بعملية احصائية لعدد الانقلابات العسكرية في افريقيا يبدو عدد الانقلابات العسكرية مضاعفاً لعدد دولها ، إذا جرى نحو مائة إنقلاب عسكري في دول الاستقلال الوطني الافريقي خلال نصف القرن الماضي بل إن بعض دول القارة السمراء لم تعرف طريقاً لتغيير السلطة فيها سوى عبر الانقلاب ، وخلال عام 2021م وما بعدها شهدت القارة الافريقيه ربيعاً جديداً للانقلابات العسكرية ، إذ جرى خلالها ثمانية إنقلابات، كان اخرها انقلابي النيجر والجابون وقبلهما مالي وبوركينافاسو،وهذه الانقلابات لها ابعادها السياسية واالاقتصادية والاجتماعية الداخلية ولها ابعادها الخارجية، معظم هذه الانقلابات انحصرت في المستعمرات الفرنسية السابقة،والاسباب الداخلية لهذه الانقلابات هي الوضع الاجتماعي لسكان هذه الدول الذين يعانوا من الفقر المدقع بينما بلدانهم غنية بثروات هائلة تجعل اهلها يعيشوا في مصاف الشعوب المتقدمة،لكن سوء الادارة المتمثل في انظمة الوكلاء التي نصبتهم فرنسا بعد منح الاستقلال (الصوري) لهذه البلدان هو من اوصل هذه الشعوب الى هذا الحال،والانقلابات الجارية الان هي صحوة متأخرة لرفض الهيمنة الاوروبية على القارة الافريقية ،التي كان ومازال للثروات الافريقية دوراً رئيسياً في بناء الاقتصاد
الاوروبي،واعتماد كبرى الشركات الاوروبية على الخامات المعدنية وبعض مصادر الطاقة من القارة الافريقية.
وهذه الصحوة المتأخرة لم تكن مفاجئة او وليدة الصدفة،بل لها ارتباطاتها الخارجية وليست بمعزل عن صراعات الاقطاب الدولية التي تتنافس للسيطرة على ثروات القارة الافريقية،والتي تتمثل في ثلاثة محاور اساسية،فالمحور الصيني الروسي اصبح له تواجداً قوياً في هذه القارة واصبح ينمو ويتوسع وعلاقات التعاون بين الدول الافريقية مع الصين وروسيا شملت جميع المجالات ،وهذا التوسع والانتشار الصيني الروسي في القارة الافريقية اصبح ينمو ويتوسع مقابل انحسار دور الدول التي كانت تستعمر افريقيا وفي مقدمتها فرنسا.
ويتمثل المحور الثاني في الدور الامريكي الذي برز بقوة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي والذي ينطلق من اولوياته الاولى وهي الحد من توسع النفوذ الصيني الروسي المضطرد في هذه القارة وتحجيم دورهما من خلال استخدام ادواتها الفاعلة والمتمثل في الجماعات الدينية المتطرفة،وتوسيع نشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ومنظمة ،،بوكو حرام،، وداعش وحركة الشباب الصومالية،واستخدام كل هذه الجماعات بهدف خلق بيئة غير مستقرة تمنع الاستثمارات الصينية والروسية بدرجة رئيسية،بالاضافة لتحجيم الدور الفرنسي والحد من سيطرتها على مستعمراتها السابقة ،ومحاولة امريكا الاحلال محلها في العديد من الدول الافريقية،او على الاقل قبول فرنسا بمشاركة الولايات المتحدة الامريكية في كل مستعمراتها، بإعتبار فرنسا غير قادرة لوحدها على مواجهة التمدد الصيني الروسي في المناطق الافريقية الحيوية الغنية بالموارد والثروات الكبيرة،ومواقعها الاستراتيجية الجيوسياسية التي تمكن الطرف المسيطر عليها من التحكم بالقارة الافريقية بإكملها.
اما المحور الثالث ،فيتمثل في الاستعمار القديم -الجديد لافريقيا، فرنسا وبريطانيا وبعض الدول الاوربية الاخرى مثل هولندا وبلجيكا،حيث ان التنسيق الامريكي البريطاني قد جعل من المستعمرات البريطانية السابقة في افريقيا في حالة مستقرة نسبياً،وانحصر الصراع على المستعمرات الفرنسية ومستعمرات بعص الدول الاوروبية الاخرى، وليس امام فرنسا من طريق اخر ،غير القبول بمشاركة الولايات المتحدة الامريكية في المصالح في جميع مستعمراتها السابقة،فهي بالفعل غير قادرة على مواجهة الدور الصيني الروسي المتصاعد بمفردها في هذه القارة،وغير قادرة على منع الولايات المتحدة الامريكية من الاحلال محلها في بعض مستعمراتها السابقة التي لها مصالح حيوية فيها،وبالتالي فإن
حدة الصراع سوف تزداد بين هذه المحاور الثلاثة،لما للموارد الافريقية وللموقع الاستراتيجي لبعض الدول الافريقية من اهمية في تعزيز الاقتصاد العالمي وتعزيز دور من يسيطر على هذه الثروات الافريقية الهائلة،وهذا يعني ان حركة الانقلابات والاضطرابات في العديد من الدول الافريقية سوف تزداد بشكل ملحوظ ،وبالذات في شمال غرب افريقيا وغربها ووسطها وفي منطقة القرن الافريقي بما فيها الدول المطلة على البحر الاحمر من السودان حتى جيبوتي،ومن سواحل الصومال المطلة على المحيط الهندي حتى موزمبيق ومدغشقر .