الصــدارة سكــــاي: خاص
في يوليو 2022 أتي وزير الدفاع اليمني الفريق الركن /محسن محمد حسن الداعري ليتولى مهامه في وزراة الدفاع المثقلة بكم هائل من الملفات المعقدة والصعبة والتركة التي تراكمت في سنوات ما بعد الحرب.
ورغم أن لدى الرجل فائض من الخبرات العسكرية والإدارية، بالنظر إلى سجله العسكري، وهو ما يجعله الأكثر تأهيلًا لخوض هذه المهمة الصعبة، إلا أن قبول القرار كان بمثابة انتحار لا شك فيه بنظر مراقبين، فالمؤسسة العسكرية تعاني من تعدد الولاءات وغياب العمل المؤسسي فضلًا عن ما لحقها من تدمير وتمزيق في السنوات الماضية التي رافقت الحرب.
أشفق الكثير من القادة وأصحاب الخبرة على وضع الرجل من تعيينه في وزارة الدفاع بظرف كهذا، كون المهمة شبه مستحيلة، فالوزارة وضعها في الحضيض ومجلس القيادة الرئاسي نفسه يعاني من تعدد أطرافه ورؤية كل طرف فيه لوضع القوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي زاد الوضع تعقيدًا، بينما راهن آخرون ليس على حنكة وخبرة الرجل وحسب، وإنما على سجله العسكري والإداري النظيف، وحالة القبول التي يتمتع بها لدى كافة الأطراف، ليجعل ذلك قاعدة لتجاوز كل الصعاب، والبدء من الصفر في إعادة تأهيل الوزارة وفروعها ومؤسساتها، حيث رأوا بأن القرار من أساسه يمثل استحقاقًا لما يملك الرجل في خزينته العسكرية من الخبرة والحدس والسياسة والإدارة، وهو خير من يتولى المهام رغم صعوبته الكبيرة برأي مراقبين.
مرت سنة ومر معها بضعة أشهر على قرار تعيين الفريق الركن محسن الداعري وزيرًا للدفاع، وقد أجمع كل المحللين والخبراء في أن الوزير استطاع في هذه الفترة الوجيزة إحداث نقلة كبيرة وقفزة نوعية في وضع الوزارة ومعها وضع القوات المسلحة، واستطاع أيضًا بخبرته وحنكته تحقيق الكثير من الإنجازات جعلته محل حديث الداخل وتركيز واهتمام خارجي كبير.
الوزير الداعري .. الخبرات والكفاءات
بقرارٍ جمهوري رقم 17 للعام 2022 أتى الفريق الركن محسن الداعري إلى وزارة الدفاع محملًا بتاريخ حافل بالخبرات العسكرية العالية حيث شغل مناصب عدة ابتداءً من ركن عمليات في اللواء 22 مشاه ، ثم مدير إدارة غرفة العمليات الفرقة 1، وركن تدريب في لواء الدفاع الجوي في المنطقة العسكرية الشمالية الغربية 2000-2003 ، ثم رئيس أركان اللواء 35 مشاه ، رئيس عمليات الدفاع الجوي 2003 إلى 2010
ثم قائدًا للواء 22 مشاه بصعدة 2010 الى 2012 ، قائد اللواء 14م مستقل بمأرب، ومساعد لقائد العمليات المشتركة في القوات المسلحة ، وأخيرا ً وزيراً للدفاع في الحكومة اليمنية
ركن عمليات اللواء 22 مشاة في محافظة المهرة من 1985 حتى 1994، ومدير إدارة عمليات الفرقة الأولى مدرع، وركن تدريب لواء الدفاع الجوي بقيادة المنطقة العسكرية الشمالية الغربية لمدة ثلاثة أعوام حتى 2003، ورئيس عمليات لواء الدفاع الجوي من 2003 حتى 2010، وكذلك رئيس أركان اللواء 135 مشاة التابع للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية، وقائد اللواء 122 مشاة بصعدة حتى 2012، إضافة إلى توليه منصب قائد اللواء 14مدرع في مأرب من عام 2012، قبل تعيينه مساعدا لقائد العمليات المشتركة بالقوات المسلحة. وفي 28 يوليو 2022 تم تعيينه وزيرًا للدفاع.
كل هذه المناصب جعلته الأكثر تأهيلًا والأوفر حظًا لتولي المهمة، فضلًا عن الخبرات القتالية التي اكتسبها في الميدان، ولعل أبرزها حروب صعدة الستة من 2004 وحتى 2010 وكذا حرب صرواح التي قادها الفريق الداعري مع رفيق دربه الشهيد الشدادي الذي استشهد فيها الأخير برصاص جماعة الحوثي، أثناء مواجهتهم لها في عام 2016 وجرح فيها الأول بطلقة قناص حوثي في كتفه الأيمن كادت أن تودي بحياته وتم نقله مباشرة إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج.
أول مهام للوزير الداعري
في شهر أغسطس من العام2022 وبعد بضعة أيام على تعيين الوزير في منصبه، اندلعت أحداث شبوة، وانفجر الصراع فيها، فكلف رئيس المجلس الرئاسي د. رشاد العليمي الفريق محسن الداعري وزميله إبراهيم حيدان ليكونا على رأس لجنة المصالحة لفض الخلاف أو التمرد الذي حدث في شبوة بين القوات الأمنية ، قوات دفاع شبوة، والقوات الخاصة، وكان هذا أول اختبار للرجل في موقعه الجديد.
تحدث الداعري عن تلك الأحداث حينها، فكشف الرجل عن ملكات أخرى يتمتع بها، وهي كيفية حل المشاكل ما جعله محط حديث المحللين حيث أكد في حديثه رفضه المطلق للتمرد على القرارات من قبل أيٍ كان كما رفض فكرة اللجوء إلى السلاح لفرض الخيارات والآراء وهي جهود جنبت الانزلاق لما هو أكبر حينها.
مثلت أحداث شبوة انطلاقة لروح الوزير الداعري العملية، كأول عمل ينجح به في مهامه الجديد في فترة لا تتجاوز أسبوع من فترة تعينه بمنصب وزير الدفاع في الحكومة اليمنية .
هيئة عمليات مشتركة.. رؤية الوزير للانطلاقة
بعد تعيين الوزير بدت أي محاولات لتقريب وجهات النظر حول دمج القوات وإعادة تأهيل القوات المسلحة، وإيجاد نوع من التعاون بين مكونات المجلس الرئاسي في الشق العسكري مستحيلة؛ لكن الوزير الداعري وفق متابعين استطاع أن يكسر هذا الجمود، ويحدث اختراقًا نسبيًا فيه، فكان صريحًا في استراتيجيته في هذا الموضوع منذ البداية، وحاول على ما يبدو التعامل مع الواقع بعقلانية، قال الوزير علنًا في مقابلة صحفية، أنه لن يكون هناك شيء اسمه دمج للقوات، وإنما ستكون هناك غرفة عمليات مشتركة، تدير وتنسق العمليات العسكرية في كل الجبهات، وبين مختلف القوات، وتوحد الجهود المشتركة لمواجهة مليشيات الحوثي، وتصويب المعركة نحو هدف واحد.
برر الوزير الداعري، رؤيته الجديدة، بالقول أنه من الصعب أن تأتي بجندي من الضالع ليقاتل في الساحل الغربي، بينما الحوثيون على بعد أمتار من منزله، يتحينون الفرصة المناسبة لاجتياح منطقته، كما يصعب أن تأتي بمقاتل من تعز ليقاتل في كرش أو الضالع بينما قريته تتعرض للقصف من الحوثيين.
مراقبون اعتبروا رؤية الوزير بأنها أكثر ما يمكن فعله، على الأقل في الوقت الحالي، وأن هذه الاستراتيجية جاءت لتبدد مخاوف الكثيرين من موضوع الدمج، واقنعت آخرين متحمسين له، وكانوا يرون فيه ضرورة لا تقبل أي نقاش أو آراء، ما انتجت في النهاية توافق بحده المقبول داخل مجلس القيادةالرئاسي، وفي الأوساط السياسية اليمنيه خارج المجلس، كأقصى ما يمكن فعله والوصول إليه من توافق.
أنجز الوزير ما وعد به، وفي التاسع عشر من شهر أكتوبر من العام الجاري، دشن وزير الدفاع اليمني محسن الداعري عمل هيئة العمليات المشتركة، وقال الوزير الداعري حينها أن القيادات العسكرية أمام مهام وطنية كبيرة لبناء المؤسسة العسكرية من خلال نقل التجارب والخبرات للشباب في الميدان وتكثيف برامج التدريب والتأهيل في المعاهد والكليات العسكرية ومراكز التدريب. وتم استئناف الكليات العسكرية والعمل على تجهيزات هندسية ومواقع محصنة.
الجبهات وانتظام صرف المرتبات أولى معارك الوزير
مُنذ فترة تعينه كرس الوزير الداعري اهتمامه بالجبهات وإعادة تقييم الاستراتيجيات الجارية، بما يضمن الاهتمام بالمقاتل وتوفير له ما يلزم، لتحقيق التفوق على المليشيات، وجعل من هذا الأمر وانتظام صرف المرتبات معركته الشخصية، فحرص على التنقل بين الجبهات للاطلاع عن قرب عليها وعلى ما يجري فيها، فتنقل من كرش إلى ثرة إلى مأرب وتعز والساحل الغربي، ومع أن المرتبات كانت تمثل معضلة للمقاتل حيث كان بالكاد يحصل على ثلاثة أو أربعة مرتبات في السنة، لكن الإشكال تم حله، وانتظمت مرتبات الجيش في المناطق المحررة بالكامل وتسليمها بشكل شهري ومستمر لأول مرة وهو أمر لا يمكن إغفال جهود الوزير لإنجازه برأي مراقبين.
إعادة تفعيل الدوائر وتأهيل الكليات والمستشفيات العسكرية
منذ اليوم الأول لتعيينه حرص الوزير على إعادة تفعيل مؤسسات الوزارة بكل جوانبها ومنها أكبر مستشفى عسكري ” مستشفى باصهيب ” الذي كان شبه مهجور في الفترة السابقة وتزويده بالمعدات والخدمات الطبية وكذا فتح أقسام جديدة كانت غير موجودة من قبل، ليعود للمستشفى ألقه ودوره الريادي والتاريخي في الاهتمام بأفراد القوات المسلحة، وفي غضون عام تخلص الرجل من مهمته في إعادة الهيبة للمستشفى العسكري وجعله مقرًا طبي متكامل بأقسامه ومعداته.
ومنذ تقلد الوزير الداعري مهامه كان إعادة وبناء وتفعيل الكليات العسكرية واحدة من اهتماماته بعد الخراب الذي خلفته مليشيات الحوثي الإرهابية بالكليات والمعاهد العسكرية وفي يوليو 2023 افتتح الوزير الداعري الكلية العسكرية في العاصمة عدن وتدشينه العام الدارسي للدفعة 52 كلية حربية وفتح أجنحة للجوية والبحرية بعد توقف دام طويلًا، وشعاره لكل الدارسين في الكلية من كل المحافظات اليمنية ” إن ّ الكتلة العسكرية غير قابلة للتمزيق والتشتيت ” وفي هذا يعني المضي صوب توحيد المؤسسة العسكرية والإتكاء على قواعدها الصلبة وبناءها الأساسية .
كما عمل الوزير الداعري على إعادة تفعيل دوائر وزارة الدفاع بعدما كانت متناثرة المهام والأمكنة، حيث وجه بنقل كافة دوائر وزارة الدفاع للعمل من العاصمة عدن، وهو الأمر الذي أسهم برأي مراقبين إلى إعادة روح الهيبة والأهمية للوزارة، وجعلها محط إشراف الوزير شخصيًا.
وفي ذات السياق قام الوزير بتشكيل لجنة لتقويم وتصويب عمل المنافذ، وهو ما رآه مراقبون خطوة جريئة للحد من التهريب الذي لطالما عانت منه البلاد وكان مصدر إقلاق للبلدان المجاورة.
قبول خارجي وإجماع داخلي