لم يختلف رجب عن رفيقيه سوى أن مهمته- في كل الحروب- كانت عسكرية خالصة،فلم تمنحه حيزًا للمناورة،وبعد أن دُمرت المؤسسة التي كان ينتمي إليها مع سقوط الدولة،تُرك ليواجه مصيره أعزلًا ،فلا دولة تبادل به،ولا طرف سياسي يقف خلفه،ولا رافعة اجتماعية يتكأ عليها؛ بخلاف رفيقيه…فالصبيحي ينتمي إلى قبائل الصبيحة المشهود لها بالشجاعة، وشدة البأس،لذا يريد كل طرف من الأطراف أن يستميلها إلى صفه،بينما بقي منصور، قاسمًا مشتركًا بين الطرفين،وفقًا لثابت السياسة لا صداقة دائمة،ولا عداوة دائمة،طالما لم يحسم أمر شقيقه من السلطة،وهو ذات الخيط الرفيع الذي انتزع آل عفاش،وأبناء محسن.
بينما لا يملك رجب سوى تاريخه العسكري الحافل بنياشين المجد،وتيجان البطولة،فلا يقرأ الطرفان في فصول أسفاره سوى سطور موجعة، تذكرهما برجب القائد الذي عجز الطرفان عن مواجهته،أو هزيمته ،فكان الأسر فرصة سانحة للانتقام منه فقرر طرف صنعاء الاحتفاظ به،وغض صاحب عدن طرفه طالما والغاية واحدة.
فقررا معاقبته ولو بأثر رجعي، فاسم رجب بالنسبة للحوثيين هو عنوان لمتن حروبهم الستة،كما ارتبط الاسم ذاته في ذاكرة الانفصاليين بذكرى نواح سقوط دولتهم، فتاه رجب في بيداء الزمان،وضاعت مظلوميته في ركام الأحقاد المزمنة .
ثلاثة أسرى من طرف واحد،قُبض عليهم في معركة واحدة،وفي وقت واحد.
ثلاثة أسرى من الصف الأول؛برتب عسكرية متفاوتة،ومناصب وظيفية مختلفة،ووفقًا للتصنيفين فرجب في أدنا القائمة،عميد يشغل منصب قائد لواء، ولوائين أحدهما وزيرًا،والأخر وكيلًا للأمن السياسي،فإذا كان التصنيف من الأعلى إلى الأدنا،أو من الأدنا إلى الأعلى فرجب الأولى.
إلا أن الاتفاق لم تحدده المناصب،أو الرتب،لأنهما من مخلفات الدولة التي انقضى عهدها،وانفرط عقدها،وتوزعت تركتها بين وريثين،كل وريث يمثل عاصمة إقليمية،تسيطر على جزء من الرقعة اليمنية،يحكمها يمنيون،بجوازات سفر أجنبية.
فضاقت الحلقة على رجب،لتنحسر خياراته في خيار واحد عقيم، انتظار عودة دولة يمنية،يحكمها يمنيون،بجوازات يمنية .
ولأن القسمة مليشاوية،قامت على أساس الفرز الفئوي،والمصالح الشخصية للساسه،مع ضمان تصفية حسابات الماضي لكل طرف منهما بأثر رجعي وفقًا لمخلفات الماضي،وتفاهمات المستقبل،أطلق سراح الصبيحي،ومنصور،وآل عفاش،و أبناء محسن، لأن لدى كل أسير منهم رافعة اجتماعية يتكأ عليها،أو قريب له في السلطة،فوقع رجب ضحية لتصفية الحسابات القديمة، فجعلا منه مصبًا،ألتقت فيه روافد الأحقاد،فجعله الحوثيون عنوانًا لمتن حروبهم الستة مع الدولة،التي لم يكن رجب فيها سوى قائد وحدة عسكرية تابعة للفرقة الأولى مدرع بقيادة محسن،التي كانت جزءًا من الجيش الذي يقوده عفاش،فلم ير الحوثيون من الجمل إلا سنامه،ولم يتذكر الانفصاليون من تاريخهم إلا يوم سقوط دولتهم .
فلو كانت الصفقة بين اليمنيين فرجب يمني،يملك جوازًا يمنيًا يثبت يمنيته ،ولو كانت الصفقة بين الشمال والجنوب فرجب جنوبي ولديه بطاقة،لايعيبها سوى مكان مولده في محافظة أبين، التي تعد خصمًا مشتركًا للطرفين،لذا رأينا، لعنة هذه المحافظة مرسومة بوضوح على وجه العم ناصر الذي أسره الحوثيون وهو في العقد السادس من عمره،ليطلقوا سراحه بعد ثمان سنوات،وكأنه قد جاوز عقده العاشر،فلم يعرفه الناس إلا بملامحه التي تشبه ملامح الرئيس هادي، وهذا يؤكد أن الاتفاق بين الطرفين لم يخرج عن إطار ما كان،وما سيكون فالصبيحي حين كان حسابه خاليًا في الماضي لدى الطرفين،وكان حاضرًا في المستقبل عاد كما ذهب،ومنصور حين خلط عملًا صالحًا، وأخر غير صالح لم يعد كما كان، ورجب حين كان حاضرًا في ذاكرة الماضي،وغاب من حسابات المستقل لايزال حبيسًا خلف غضبان السجن،وبين زوايا الذاكرة.
لايفهم من التمثيل بالأشخاص التقليل من أي أسير،فالصبيحي هامة عسكرية مشهود لها بالكفاءة،والبطولة والمواقف الوطنية،وكذلك منصور ورجب،فالتمثيل بالأشخاص إسقاط على ممارسات الأطراف المتفاوضة،وليس على الأشخاص،الذين لم يكونوا سوى ضحايا لصراع فرض على اليمنيين،فالصبيحي مات ولده،وزوجته،وهو في السجن،وأمضى هو وزملاؤه ثمان سنوات من أعمارهم دون أي جريمة سوى أنهم كانوا يرون أنهم في صف الوطن .