تقوم الناشطة والوسيطة المحلية صباح فرحان بأداء كافة مهام العاقل في حارة الجحملية الغربية الواقعة ضمن حي الجحملية أقدم الأحياء وأكثرها دمار وتردٍ معيشي وإنساني في مدينة تعز وسط البلاد وهو دور اجتماعي وإنساني وخدمي تمارسه صباح فعلياً و تتابع إجراءات الحصول على ختم وقرار رسمي و تنوي الترشح لتكون عاقل الحارة رسمياً.
تنحدر صباح من أسرة بسيطة ومحدودة الموارد والعلاقات وتقيم منذ عقود في حي الجحملية الذي ولدت فيه وعاشت مرارة الفقر والحاجة والانزواء مع همومها في منزل عائلتها، ومع اندلاع الحرب العام 2015 خرجت تتلمس أوضاع واحتياجات ومشاكل سكان الحي وتبحث عن حلول ووسائل لوضع حد للمعاناة الحاصلة.
كفاح
لم تستسلم صباح وهي حاصلة على بكالوريوس تربية ولا تشغل أي وظيفة حكومية.. واقعها المتردي والصعوبات الكثيرة التي واجهتها حولتها إلى دافع للتقدم وكسر الحواجز المجتمعية والنظرة التقليدية التي تحجم دور المرأة اليمنية وتحصر أنشطتها وتحركاتها ضمن مجالات محدودة لا تشمل عاقل الحارة.
وبفعل ارادتها القوية وإصرارها على الخروج من حالة الانكفاء في المنزل، تمكنت من الانتقال إلى مرحلة النشاط والإسهام الفعلي في خدمة المجتمع المحيط، من خلال فض النزاعات ومساعدة المحتاجين، وتنفيذ مبادرات وأنشطة للتخفيف عنهم، والتواصل مع المنظمات الإغاثية والسلطات المحلية، والتواصل مع وسائل الإعلام لتسليط الضوء على أوضاعهم كما تقول .
أكسبها ذلك ثقة المواطنين في حي الجحملية عموماً والحي الذي تقيم فيه خصوصاً، وجعل منها مرجعاً لهم في مشاكلهم وخلافاتهم وأوضاع حيهم والصعوبات اليومية والخدمية التي تواجههم، ولأنها بادرت على مدى سنوات لمساعدتهم ونجحت في مساعيها منحوها ثقتهم لتمارس دور عاقل الحارة.
مهام ومسؤوليات
تذكر صباح : ”يطلق سكان حي الجحملية عليّ تسمية عاقل الحارة، وينادوني يا عاقل ويرجعوا لي في أي شيء حتى في خلافاتهم الأسرية، كما ترجع لي الجهات الرسمية والأجهزة الأمنية في كثير من القضايا المتعلقة بالحارة وتطلب مني الحضور في حال حصول أي مشكلة بالحارة والتدخل لحلها“.
وتتابع صباح أسوة بعقال الحارات الذكور قضايا أبناء حارتها لدى السلطات الأمنية وأقسام الشرطة وتتابع إجراءات التحقيق وتساند المظلومين منهم وتعمل على إخراجهم من السجون كما تستغل علاقاتها بالجهات الرسمية في تيسير أمور سكان حارتها وتساعدهم في الحصول على مذكرات لمصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني، وتعمل على تسهيل عملية استخراج وثائق رسمية كالبطاقات الشخصية وشهادات الميلاد بحكم علاقاتها الشخصية .
وتقوم بدور الوساطة وفض النزاعات بين سكان الحي وتذكر: ”لدي صلاحيات عاقل الحارة من الناحية الإنسانية والخيرية وحل الخلافات الحاصلة ومعالجة أي مشكلة في الحارة وإصلاح أي خلل متعلق بالصرف الصحي والمياه وغيره، فضلاً عن متابعة شؤون السكان لدى المنظمات والسلطات المحلية“.
تتعامل معها الجهات الأمنية كعاقل حارة إذ تُستدعى بين الحين والآخر من قسم الشرطة ويُطلب منها التدخل للإصلاح بين الناس وحل بعض القضايا الأسرية و المشاكل بين الجيران وتفادي اشتعالها وخروجها عن طورها حسب صباح.
ويستدعي حدوث أي مشكلة أو قضية في الحارة وجود صباح والتي تقول: ”أمارس دور الرقابة على الغاز المنزلي، وعملية توزيعه على السكان، وهذا لكوني عاقل الحارة وعضو لجنة رقابة مجتمعية على الغاز“، كما تلفت إلى أنها ”المرأة الوحيدة التي تمارس هذا الدور في مدينة تعز ولديها صلاحيات من المحافظة ومكتب الصناعة والتجارة وشركه الغاز“.
وتنشط حالياً في مجالات عدة بينها المساءلة الخدمية والتعليمية وضمن حكماء السلام وهي عضوة في عدد من اللجان المجتمعية كما تقود العديد من المبادرات حد تعبيرها.
محطات
ما وصلت إليه صباح اليوم من نجاح يعد ثمرة جهود متواصلة وأنشطة متعددة ومبادرات خاضتها خلال سنوات الحرب والتي كانت قبلها مجرد فتاة متعلمة وبسيطة لا تجيد أياً من أبجديات العمل الاجتماعي والإنساني والخيري.
تقول صباح : ”كنت جالسة في البيت ولم أكن أخرج وأتحرك وأنشط، ولم أكن أعرف الجهات الحكومية والمنظمات، وحينما اندلعت الحرب تعرضنا في منطقة الجحملية بمديرية صاله للحصار والدمار وأصبحنا نفتقر لأبسط المتطلبات المعيشية“.
تضيف: ”كنا نعيش في خط النار وتدمر منزلنا بالكامل وتوقفت أعمالنا، وليس لدينا مكان آمن ننزح إليه، ولا نمتلك أجرة المواصلات، وتدهورت أوضاعنا بشكل مهول، بدأت في تنفيذ مبادرة وأتلمس أوضاع واحتياجات الجيران وحاولت أتوصل مع المنظمات التي ممكن تأتي وتساعد سكان المنطقة وطرقت أبواب بعض المؤسسات“.
لم تكن تعرف صباح ما الذي تعمله وكيف تطلب مساعدة الجهات التي ارتادتها والإجراءات المتبعة، وتوضح: ”كنت أكتب أسماء الأسر المحتاجة بخط اليد على ورقة عادية من أجل تأمين المساعدات لأسرتها وأبناء منطقتها“.
وشرعت النشاط في مجال تأمين المياه والخضروات والمتطلبات الأساسية من خلال جمع عدد من النساء والعمل على جلبها من أماكن بعيدة وتوزيعها على السكان في حين كان يحظر على الرجال الخروج، ويتعرضون للاعتقال والمساءلة كلما فعلوا ذلك كما تذكر.
كانت هذه أول مبادرة لصباح والتي توضح : ”استطعت من خلالها تقوية علاقاتي بالمنظمات والمؤسسات الإنسانية وكسب ثقة القائمين عليها، وبعدها التحقت بالعديد من الدورات التدريبية وانضممت لحكماء السلام وتعرفت على شخصيات كبيرة ومسؤولين وقانونيين وبدأت كعضوة ضمن فريق الحكماء في التدخل بمشاكل وقضايا والعمل على حلها، وشكلنا لجان مجتمعية ورقابية لتعمل في الميدان وتراقب أداء المكاتب الحكومية“.
نقطة تحول
تقول صباح : ”شكلنا ضمن أنشطة حكماء السلام لجان مساعدة خدمية و تعليمية وكنا نتدخل في جانب الخدمات ونلتقي مع السلطات المحلية و مدراء المكاتب الحكومية، ونناقش معهم حول ما يقومون به وآلية العمل والفجوات ذات الصلة“.
انضمت صباح للجان الإغاثة وقدمت مساعدات انسانية وخيرية ومالية لسكان الجحملية وعملت على توفير خزانات خيرية بدعم من فاعلي خير و مؤسسات ومنظمات، كما قادت مبادرات لتوزيع أضاحي وكسوة العيد. تقول: ”بدأ السكان يثقون بي ويعتمدون عليّ بشكل أساسي لكوني الوحيدة التي أسعى لخدمتهم، وزاد اعتماد السكان عليّ في منطقة كبيرة كالجحملية، وكانوا يطلبون مني التدخل لمساعدتهم وحل مشاكلهم، والبحث عن معونات غذائية لهم من المنظمات، كما يلجؤون لي في أي شيء“. وتضيف ”إذا حدث شجار أو عراك بالأيدي وغيرها أخرج حتى في ساعات الليل لوقفها والنظر في أسبابها وحل المشكلة“.
تتحلى صباح بالقدرة على التفاوض و الإقناع، وهذا ساعدها في مهمتها في فض النزاعات بين أفراد المجتمع وعمل حلول مرضية ومقبولة من قبلهم، وضمان استدامة تلك الحلول من خلال تنفيذ مشاريع تنموية تنهي الخلاف الحاصل بين المواطنين داخل الحارة أو مع الحارات الاخرى، وقامت بتنفيذ مشاريع خدمية ومتابعة نظيرتها المنفذة من قبل السلطات المحلية، وتقديم رؤى للمنظمات حول احتياجات المنطقة ونوعها ونفذت مبادرات في جانب التمكين الاقتصادي من خلال إنشاء مشاريع صغيرة لبعض المعدمين بتمويل من فاعلي خير.
كسب الثقة
وتذكر صباح: ”قمت بزيارة الأسر التي ليس لها مصدر دخل وحاولت مساعدة أربابها من خلال البحث عن دعم من فاعلي خير وتوفير أدوات ولو متواضعة للعمل كعربيات لبيع البطاط وانشاء بسطات وتزويدها بالبضاعة كما عملت على مساعدة الأشخاص المعاقين (طريحي الفراش) ووفرت لهم بعض المستلزمات والأدوية والعربيات“.
لا تتوانى عن مساعدة الأشخاص الذين يطلبون مساعدتها من خارج منطقة الجحملية، وتوضح صباح: ”أتلقى اتصالات من أشخاص في مناطق بعيدة، وأحاول مساعدتهم قدر الإمكان، ومن لم أستطع مساعدته أقوم بتسجيل اسمه وبياناته وتقديمها لزملاء وجهات لتقوم بمساعدته“.
تواصل صباح نشاطها وتدخلاتها والعمل على أكثر من جانب، وتشير إلى أن هذه هي المعقلة (دور عاقل الحارة)،كما تشعر بالرضا تجاه حصيلة جهودها المتواصلة، وتحظى باحترام وقبول الجميع.