(حديث السلام) بين رغبة سعودية جامحة للخروج من مأزق اليمن وبين تهديدات حوثية باستئناف الحرب.. هل فشلت مفاوضات إنهاء الحرب بين السعودية والحوثيين؟! (تقرير)
بينما تضع السعودية كل ثقلها لإنهاء الحرب والخروج من مأزق اليمن؛ يطلق الحوثيون تهديدات باستئناف الحرب وضرب الأهداف الحيوية في العمق السعودي، بما تمتلكه المليشيات من ترسانة تطورت مع مرور السنين، بإشراف خبراء إيرانيين.
مشهد يعبر بشكل أوضح عن هشاشة السلام القائم في اليمن، ومعه هشاشة التفاهمات الأخيرة.
فهل وصلت مفاوضات السلام بين السعودية والحوثيين إلى طريق مسدود؟
لم تمضِ أسابيع قليلة على التقارب السعودي الإيراني بعد توقيع اتفاق بكين؛ حتى فاجأ السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الرأي العام، بوصوله إلى عاصمة اليمن المختطفة “صنعاء” رفقة وفد عماني، ليبشِّر منها بانتهاء عهد الحرب وبداية مرحلة جديد من السلام.
ورغم أن الزيارة كانت مفاجئة، وغير متوقع حدوثها بتلك السرعة، إلا أن مراقبون اعتبروها دليلًا على تفاهمات سرية، بعد جولات حوار جرت، وسبقت توقيع الاتفاق السعودي الإيراني.
لكن ما إن أقلعت طائرة آل جابر، حتى عادت المخاوف من فشل المفاوضات بعدما صعَّد الحوثيون لهجتهم العدائية مجددًا، مهددين باستئناف الحرب، بالتزامن مع خروقات وحشود عسكرية في أكثر من جبهة، لتعود للأذهان أجواء الحرب المستعرة منذ ثمان سنوات، كاشفة للعيان مدى هشاشة التفاهمات الأخيرة.
تلك المخاوف عبَّر عنها المبعوث الأممي غوندبرغ في إحاطته لمجلس الأمن الدولي، يوم 18 مايو الماضي، حيث حذر من “هشاشة الوضع في اليمن رغم حالة خفض التصعيد الراهنة، وشدد على أن العملية السياسية الشاملة يجب أن تبدأ في أقرب وقت ممكن”.
رغبة سعودية جامحة بالسلام تقابلها تهديدات حوثية باستئناف الحرب
لم تكن زيارة السفير آل جابر إلى صنعاء إلا ترجمة واقعية لرغبة سعودية جدية في إنهاء الحرب، والدخول في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، سعيًا للخروج من مأزق اليمن، وانسجامًا مع التوجه الجديد للملكة “تصفير المشاكل” والتفرغ للملف الاقتصادي، وتحقيق رؤية بن سلمان ” المملكة 2030″.
ورغم حالة التكتيم الشديدة على ما يجري في الغرف المغلقة من حوارات، ومع استمرار وضع اللاحرب واللاسلم، إلا أن ما يطلقه الحوثيون من تصريحات وتهديدات، يكشف صعوبة ما يجري من مفاوضات في الغرف المغلقة، حيث تحدث القيادي البارز في حركة الحوثيين محمد البخيتي عن محاولة سعودية للتهرب من كونها طرفًا بالحرب، مؤكدًا رفض جماعته التفاوض مع مجلس القيادة الرئاسي، ومشددًا على أن مفاوضات إنهاء الحرب لن تكون إلا مع السعودية.
أما زعيم الجماعة “عبد الملك الحوثي” فكان أكثر وضوحًا في تهديداته، حيث اعتبر أن “حالة العدوان (يقصد ممارسات التحالف) لا تزال مستمرة بكل أشكالها، وما تم هو تخفيف التصعيد في بعض الجوانب لتستمر المؤامرات بأشكال متعددة” حسب تعبيره، وهدد الحوثي بتصعيد عسكري ومنع الحكومة المعترف بها دوليا من استئناف تصدير النفط، ولوَّح برفض استمرار الوساطة العمانية لإنهاء الحرب ورفض جهود السعودية في مساعيها لـ”لعب دور الوساطة”.
مراقبون اعتبروا أن السعودية كانت مسرفة في تفاؤلها بالتوصل لسلام شامل مع الحوثيين، وهرولتها نحو خيارٍ واحد، مع إغفال باقي الخيارات، وهو تفاؤل بنته على وقع تقاربها الأخير مع إيران (الدولة الداعمة للحوثيين)، لكن مراقبين آخرين يرون أن الحوثيين لا يمكنهم القيام بأي حرب دون مساندة وتأييد إيراني، وأن التهديدات التي يطلقها قادة الجماعة بين الحين والآخر لا تعدو أكثر من كونها حربًا نفسية، سعيًا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية.
نقاط خلاف رئيسية :
يرى مراقبون بأن هناك نقاط خلاف رئيسية ظاهرية، تعرقل التوصل لاتفاق شامل لإنهاء الحرب، حيث تطالب جماعة الحوثي قبل الشروع في تنفيذ أي تفاهمات، “بفتح مطار صنعاء أمام جميع الرحلات الدولية والسماح للسفن بالمرور إلى ميناء الحديدة، دون أي قيود أو شروط، وكبادرة لجدية كما أن الجماعة تطرح شروطًا أخرى للتوصل لأي تسوية منها دفع تعويضات عن الخسائر التي نتجت عن الحرب، ودفع رواتب جميع موظفي الدولة بموجب كشوفات الموظفين للعام 2023م “.
نقاط خلاف أكثر عمقًا
أما المحامي والسياسي الجنوبي، رائد الجحافي، فيعتقد بأن هناك نقاطًا أخرى أكثر عمقًا وصعوبة، غير تلك النقاط المذكورة آنفًا، والتي يضعها الحوثيون كشرطٍ لأي تسوية.
يقول الجحافي في تصريح “للصدارة سكاي” بأن النقاط الواقعية التي أخَّرت التوقيع على الاتفاق النهائي تتمحور حول نقاط تفاهم عميقة تشترك فيها مصالح الطرفين وتوجد صعوبة في معالجتها”.
ويتابع “أبرز هذه النقاط تتمثل بــ”ضمانات تحقيق الاستقرار السياسي للمرحلة المستقبلية، والتي توجد صعوبة كبيرة في معالجتها لأن بعض القضايا واهمها قضية الجنوب وقضايا أخرى أفرزتها الحرب يصعب تفكيكها وإعادتها إلى ما قبل اندلاع الحرب”.
وحول احتمالية عودة التصعيد بين الطرفين (الحوثيين والسعودية) يرى الجحافي بأن التفاهمات بين الطرفين أكبر وأعمق من الخلافات أمام الوضع الذي وصلت إليه جميع الأطراف وهذا لا يستبعد أن يظهر بين الحين والآخر نوع من التصعيد بينهما وقد يصل إلى المواجهة الفعلية بهدف تمرير لعبة ما ضمن مخططهما.
ويشير الجحافي في حديثه “للصدارة سكاي” : ” بأن الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي يظلان في محل الطرف الواهم بموقعهما كمحور في التفاهمات الظاهرية فقط، لأن الطرف اليمني الحقيقي الذي يدخل ضمن اللعبة الخفية هو الجنرال علي محسن الأحمر وآخرين” بحسب رأيه..
“تعثرًا” ولا يعني بالضرورة فشلًا
أما الناشط السياسي وضاح حريري في حديثه “للصدارة سكاي ” فيرجع أسباب تعثر المفاوضات بين السعودية والحوثيين الى مسألتين رئيسيتين الأولى تتعلق بتفاصيل الاتفاق المزمع عقده من النواحي الفنية والاجرائية بينهما، بينما الثانية تتعلق بتأكيد السعوديين على كونهم وسيطًا وليسوا طرفًا في التفاوض”.
ويرى الحريري أن هذا التعثر لا يعني بالضرورة فشلًا للمفاوضات إذ يقترن الأمر بحسب رأيه بحساب كل طرف منهما لمقياس الكسب والخسارة اي إنهما فجأة قد يتحولان الى طرفين متفاوضين فعليًا.
ويؤكد الحريري في حديثه للصدارة سكاي بأن الحوثيين يسعون لفرض شروطهم بالاستفادة ليس فقط من الرغبة في السلام ولكن في اي ظروف واحتمالات اخرى دوما ما يستغلون الفرص لتمرير ما يريدون باقل الخسائر.
اليمن ما بعد الاتفاق السعودي مع الحوثيين
يرى مراقبون بأن المفاوضات بين السعودية والحوثيين، وإن بدت صعبة ومتعثرة لكنها ستستمر، وسيبحث الطرفان عن نقاط مشتركة يمكنهما من خلالها التوصل لتفاهمات هامة مستفيدين من تهيؤ الظروف جميعها أمام التوصل لاتفاق بينهما، لكن تبقى عراقيل سياسية كثيرة أمام تحقيق سلام شامل في اليمن بغض النظر عما ستفضي إليه التفاهمات بين الرياض وصنعاء، هذا السلام الشامل، لا يعني بالضرورة وقفًا شاملًا لإطلاق النار في اليمن وحسب، بقدر ما يعني حسم المسائل السياسية الصعبة، وعلى رأسها قضية الجنوب، بوضع حلول مقبولة، ومراعاة الواقع الذي تشكل بعد حرب العام 2015م، حيث يصعب السير بحلول ترقيعية، تتجاوز الحقائق التاريخية والواقع على الأرض، فضلًا عما أفرزته حرب العام 2015 من بروز قوى جديدة في المشهد السياسي، وصارت أكثر حضورًا، وتنظيمًا ويصعب تجاوزها.
ويرى الكثير من المراقبين بأن وضع إطار خاص بالجنوب، في مفاوضات الحل السياسي، وعدم اعتباره جزءً من طرف معين، وحده الكفيل بإيجاد أرضية تفاهمية، يمكن من خلالها التوصل لحل شامل وعادل، وما دون ذلك حلول ترقيعية قد تنجح مؤقتًا لكنها لا تدوم.