ليست غايتي أن “أنكل” في رجل حكم ليحكم أو أن أمدح آخر ارتقى بأمته فجعل همها ورفعتها أكبر هدفا له، ولكني أسطر كلماتي هنا لكي أجد مفتاحا قد فقد وطريقا قد ضاع وأمة قد انتهكت حرماتها ففقدت أحسن أبنائها وضيعت تاريخها لتكون رغم “غناها ” أفقر الدول وأقلهم قوة وأظلهم سبيل، بسب حاكم، حكم ليقال عنه إنه ضرغام أو إنه بطل للسلام أم أنه بأني البلاد ومعمر الأوطان ، ولكي أخوض في هذا الموضوع علي أول أن أوضح أنني أكتب عن قادة كان لهم التأثير المباشر في تحديد الأطر الواضحة في خارطة السياسة العربية وخاصة قادة مصر، لسببين مهمين أولهما أن مصر “جمال عبد الناصر” هي الدولة العربية الوحيدة التي تحملت على عاتقها فكرة بناء (وحدة الأمة العربية ) وهي ذاتها التي كانت تقاتل الصهيونية في فلسطين وترفض التطبيع معها بل كانت في زمن قائدها جمال لا ترغب إلا برمي كيانها “في البحر” وليس فقط الخلاص منها إلا أن مصر لم تكن بصراحة قادرة على توحيد العرب ولم تكن قادرة على تحرير فلسطين، لأنها كانت تواجه تحديات اكبر من حلمها فلا تستطيع اليد الواحدة ان “تصفق” كما ان حلمها لم يكن كحلم قادة بعض حكام امتها لذلك كلا الحلمين دفنت ملامحهما مع موت “ناصرهما” .
كان جمال عبد الناصر يقاتل الأعداء وفي بعض الأحيان أبناء جلدته من العرب الذين كانت تزعجهم ترنيمة جمال بل كانت تقتلهم عروبته فكان الناصر جمال كالسيف فهو الثابت على مبادئه الذي لم يساوم بذرة تراب من تراب أمته وكانت فلسطين هي هدفه ومحور نضاله؛ ومن ينكر أن الأمة العربية في زمن جمال كانت تقوم وتقعد مع حركاته وسكناته حتى توارى خلف الستار أغلب قادة العرب الذين لهم “الهوى” في التطبيع مع الكيان الصهيوني لان كياناتهم أسست على رمال اسيادهم ، لذلك كانوا يخشون أن يهمسوا مجرد همس بلفظ “التطبيع” مع هذا الكيان فجعلت تلك المواقف من الزعيم عبد الناصر يذهب في نزاعات معلنة أو مبطنة مع بعض تلك الأنظمة المتخاذلة أو ربما مع حركات تريد الابتعاد عن فكرة القومية العربية وبالتالي التنصل من تحرير فلسطين، لذلك كان الزعيم عبد الناصر يقاتل في ساحات الوغى وكأنه لا يمتلك من يحمي ظهره فلا يوجد دعم مالي إلا ما ندر ولا يتمكن من الحصول على أسلحة متطورة أما لأنه لا يمتلك سداد ثمنها أو لان حلفاؤه من السوفييت يخشون ” زَعَل ” أمريكا وحلفائها لذلك كان جمال كأنه قد قيد بسلاسل من حديد إلا أنه استمر لآخر نفس من حياته يقاتل جبهتين الصهاينة ومن لف لفهم وخيانة بعض الأنظمة العربية المحسوبين علينا بكل أسف.
والسبب الثاني، ما شهدته الأمة العربية من تامر وتفتت في ظل من أعقب جمال عبد الناصر بل ما لمسناه من تقارب مع الكيان الصهيوني حتى أننا الآن أصبحنا وأمسينا على واقع مر وهو ضياع الحقوق الفلسطينية. بل تشتت الأمة العربية في ظل بعض الكيانات العربية الخاضعة للإرادة الأمريكية والمهرولة نحو تل أبيب والتي باعت القدس العربية فتنازلت عن عروبتها ووحدتها وقومتيها فأصبحنا اليوم نبني الحدود الحديدية بين أقطار أمتنا العربية، لنهدم الجدار مع الكيان الصهيوني الغاشم.
والسؤال المهم هنا هل كان السادات وهو أول من سن تلك السنة السيئة “التطبيع” هو حقا بطل السلام أم أنه كان(…) ولا نريد أن نحكم على الرجل وهو في قبره ولكننا سنضع الحقائق أمامنا لتكون هي من تدين صاحبها، وتلك الحقائق تتمثل في حلمين مهمين قتلهما السادات في حكمه أما الحلم الأول فإنه منح الكيان الصهيوني اتفاقية السلام التي بموجبها تخلى عن حلم تحرير فلسطين ومنح الكيان الصهيوني اعتراف بهذا الكيان من أعظم دولة عربية “مصر” والتي كادت ان تجمع الأمة العربية لوحدة عربية في زمن ناصرها، والحلم الآخر هو تدمير مفاعل تموز العربي في العراق والذي كاد أن يكون منبرا علميا عربيا وربما يكون الشرارة الأولى لحرق ذاك الكيان، أما كيف فإنني أسرد لكم الحقائق من على لسان دبلوماسي مهم في الدولة المصرية آنذاك وهو السكرتير الأول في سفارة مصر في تل أبيب (د. رفعت الأنصاري) الذي تحدث في برنامجه الصندوق الأسود على منصة ” اليو يتوب ” عن واقعة لا تحتاج إلى دليل إدانة بل إنها حقا إدانة للسادات وهي ان “مناحيم بيغن ” رئيس وزراء الكيان الصهيوني رغب ان يكون اجتماع السادات ووفده الوزاري لإتمام صفقة التطبيع في شرم الشيخ وقد حدث واثناء الاجتماعات الوزارية وتوقيع تلك الاتفاقيات اصطحب ” بيغن ” السادات في جولة انفرادية على طائرة نوع هليكوبتر دون اصحاب احد من الوفدين ، وبعد ثلاثة ايام من تلك الحادثة دمر المفاعل العراقي فكانت اصابع الاتهام تؤشر نحو اتفاق بيغن مع السادات على عدم ممانعة الاخير في توجيه تلك الضربة الصهيونية للمفاعل النووي العربي في العراق وبذلك ضرب السادات حلمين عربيين في حجر الكيان الصهيوني واعتقد وهو الارجح بأن بيغن كان يخشى ممانعة السادات لهذه الخطوة والتي كانت “برأيه ” قد تنسف اتفاقية السلام بين مصر والكيان، وهذا ما كان يخشاه الكيان الصهيوني لذلك اخذ عدم ممانعة السادات لهذه الضربة لأنه كان يعتقد مصر السادات هي ذاتها مصر جمال الا انها حدثت الضربة ودمر المفاعل العربي ولم تهدد اتفاقية التطبيع الاولى التي بيعت فيها فلسطين وتمكنت الدوائر الإمبريالية من تحقيق النصر في بيع الارض المقدسة وتدمير حلم العرب النووي ، فمنح الشعب العربي اكبر جرعة تخدير وسمي الذل سلام “وكان الي كان”.
ولو حقيقي ان السادات كان لا يعلم ولم يخبره بيغن بموعد الضربة الجوية الصهيونية او على الاقل نيتهم بتدمير المفاعل العربي في العراق كان رد فعله ان تلغى الاتفاقية وتبدد فقراتها لأنها لا تساوي حلم العرب في امتلاكهم منصة العلم النووي فشتان ما بين خذلان يضيع فلسطين وعلم يهدد كيان مغتصبها .
أما رأيي في ما سمعت من السكرتير الأول للسفارة المصرية الاسبق في تل أبيب فلا أقول إلا كما يقول لسان حال العرب بصمت مر “من يطبع… يتطبع…”.