الغضب لغةً، إرادة انتقام مصدرها شعور المرء بضررٍ أو احتقار أو إهانة ألحقها به غيره. وهو مفتاح كلِّ شرّ، ففي لحظات اشتداد الغضب التي تعتري المرء لأية أسباب يندفع بسرعة دون تحكيم عقله الذي هو هبة من الله له، فيتصرف بدافع نار الغضب التي تغلى في داخله كالمرجل بعدوانية ويندفع كالثور الهائج دون حسبان لعواقب فعله، ثم سرعان ما يندم على تصرفه، ولكن بعد فوات الأوان، وقيل في ذم الغضب “أول الغضب جنون وآخره ندم”.
ولهذا أوصانا رسولنا الكريم أن لا نغضب، فحين جاءه رجل يطلب منه وصية قائلأ:(أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب). ويتصدر الغضب قائمة السَّبع المميتة للروح وهي: الغضب، والغيرة، والحَسَد، والشَّره، والشَّهوة، والكِبْر، والكسَل. وذلك لما يترتب على الغضب من أمور سيئة لا تخطر على البال ولا تحمد عقباها، سواءً كانت قولية أو فعلية.
والغضب مذموم أيضاً في أمثالنا الشعبية التي تحثنا على اجتنابه وعدم الانسياق له مهما كانت الظروف. فعند البلاء أو التعرض لما يثير كوامن الغضب الهائجة يُقال في أمثالنا “لا جَاك البَلا وانت قَيْمْ جِسّ، وان جاك وانت جَالس انْجَعِبْ، وان جَاك وانت مَجْعُوْبْ قُمْ واسْتَعِنْ بالله” (قيم: قائم. جِسّ: اجلس. انجعب: اضطجع) ويضرب هذا المثل للحث على تجنب الأذى بكل السبل وتسكين الغضب. ومثله من الفصيح:”إذا نزا بك الشر فأقعد”. وقيل:”من غضب قائما فقعد سكـن غضبه، وان كان قاعداً فأضطجع سكن”.
والمعروف أن الأحمق هو خفيف العقل، سريع الغضب، ولهذا قيل في أمثالنا “لَحْمَقْ عَدُو نفسه” أي أن سرعة غضبه وانفعاله السريع يعود عليه بنتائج سيئة وخطيرة، ويصدق فيه قول الشاعر:
ولم أرَ في الأعداء حين اختبرتُهم عدوًّا لعقل المرء أعدى من الغضب
ومن أمثالنا التي تُضرب في تأثير الكلمة الطيبة في تهدئة وتسكين مشاعر الغضب ، قولهم “لًو مَا سَلامك سبق كلامك، كُنت با قرِّط لحمُك وعظامُك”.
إن الغضب مدعاة للسخط وحُبِّ الانتقام، والتصرف بطيش وتسرُّع، وبسببه يضيع العقل وتخرج الأمور عن السيطرة، وقال الشاعر:
ما لي غضِبتُ فضاع أمري من يدي والأمر يخرج من يد الغضبانِ
والعاقل والحكيم والحليم هو من يسيطر على مشاعره ويتحكَّم بأعصابه ويتمالك نفسَه لحظة الغضب، ويقول الرسول الكريم:”لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ”. نعوذ بالله من شِرَّة الغضب، وجعلنا الله ممن يملك نفسَه عند الغضب.