أثار القرار الأخير لوزير الأشغال العامة والطرق المهندس سالم الحريزي والقاضي بتغيير رئيس مجلس إدارة صندوق صيانة الطرق والجسور المهندس معين الماس، والرفض الذي أبداه الأخير للقرار، وما تلى ذلك من سجال إعلامي كبير رافقه حديث عن قضايا فساد مهولة وغير معهودة – للرأي العام على الأقل – أثار كل ذلك العديد من علامات الاستفهام حول أداء صندوق صيانة الطرق والجسور (المثير للجدل)، ومدى قانونية الآلية التي تتبعها قيادة الصندوق في اختيار وتنفيذ المشاريع على امتداد البلاد في ضل حديث عن شراء ولاءات وفساد كبير يرافق كل مشاريعه، لا يبدأ عند آلية تحديد المشاريع مرورًا باختيار المناطق المستفيدة، وليس انتهاءً عند آلية التنفيذ وتشكيل لجان الافتتاح الرسمي لها.
ومع أن صندوق صيانة الطرق والجسور يتبع ماليًا وإداريًا لوزارة الأشغال العامة والطرق، إلا أن قيادة الصندوق ممثلةً بمعين الماس تسعى لأن تكون كيانًا مستقلًا، أو وزارة موازية لا تخضع إلا لتوجيهات مركزية من رئيس الحكومة، دونما التزام بالتسلسل الإداري أو هذا ما أوحت به تصريحات إعلامية لوزير الأشغال العامة والطرق.
وإذ أن القانون قد حدد بشكل واضح مهام الصندوق والجهة التي تشرف على أدائه، فإن النهج المتبع، والشكاوى التي تصلنا عن المشاريع المنفذة من قبل الصندوق مسنودة بالوثائق جعلنا نسلط الضوء على ما يجري في هذا الصندوق المثير للجدل من مخالفات مالية وإدارية باعتباره أحد أبرز الصناديق الاستثمارية في البلاد.
اتهامات متبادلة ونشر وثائق فساد
في رسالته الموجهة لرئيس مجلس الإدارة لصندوق صيانة الطرق والجسور معين الماس ، والتي تضمنت تجميد مهامه في إدارة الصندوق، أورد وزير الأشغال العامة والطرق المهندس سالم الحريزي العديد من المخالفات والفساد الذي ارتكبه الماس، تبدأ بمخالفات إدارية عديدة وتجاوز صلاحيات الوزير، وتنتهي عند مخالفات مالية صريحة، وأكد الوزير بأن هذه المخالفات والفساد سيتم الرفع بها للجهات الرقابية المختصة للبت بها.
بعد ذلك سرب مكتب الماس وثيقة موقعة من الوزير تقضي بصرف مليون ريال سعودي من الصندوق كمساعدة لأحد الأشخاص، ومدعين بأن الماس رفضها فكان ذلك سبب لإقالته، وهو ما اثار سخرية ناشطين على السوشيال ميديا، لاحقًا أكد المكتب الإعلامي للوزير بأن الوثيقة صحيحة مشيرًا إلى ان خطأً مطبعيًا جرى عند كتابة هذه الوثيقة ومؤكدًا على أنه جرى إلغاؤها في اليوم نفسه.
وفي مقابلة له مع قناة عدن المستقلة قبل يومين كشف الوزير الحريزي الكثير من مخالفات الماس، حيث أشار إلى عدم وجود آلية تنظم عمل الصندوق، واعتماد مبدأ الوساطة والعلاقات بدلًا عن الأولوية في اختيار الأماكن المستهدفة وتنفيذ المشاريع فيها، حيث قال: “لا توجد آلية محددة في اختيار المشاريع ومناطق تنفيذها، فممكن أي محافظ علاقته جيدة بالصندوق يرفع مذكرة ويلاقي مشروع وحتى مدير مديرية دون الرجوع للوزارة”.
وأشار إلى أن توجيهاته كوزير للأشغال العامة والطرق تلقى تعنتًا كبيرًا من إدارة صندوق الطرق ولا يتم تنفيذها “وتوضع في الدرج”.
وأكد الحريزي بأن صندوق صيانة الطرق والجسور هو المتحكم بمشاريع الوزارة وبشكل مستقل عنها. ولا يخضع لوزارة الأشغال ولا للوزير، مؤكدًا على ضرورة إعادة هيكلة الصندوق.
الصندوق بنظر القانون
تم إنشاء صندوق صيانة الطرق بموجب القرار الجمهوري رقم (22) لسنة 1995 والذي نص على أن” الصندوق يتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ويخضع بكافة تكويناته وأنشطته لإشراف وزير الأشغال العامة والطرق كما تنص المادة رقم (3) من اللائحة التنفيذية لقانون صندوق صيانة الطرق الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (448) لسنة 2008 وتحدد المادة ذاتها مهام الوزير بالتفصيل”.
ووفقًا لقرار الإنشاء فإن أموال الصندوق تعتبر أموالًا عامة تخضع للفحص والمراجعة من قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة المالية كما تنص المادة رقم (21) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (22) لسنة 1995.
تجاوزات وخروقات للقوانين واللوائح
وفقًا لقرار إنشاء الصندوق بموجب القرار الجمهوري رقم (22) لسنة 1995، وتعديلاته ولائحته التنفيذية الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (448) لسنة 2008، فإن القانون قد خول الوزير (وزير الأشغال العامة والطرق) بإعادة النظر بالقرارات الصادرة عن مجلس الإدارة باعتبار الوزير هو المشرف العام على الصندوق، وهو ما ورد في مذكرة وزير الأشغال العامة والطرق المؤرخة بـ 27 أغسطس 2023 – حصلت الصدارة سكاي على نسخة منها- القاضية بتجميد مهام رئيس مجلس إدارة الصندوق معين الماس، بسبب ما وصف بتجاوزه للصلاحيات والمهام المخولة له ومخالفة آلية عمل الصندوق بل ووصل الأمر حد إلغاء توقيع وزير الأشغال على الشيكات!.
كما ورد في مذكرة وزير الأشغال العامة والطرق السابق المؤرخة بـ 8- 5- 2021 القاضية بتجميد التعامل مع رئيس مجلس إدارة صندوق الطرق معين الماس بسبب مخالفته للقوانين وسرد الوزير في مذكرته سلسلة خروقات ومخالفات للقانون أبرزها:
– إيقاف حساب صندوق صيانة الطرق طرف البنك المركزي
– فتح حسابات في بنوك تجارية خاصة وتعريض المال العام للخطر.
-عدم الاعتراف بإشراف الوزير المباشر على الصندوق وفقًا للقانون وسحب مبالغ مالية بشيك مسحوب على بنك التضامن لايحمل توقيع الوزير.
-قيام إدارة الصندوق بتغيير الختم دون أسباب تذكر.
– عدم أداء المهام الموكلة بدقة وأمانة وارتكاب مخالفات بعدم احترام التسلسل الإداري في التواصل مع الجهات العليا.
معين ومعين .. تحالف الضرورة لتكريس الفساد
في اتصال ” للصدارة سكاي” بمصدر رفيع في صندوق صيانة الطرق والجسور، أكد بأن الصندوق وإدارته “لا يخضعان لأي رقابة من أي جهة حكومية، وأفاد المصدر بوجود لوبي فساد يحتمي به معين الماس ويقف على هرمه رئيس الحكومة معين عبدالملك والذي يستند إليه الماس مستفيدًا من الفساد والصفقات التي يبرمها الصندوق أثنا تنفيذ المشروعات المصحوبة بضجيج إعلامي مبالغ فيه” .
هذا الأمر كان واضحًا أكثر بسرعة نجدة رئيس الحكومة لمعين الماس وتوجيهه لوزير الأشغال العامة بوقف الإجراءات التي اتخذها الوزير بحق الماس.
أما الصحفي ماجد الداعري فقد كشف عن وجود وثائق صرف من صندوق صيانة الطرق قال أنه يشيب لها الولدان وتكشف حجم العبث والفساد الذي تنتهجه قيادة الصندوق.
ويرى الداعري: ” بأن الصراع المستميت على صندوق الطرق بطله الأول رئيس حكومة الشرعية معين عبدالملك الذي رفض تسليم وزارة الأشغال وإدارة الصندوق حتى وقد أصبح رئيس وزراء، ورفض التعامل إطلاقا مع رئيسه الجنوبي السابق بعدن سامي باهرمز رغم أنه معين هو أيضا من الرئيس هادي ولم يسلمه إلا لصديقه معين الماس الذي أقنعه يومها بترك رئاسة الصندوق بصنعاء والنزول لعدن لهذه المهمة وبحيث يكون بديلا عن باهرمز!
وأضاف الداعري : “ولأن الاخير ابن الأرض وصاحب قرار تعيين جمهوري أيضا وله أولوية رئاسة الصندوق فقد تمسك بعمله ورفض موظفي الصندوق السماح لمعين الماس بدخول مقر الصندوق بخور مكسر، الأمر الذي دفع بمعين ومعين إلى الاستيلاء العصابي على كل موارد الصندوق وتأسيس مقر (بلطجي) جديد له باستئجار مبنى في مدينة إنماء وتعليق أكبر لوحة تعريفية به على مستوى الجمهورية، لتستمر سيطرة معين ومعين على إدارة الصندوق وملياراته بعيدا عن أي تدخل أو إشراف إداري أو رقابي من أي جهة حكومية كانت.”
السمسرة … طريق الصندوق الأنسب لاختيار المقاولين
أفاد مصدر خاص بصندوق صيانة الطرق للصدارة سكاي طالبًا عدم الكشف عن اسمه بأن أعمال السمسرة تجري على قدمٍ وساق مع عدد من مقاولي القطاع الخاص الذين يتم إسناد المشاريع إليهم بناءً على النسب والصفقات المتفق عليها مع قيادة الصندوق التي كونت لوبي يقوم بإبرام هذه الصفقات ليستفيد منها أشخاص معينين على حساب المصلحة العامة وجودة تنفيذ المشاريع بعيدًا عن المواصفات الفنية المعمول بها وفقًا للاشتراطات والمعايير التي حددتها القوانين.
إبراز الصندوق وتغييب دور المؤسسة العامة للطرق
في وضع كهذا ومع ما يستند عليه الماس ويستقوي به في صراعه مع الوزير، والحد من صلاحيات الوزارة بدلًا عن الصندوق، يرى ناشطون بأن إدارة الصندوق قد بذلت جهود كبيرة لتغييب دور المؤسسة العامة للطرق التابعة للوزارة رغم ما تمتلكه من خبرات وكادر مؤهل، والتي يفترض أن تشرف على عمل الصندوق، ويكون جزء منها، ورغم أنها المخولة وفقًا للقانون بأعمال إنشاء وصيانة الطرق، إلا أن ما يجري برأي مراقبون هو تدمير لهذه المؤسسة وتغييب تام لدورها.
صرف عشرات السيارات كرشاوى ومحاباة
أفادت مصادر خاصة للصدارة سكاي أن هناك عشرات السيارات التي تم صرفها لعشرات الأشخاص داخل وخارج الصندوق أما رشاوى أو محاباة وكسب ولاءات شخصية، وقال أحد موظفي صندوق صيانة الطرق للصدارة سكاي أنه يتم اعتماد (سيارات) لجميع المشاريع بصورة غير مبررة إطلاقًا.
وتضيف المصادر بأن ذلك شكل مبتكر من أشكال الفساد وغسيل الأموال الذي تنتهجه قيادة الصندوق وتكون هذه السيارات ضمن العقود مع المقاولين، وفي نهاية المطاف يسلمها المقاول إلى خزينة الصندوق وبدلًا من أن يتم الحفاظ عليها باعتبارها أصول ذات قيمة مالية للصندوق يتم التصرف بها وتوزيعها رشاوى ومحاباة هنا وهناك وبحسب توجيهات قيادة الصندوق.
وطالب المصدر الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد بالنزول إلى مقر الصندوق الجديد في مدينة إنما وإجراء عمليات فحص ومراجعة مالية وإدارية ليكتشفوا الكم المهول من الفساد المستشري داخل الصندوق واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الصندوق والمال العام ووضع حد لهذا العبث خاصة إن الشعب يتضور جوعًا، بينما ثُلّة من الفاسدين يعيشون في ترف وبذخ غير مسبوق مستغلين غياب دور الأجهزة الرقابية وسلطات الدولة.
الخلاصة:
يرى مراقبون بأن تشبث رئيس مجلس إدارة الصندوق معين الماس بمنصبه، ورفضه لقرارات الوزير لم يكن ليأتي لولا الدعم اللامحمود الذي يتلقاه معين الماس من معين عبدالملك، وهو أمرٌ قد يتكرر في أكثر من مؤسسة حكومية، وقد ينتج بالضرورة تمردات تحمل أكثر من شعار طالما أصبح الولاء للرجل الأول في السلطة التنفيذية هو الملاذ الآمن للفاسدين للبقاء في مناصبهم وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان إحداث أي تغيير في منظومة الفساد أو كسر حلقاتها، وإذا لم يتدخل مجلس القيادة الرئاسي بصفته أعلى هرم للسلطة في البلاد لإعادة الأمور إلى نصابها ويتم تفعيل جهاز الرقابة والمحاسبة فإن العديد من المناصب في الأماكن الإيرادية سيتم الاستحواذ والتملك عليها كما لو كانت قطع أرض مسجلة بأسماء معينة.