الصدارة سكاي/متابعات
لا يهتم إيلون ماسك فقط بالمنتجات الرئيسية التي تُطلقها شركاته، بل ستجد دائما أن هناك معنى أعمق وراء هذه المنتجات، فعلى سبيل المثال: شركة “تسلا” ليست مجرد شركة لصناعة السيارات الكهربائية وبيعها، بل تهدف إلى تسريع انتقال العالم إلى الطاقة النظيفة والمستدامة. بالمثل، فإن “سبيس إكس”، شركة إنتاج الصواريخ الشهيرة، لا تهدف فقط إلى إطلاق الصواريخ إلى الفضاء، بل ترتبط بإيجاد طريقة نضع بها البشر على سطح كوكب المريخ، وهو الطريق لتحويلنا إلى “جنس متعدد الكواكب”.
والآن بعد سيطرة ماسك على تويتر، لم يعد يُنظر إليه باعتباره تطبيقا للتواصل الاجتماعي، ولكن وسيلة لإنشاء “تطبيق خارق”، كما ذكر ماسك بنفسه في تغريدة على حسابه: “شراء تويتر يهدف إلى تسريع إنشاء إكس (X)، تطبيق كل شيء”، وهو المعنى العميق الجديد الذي يبدو أن إيلون ماسك بدأ في تنفيذه فعلا لأحدث شركاته الكبيرة.
وداعا شركة تويتر!
أشارت وثيقة قُدمت في محكمة بكاليفورنيا في الرابع من أبريل/نيسان الجاري إلى أن شركة تويتر اندمجت مع شركة تسمى “إكس كورب” (X Corp)، وأن تويتر “لم تعد موجودة” بوصفها شركة مستقلة في الوقت الراهن. يعني ذلك أن اسم تويتر بات يعود إلى منصة التواصل الاجتماعي فقط، ولكنه لم يعد معترفا به على أنه اسم لشركة مستقلة (1).
تشير المستندات الرسمية المقدمة للمحكمة كذلك إلى أن “إكس كورب” هي “مؤسسة خاصة” تنتمي إلى شركة أكبر تحت اسم “إكس هولدينجز كورب” (X Holdings Corp) لتنفيذ الأعمال، وهي الشركة المستقبلية الأم لجميع شركات إيلون ماسك، وتشمل كذلك كلّا من “نيورالينك” و”سبيس إكس” و”تسلا” و”ذا بورنغ كومباني”. ووفقا لتقرير حديث من صحيفة فايننشال تايمز، سجل ماسك في شهر مارس/آذار الماضي شركة جديدة باسم “إكس إيه آي كورب” (X.AI Corp) في نيفادا وفقا لإيداعات السجلات الحكومية، يهدف من خلالها اقتحام مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي (2)، ومنافسة شركة “أوبن إيه آي” (Open Ai)، مطورة روبوت “شات جي بي تي” (ChatGPT).
قد يبدو اندماج شركة تويتر كأنه مجرد عملية اندماج عادية لشركة ما تحت مظلة علامة تجارية رئيسية أكبر، تشرف أيضا على عمل بعض الشركات الشقيقة الأخرى، مثلا لدينا شركة “ألفابيت” (Alphabet) التي تقع تحتها شركات جوجل ويوتيوب وغيرها من الشركات الأخرى التي تعد كيانات تجارية مستقلة. ولكن، في حالة شركة تويتر، ومع إيلون ماسك تحديدا، فإن الحرف “إكس” (X) قد يمثل ما هو أكثر من مجرد عملية اندماج لعلامة تجارية أخرى.
قصة الحرف “إكس”
في عام 1999، وفي ذروة فقاعة الـ”دوت كوم” الشهيرة، أسس إيلون ماسك شركة للخدمات المصرفية عبر الإنترنت أطلق عليها “X.com”، وفي الوقت نفسه باع أولى شركاته “Zip2” إلى شركة “كومباك” مقابل أكثر من 300 مليون دولار، وهو ما سمح له باستثمار 12 مليون دولار في شركته الجديدة “إكس”، التي كان يتصور أنها ستتحول إلى متجر شامل ومتكامل للخدمات المالية، سواء كانت حسابات مصرفية عادية أو خدمات الوساطة المالية أو حتى التأمين (3).
بعد مرور عام، اندمجت شركة إكس مع منافستها شركة ” كونفينيتي” (Confinity)، ثم بحلول عام 2001 تغير اسم الشركة إلى “باي بال” (PayPal)، وعندما بيعت إلى شركة “إي باي” (eBay) مقابل 1.5 مليار دولار في عام 2002، جنى إيلون ماسك نحو 180 مليون دولار، ما منحه قوة مالية لبدء الاستثمار في شركة “تسلا” لصناعة السيارات الكهربائية وبناء شركته الخاصة بالصواريخ “سبيس إكس”.
امتلكت شركة “باي بال” حقوق نطاق “دومين” الموقع الإلكتروني “X.com”، لكن في عام 2017 اشترى ماسك حقوق هذا النطاق من جديد مقابل مبلغ مالي لم يكشف عنه، وذكر وقتها أنه لا يملك أي خطط لهذا الاسم، لكنه يمثل قيمة معنوية كبيرة بالنسبة إليه. الغريب في الأمر أنه عندما رد عليه أحد الأشخاص وأخبره بفكرة أن يستخدم هذا الدومين مظلةً لجميع شركاته التي يملكها، كان رد إيلون ماسك حينها أن هذا ربما هو الاستخدام الأمثل.
الآن بدأت أولى خطوات الملياردير الأميركي في إنشاء تطبيق خارق، أو تطبيق “كل شيء” أطلق عليه حرف “إكس”، وهو كما يبدو الهدف الأسمى والأعمق وراء عملية شراء شركة تويتر منذ البداية، لكن ما هو تطبيق كل شيء الذي يسعى إليه إيلون ماسك؟
التطبيق الخارق
على عكس التطبيقات العادية التي صُممت لتقوم بمهمة واحدة بصورة جيدة، يمكن لما يُسمى بالتطبيقات الخارقة أن تقوم بكل شيء، أو على الأقل هذه هي الفكرة المطروحة. بدلا من أن يحتاج المستخدم لأكثر من تطبيق، مثلا تطبيق لكي يطلب سيارة، وآخر ليطلب الطعام، وثالث كي يدفع معاملاته البنكية، يمكن أن تُدمج كل هذه الخدمات في تطبيق واحد، لا يخرج المستخدم منه أبدا.
تعريف “التطبيق الخارق” أو تطبيق “كل شيء” قد يبدو غامضا، ولكن شركات التقنية وقادتها غالبا ما يستخدمون المصطلح عندما يبررون عملية “حشر” المزيد والمزيد من الميزات والمهام داخل تطبيقاتهم، وهي ميزات غالبا ما تختلف عن الوظيفة الأساسية التي يقدمها التطبيق الأصلي. هذا النوع من التطبيقات الخارقة ينتشر أكثر في الصين ودول آسيا، والمثال الأكثر شهرة بالطبع هو تطبيق “وي تشات” (WeChat) الصيني، الذي يملكه أحد أكبر عمالقة الإنترنت الصينى وهي شركة “تنسنت” (Tencent).
يطمح إيلون ماسك إلى محاولة تكرار نجاح تطبيق “وي تشات” في الصين، الذي بدأ بوصفه تطبيقا للمحادثات الفورية، وتحول على مدار العقد الماضي إلى تطبيق كل شيء تقريبا هناك، يُستخدم التطبيق في قراءة الأخبار وحجز رحلات السيارات وحجز مواعيد الكشف عند الأطباء ودفع الضرائب وغيرها الكثير من الأنشطة اليومية الأخرى، وهو ما ذكره ماسك بنفسه في أول حديث له مع موظفي تويتر في يونيو/حزيران الماضي بعد إعلانه نية الاستحواذ على الشركة، حيث قال: “أنت تعيش تقريبا داخل تطبيق وي تشات في الصين، لأنه مفيد جدا ويساعدك في حياتك اليومية. وأعتقد أنه إذا تمكنّا من تحقيق الفكرة نفسها، أو حتى اقتربنا منها مع تطبيق تويتر، فسيمثل هذا نجاحا هائلا”(4). وربما كان استثمار “تنسنت” في شركته “تسلا” عام 2017 هو ما منح إيلون ماسك فكرة عن كيفية عمل عملاق الإنترنت الصيني في هذا المجال.