هل نحن في زمن الرويبضة ؟ سؤال لطالما حيرني ومازال ، بل كم عبث في تفكيري ، وأجهد عقلي ، وأسهر خاطري ؛ إذ أنظر إلى كثير ممن يظنهم العامة والبسطاء نخبة القوم ، أو ممن يعتقدون أنهم كذلك ، فأحدق في هيئاتهم ، وأنعم البصر فيهم حتى يلامس أيقونة تفكيرهم ، ويبلغ شغاف قلوبهم ، لكنه سرعان مايعود إلي بائسا خائبا ، مؤكدا أن ليس لديهم شيء من البسطة في العلم أو الجسم ، ولايملكون شيئا من القوة المعنوية أو الحسية ، بل يعلمني يقينا أن أولئك إنما هم الرويبضة ، وهم السفهاء الذين لاعقل لهم ، ولا كياسة لديهم .
وهنا يأتي السؤال الكبير ؛ كيف سيستطيع هؤلاء السفهاء إدارة شؤون القوم ؟ بل كيف سيحسنون تدبير أمر الرعية ؟ والمصيبة العظمى أن هؤلاء السفهاء يعيشون في فضاء عميق من الغباء المستفحل ، والغبي عادة مايرى نفسه داهية القوم ، وبهذا التفكير الأحمق يتم تدمير المجتمعات والشعوب والأمم ، فهو الكائن البشري الأخطر على مجتمعه ، إذ تجده لايقبل النقد ، ولايؤمن بالتقييم ، ولايكلف نفسه الوقوف – ولو للحظة – أمام المرآه ؛ لينظر إلى أخطائه ، أو يقف على تقصيراته . وتكون المصيبة أعظم ، والخطر أكبر إذا امتلك ذلك السفيه المال ؛ لأن المال يمكنه من شراء جماعة ممن هم على شاكلته ، فيقتصر دوره على تقديم الفتات لهم ، ويقف دورهم عند التطبيل والتصفيق له ، وفي هذه الحال يصبح تفكير ذلك السفيه في تدبير شؤون الرعية يلتقي مع تفكير أنصاره من المعتوهين المطبلين ؛ بل يتبلور ذلك كله في بوتقة المثل القائل : عمياء تخضب مجنونة .
وما أصدق مقولة : رحم الله امرءا عرف قدر نفسه . فهل سيرحل عنا هذا الشقاء وتلك المكابدة والعناء ذات يوم ؟ لا أظن ذلك ؛ لأن الأمر ينذر بأننا نعيش زمن الرويبضة والإمعات ، هذا الزمن البغيض المنبوذ بكل صوره القاتمة ، أوليس كذلك ؟ أجل ، ولماذا لا ؟ ونحن نتجرع كاسات السفهاء ، وتطاول الأغبياء ، وتجبر اللقطاء ، يقتلنا الظمأ ، ويغمرنا الظلام ، ويخنقنا الفساد ، وتطبق علينا السنون الشداد ؛ نعيش المجاعة بصورها المرعبة : الغلاء الفاحش ، تدهور العملة الوطنية ، سرقة موارد البلاد ، انعدام الأمن وغياب الاستقرار ، التفريط في السيادة وهجرة الإرادة ، اختفاء العظماء ، ظهور الأغبياء والسفهاء ، لاتراحم بين العباد ، ولا مكان لكلمة الحق في البلاد ، أما أن تسلك النفاق ، أو أن تتقوقع على نفسك في أضيق رواق .
حقا إننا نحيا حياة قد ملأها الجشع ، وتملكها الطمع ؛ جراء تدبير رعاع القوم ، وإدارة سفهاء المجتمع .