تتجه الأحداث في العالم صوب تعددية قطبية لن تُعطى بسهولة بل ستحتاج إلى توسيع نطاق التنسيق السياسي والاقتصادي بين القوى الحية عالميا بشكل يحفظ المصالح الوطنية للدول ولا يخدم استمرار الهيمنة الأحادية، لتكون فرص حجز موقع ضمن خارطة النظام العالمي الجديد حكرا على الدول التي تمتلك القدرة والإرادة وكانت مستعدة على المدى المتوسط والطويل لتجاوز ضغوط خياراتها السيادية والاستراتيجية، والمهم أن تكون قد حسمت امرها بخصوص مستقبلها المنشود في عالم لا مجال فيه للضبابية،
أما دلالات القوة فهي لا تستند الى الاعتبارات التقليدية فقط بل إلى مفاهيم حديثة كالجاهزية الاقتصادية ومدى التحكم في المقدرات الاستراتيجية واستيعاب التطورات السياسية والاقتصادية والتجاوب معها اقليميا وعالميا، بالاضافة الى ما سبق فإن العلاقات في العالم وتاريخها يؤكدان جليا أن توازن الأمور يكون حتما وفق معايير ومقاييس لا تقبل التشكيك، بما لا يترك مجالا لادعاء القوة ولا وقتا لانتظار الخيارات والقرارات المتأخرة، وهنا السؤال كيف ستكون هذه التحولات ولصالح من بالنسبة للعرب؟ وما هي مؤشرات استيعاب الادوار الممكنة للدول الرائدة والمعول عليها مستقبلا للعب ادوار ترجيحية في منظومة التوازنات العالمية؟
لعل الاجابة على هذه الاسئلة تحتاج الى قراءة متأنية في عنصرين أساسين الأول يتعلق بالعلاقة السابقة والحالية بالغرب وتحديدا بالولايات المتحدة الأمريكية أما العنصر الثاني فيرتبط بالخيارات الاقتصادية المتاحة تجاه التحالفات الاقتصادية الجديدة التي أخذت في البروز والتطور في الآونة الاخيرة على غرار مجموعة البريكس وما تحمله من اتفاقات وقرارات وخطط فيها رصد لمداخل التوازن العالمي ضد الهيمنة الغربية على مفاصل الاقتصاد العالمي،
ومن الواضح هنا ان للمملكة العربية السعودية دورا بارزا في تحولات النظام العالمي لاعتماد قيادتها على رؤية اقتصادية قوية وبطموح كبير سيكون له تاثير على منطقة الخليج والشرق الاوسط عامة، اعتبارا لحجم الاستثمارات ونوعيتها وجودتها وقابلية تجسيدها بما سيمكن المملكة من تبوء مكانة رائدة بين الأمم لصالح مستقبل المنطقة،
ولعل اهم المؤشرات التي يمكن ملاحظتها تتلخص في قوة تأثير خيارات المملكة على القوى العالمية، فالولايات المتحدة الامريكية مثلا وبعد ان كانت تهدد وتتوعد المملكة اصبحت تترجى وتنتظر بشغف ماذا ستختار القيادة السعودية بالنسبة للضفوط الاقتصادية العالمية، ليَحدث كل ذلك كتحول استراتيجي بالنسبة لمنطقة الخليج العربي التي لم تعهد هكذا خيارات ضد المصالح الأمريكية مقابل تقارب سعودي روسي وصيني ظل بظلاله على المنطقة وأصلح خلافات كانت معطلة لازدهار واستقرار الخليج خصوصا والعالم عموما، والظاهر ان المتستفيد الوحيد من وراء هذه الصراعات كانت قوى الهيمنة الأحادية التي ستتراجع لا محالة في ظل توافق قيادات طموحة ومؤثرة ولها وزن عالمي على غرار الرئيس الروسي فلادمير بوتين وولي عهد المملكة العربية السعودية سمو الأمير محمد بن سلمان.