سارعت العديد من الدول إلى استغلال إمكانات الطاقة الشمسية لديها في توليد الكهرباء النظيفة المُستدامة، بعيدًا عن النموذج التقليدي المتمثل في مصادر الوقود الأحفوري، وما يرتبط بها من جدل لا يتوقف بشأن تداعياتها البيئية المزعومة، إلى جانب تداعيات أزمة الطاقة التي ظهرت عقب الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022.
وحققت سوق الطاقة الشمسية العالمية قفزة تنموية هائلة في السنوات الأخيرة، مدعومة في ذلك بتزايد القلق إزاء آثار التغيرات المناخية، وتنامي الحاجة إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز حصتها في مزيج الكهرباء العالمي.
وفي ضوء هذا السيناريو، تبرز الصين في طليعة الدول المُنتجة للطاقة الشمسية عالميًا من حيث السعة المُركبة، لكنها تحتل المرتبة الـ150 في قائمة الدول الأكثر امتلاكًا لإمكانات الطاقة الشمسية، وفقًا لما أوردته وكالة رويترز، نقلًا عن تصنيف البنك الدولي.
سوق الطاقة الشمسية
لامست قيمة سوق الطاقة الشمسية العالمية 109 مليارات دولار في العام الماضي (2022)، ومن المتوقع أن تنمو السوق نفسها بمعدل سنوي مركب نسبته 10.6% خلال السنوات الـ10 المقبلة، بحسب بيانات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُعنى بمقياس إمكانات الطاقة الشمسية العملية مقياس الطاقة الكهربائية المولدة باستعمال نظام طاقة شمسية نموذجي على مستوى المرافق، مع الأخذ في الحسبان القيود ذات الصلة باستعمال الأراضي المحلية المتاحة، ودرجة السطوع الشمسي لتوليد الكهرباء.
ويستطيع هذا المقياس تقييم كمية الطاقة الكهربائية التي يمكن توليدها عبر دول مختلفة، سواء في الأماكن التي لديها منشآت طاقة شمسية مُركبة، أو حتى التي ليس لديها على الإطلاق.
ويمثّل مقياس الطاقة الكهربائية المولدة باستعمال نظام طاقة شمسية نموذجي على مستوى المرافق كمية الكهرباء المولدة لكل وحدة من سعة الطاقة الشمسية المُركبة على المدى الطويل، ويُقاس بالكيلوواط/ساعة لكل ذروة كيلوواط مُركبة من سعة النظام، وفقًا لمؤسسة “غلوبال سولار أطلس”.
ووفقًا لتصنيفها من حيث هذا الإنتاج المحتمل، تبرز بعض الدول التي لا تحجز لنفسها مكانًا في قوائم منتجي الطاقة الشمسية الكبار على رأس القائمة، في حين تبدو دول أخرى عديدة تستضيف تركيبات شمسية رئيسة، أقل مواءمة لإنتاج الطاقة الشمسية، مقارنة بغيرها من الدول الأخرى.
عمالقة أفريقيا
تحل ناميبيا على رأس قائمة الدول الأكثر امتلاكًا لإمكانات الطاقة الشمسية العالمية، وفق تصنيف البنك الدولي، بواقع 5.38 كيلوواط/ساعة/ذروة كيلوواط/يوميًا.
ويُسهم سطوع الشمس لمدة 10 ساعات، مقترنًا بتوافر الأراضي الصالحة للتركيبات الشمسية، في وضع ناميبيا على رأس الدول الأخرى كافة، من حيث إمكانات الطاقة الشمسية، إذ يزيد مقياس إنتاجية الطاقة الكهربائية المولدة باستعمال الطاقة الشمسية، بنسبة 40% على نظيره في الصين، رائدة الطاقة الشمسية -حاليًا-.
كما تأتي دول مصر وليبيا والجزائر وبوتسوانا والمغرب والسودان في قائمة الدول الـ20 الكبرى على مؤشر مقياس إنتاجية الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، وذلك بفضل إجمالي حجم الإشعاع الشمسي المشابه، وتوافر الأراضي الصالحة لتنفيذ المشروعات الشمسية.
ويشير هذا -ضمنيًا- إلى استطاعة البلدان الأفريقية الهيمنة على تصنيفات إنتاج الطاقة الشمسية، حال نُفذت جميع خطط تطوير الطاقة المتجددة الطموحة التي تتبناها حكومات القارة السمراء.
متنافسو الشرق الأوسط
بفضل كميات مرتفعة من السطوع الشمسي، وتوافر مساحات شاسعة من الأراضي، تبرز دول عديدة من الشرق الأوسط -أيضًا- في مراكز متقدمة من حيث إنتاجية الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية رغم المستويات المنخفضة من تركيبات الطاقة الشمسية لديها.
ويأتي كل من اليمن والأردن وعمان ثم المملكة العربية السعودية على رأس دول الشرق الأوسط، وفق تصنيف المؤشر ذاته.
وتعني الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية للطاقة الخضراء عبر الدول الشرق أوسطية، أن المنطقة ستستغل -قريبًا- جانبًا كبيرًا من إمكانات الطاقة الشمسية، ما ينبغي أن يساعد بدوره اقتصادات المنطقة على مواصلة النمو رغم عدم اليقين الذي يُغلف آفاق صادرات النفط والغاز الآتية من المنطقة نفسها.
كبار آسيا
ربما يدل التصنيف المتدني للصين من حيث إنتاجية الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، أن البلد الأكثر تعدادًا للسكان في العالم ليس مُستعدًا جيدًا لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
ونظرًا إلى أن إنتاجية الكهرباء من الطاقة الشمسية هي مقياس متوسط على المستوى الوطني، فإن المقاييس المنخفضة من المناطق المزدحمة التي تكثر فيها السحب في الشمال تعوّضها -على ما يبدو- القراءات الأعلى من المناطق الغربية المشمسة ذات المساحات الواسعة، إذ طوّرت البلاد في تلك المناطق الأخيرة خبراتها العالمية في الطاقة الشمسية.
ورغم ذلك فإن القراءة التي تسجلها الصين من حيث إنتاجية الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، والبالغة 3.88 كيلوواط/ساعة/ذروة كيلوواط/يوميًا، أقل بكثير من المتوسطات الوطنية للدول الأخرى في آسيا، من بينها منغوليا التي تتمتع بطقس مُشمس، ومناخ جاف (تسجل قراءة 4.76 على المؤشر)، والهند (4.32)، وأفغانستان (5.02)، المسجلة أعلى قراءة على المؤشر ذاته.
ومن المتوقع أن تسرع الدول الآسيوية كافّة -تقريبًا- وتيرة طرح مشروعات الطاقة الشمسية في العقود المقبلة، إلا أن الصين تتطلع إلى أن تظل الرائدة عالميًا من حيث الحجم الهائل لسعة الطاقة الشمسية المركبة، بفضل سياسات الدعم التحفيزية السخية التي تمنحها بكين، إلى جانب خطط تستهدف إعادة التوازن إلى نظام الكهرباء في البلد الآسيوي، بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري.
نمو أوروبي
بينما تأتي ألمانيا على رأس منتجي الطاقة الشمسية في أوروبا -حاليًا-، على حين تمتلك إسبانيا أعلى قراءة من حيث إنتاجية الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية؛ بفضل ما تتمتع به من سطوع شمسي على مدار العام، ومساحات مناسبة من الأراضي لتركيبات المحطات الشمسية.
ونتيجة لذلك، ستعزّز مدريد على الأرجح سعة الطاقة الشمسية المركبة، التي بلغت ثُلث نظيرتها في ألمانيا خلال العام الماضي (2022).
وتُصَنف كل من البرتغال وتركيا -أيضًا- ضمن قائمة الـ100 الكبار على المؤشر ذاته، مقارنة بألمانيا التي تقبع في المرتبة الـ196.
الأميركتان
في أميركا، تتصدر تشيلي دول قارتي أميركا الشمالية والجنوبية -معًا- من حيث إمكانات الطاقة الشمسية، كما تحل في المركز الثاني عالميًا بفضل تركيزات السطوع الشمسي القوية، والأراضي المناسبة لتركيبات الطاقة الشمسية على مستوى المرافق.
وتحل بوليفيا وبيرو والمكسيك -أيضًا- ضمن المراكز الـ30 الكبرى، في حين تحجز الولايات المتحدة الأميركية لنفسها المركز الـ90 من حيث إمكانات الطاقة الشمسية، وإن كان لديها إمكانات هائلة في منطقة الجنوب الغربي التي تُقارن بمناطق أخرى عالمية تسجل قراءات مرتفعة على المؤشر.
يُشار إلى أن مقياس الطاقة الكهربائية المولدة باستعمال نظام طاقة شمسية نموذجي على مستوى المرافق يُسلط الضوء على إمكانات الطاقة الشمسية الواسعة في جميع المناطق، لا سيما في المناطق التي تتخلّف -الآن- عن الدول الرائدة عالميًا، لكنها تمتلك سطوعًا شمسيًا قويًا ومساحات مناسبة من الأراضي، تؤهلها إلى أن تصير من الرواد العالميين في العقود المقبلة.