني الخالد.
لقد كان المناضل الجسور والرمز الفدائي الشيح عبد الله مطلق صالح بن مسعود- باتفاق الكل دون استثناء- أيقونة لامعة في مسيرة الكفاح المسلح، والتنظيم الوطني، والعمل القيادي، والنضال الجبهوي، والمنظر التحرري القومي، والمناصر لاستقلال الجنوب من المستعمر البريطاني، والوقوف الداعم لمبادئ عدالة شعبه واستعادة هوية دولته من المستعمر البغيض من دون خوف أو تلكئ أو مداهنة أو خنوع، وعرض أثر ذلك وتلك المبادئ الوطنية المؤمن بها حياته وأسرته في مرحلة قد صارت من الماضي ونتمنى عدم إعادتها وتكرارها، لأن شعبنا الجنوبي ما زالت تؤرقه تلك الأخطاء، لكن فقيدنا صبر واحتسب ذلك جزء من ضريبة النضال التي غالبا ما تدفعها الشرفاء، ليس لسببٍ غير مواقفهم الوطنية، ودفاعهم المستميت عن كرامة الوطن وما اقسى الظلم عندما يكون من رفاق النضال في تلك المرحلة.
فثق أيها الفدائي الجليل، والمناضل الراحل من أن الشرفاء الذين عرفوك، وعايشوك على طريق إعادة الاعتبار لتاريخك ونضالك وانصافه بحق وجديه، وسائرون به على خطى ثابتة، وبعزيمة لا تلين مهما تغيرت ظروف الحياة، وأحوالها ليس إلا أنهم تعلموا من مدرستك خبرة النضال والتسامح والتحدي والصمود والتضحية وتحقيق المنجزات..
(4) وداع وضرورة الانصاف:
وداعا أبا عادل يا أحد بناة منجزات ثورة أكتوبر المجيدة وتطوير برامج الكفاح المسلح، في محافظات الجنوب، فما أصعب وداعك الأليم، ورحيلك العميق، فسلاماً عليك يوماً ولدت، وسلاماً عليك يوم كنت حياً، وسلاماً عليك بعد رحيلك، وسلاماً عليك يوم نلقاك في جنة الخلد پإذن الله.
في الأخير لا يسعني إلا أن أدعو كل الوطنيين الشرفاء وبالأخص الرئيس الزعيم القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية إلى المسارعة المعهودة منه في تكريم هذا المناضل السامق المظلوم حيًا وميتًا، وتوثيق تاريخه الحافل بالنضال والكفاح وإنصافه تجسيدا لمبادئ التصالح والتسامح الجنوبي، وطمس آثار الماضي بكل ما كان فيه من سلبيات.
وختامًا أدعو المولى عز وجل أن يسكن روحه الطاهرة، وجسده العطر، فسيح الجنان، وينزله مراتب الأنبياء والشهداء والصالحين، وأن يلهم أبناءه، وأهله، ورفقاء دربه، وكافة محبيه، وأصدقائه داخل الوطن وخارجه الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.