اختلاط الرؤية عند سياسيين ومثقفين ومحللين سواء كانوا في السلطة أو خارجها في موضوع التسوية السياسية وموضوع السلام أمر لا يصدق ويثير الاستغراب. ربما هناك من يريد عن قصد ممارسة التجهيل السياسي في أوساط القراء من خلال دمج الموضوعين في مفهوم واحد. يستميت في هذا الشأن وإن غير مقتنع بما يشاهده من حقائق اختلافهما في مجريات كل منهما وآثاره في البلدان العربية والأجنبية. مآل الأولى حلول بشروط مرتبطة بمتغيرات النظام السياسي. والثاني يقضي بحلول شروطها مرتبطة بتطورات مراحل التاريخ. غاية التسوية السياسية مشاركة كافة الأحزاب والقوى السياسية في الحكم في الدولة الواحدة، وهدف إحلال السلام تثبيت الحلول الدائمة لقضايا دولتين. حيث أصبح لكل دولة قضايا بدل ما كانت هناك قضية واحدة محورية إستراتيجية للدول. فمثلا،
انتهى مفهوم قضية الشرق الأوسط التي كانت خاصة بفلسطين واليوم صار للشرق الأوسط قضايا جمة إحداها قضية فلسطين التي أضاعت فرصة التوقيع على معاهدة السلام إلى جانب جمهورية مصر العربية مع إسرائيل.
وأخرى قضية سوريا وقضية لبنان وقضية العراق وقضية ليبيا وقضية الصومال وقضية السودان. كل قضية يدور حولها صراعات سياسية ونزاعات عسكرية باردة وساخنة في دولة بنظامها وطابع فئوي أو حزبي وتركيبة اجتماعية.
الصراع السياسي قد يجد تسوية قبل أن ينفجر إلى نزاع عسكري، وأحيانا تأتي التسوية السياسية بعد خوض معارك وقتال. تجلس الأطراف المتصارعة على طاولة الحوارات والنقاشات والمؤتمرات. وهو الحاصل في الدول المذكورة سلفا فيها الجيوش الوطنية تحارب تحارب الانقلابيين والمتمردين والمليشيات والإرهابيين في داخل عواصمها ومدنها، ماعدا اليمن ( الشمال ) الحرب بين المتصارعين والمتنازعين على مدى ثمان سنوات كانت خارج العاصمة اليمنية، فأوجدوا لهم عاصمة مؤقتة وجيش وطني بعض مديريات مأرب والساحل الغربي على أرض الشمال. وما سبقها كانت حربا جهوية شمالية جنوبية انتهت بتحرير عاصمة الجنوب عدن. ولازال الدفاع عن تحرير عدن والحفاظ عليه جاري حتى يومنا هذا في جبهات لحج والضالع وأبين وشبوة.
صراع ونزاع بين كيانين مستقلين كانا موجودين قبل 22 مايو 1990م أحدهما يناضل من أجل العودة إلى سابق عهده، حق تكفله له القوانين والتشريعات السماوية والأرضية والظروف اليوم مؤاتية له أكثر من أي وقت مضى، وأسهل في ظل المعطيات الراهنة في المنطقة العربية، يسودها شيئا من الهدوء أكان في تجمع المشرق العربي وتجمع المغرب العربي وتجمع الجزيرة العربية والخليج وانتقال التوتر والحرب إلى السودان إحدى دول تجمع وادي النيل.
الأمر الذي يدفع العرب والإقليم والمجتمع الدولي إلى توجيه كافة الطاقات لوضع أسس لسلام دائم في المنطقة على خارطة طريق حل الدولتين بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وللنزاع الجنوبي العربي مع اليمن الخالية من حتى الفئوية والجهوية ناهيك عن الخلافات الطائفية والمذهبية. كل القوى اليمنية وأحزابها يسترشدون بالنظام الحاكم في صنعاء أكان إمامي أو جمهوري الأمر سيان بالنسبة لها وإلا لاختلف الواقع. فالتركيبة الاجتماعية القبلية زيود وشوافع أن يكون حاكم الدولة زيدي يتجدد مع كل فترة قائم على عدم الاعتداء والاشتباك المسلح بين قبائل الزيود والشوافع.