في الوقت الذي كانت أنظار العالم منصبة صوب الحرب الإسرائيلية على غزة، برزت هناك تطورات أخرى على علاقة بها وباحتمالية توسعها في أكثر من جبهة، لكن الأبرز الملفت هو ما أحدثته الهجمات الحوثية ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وفي حين رحبت بعض الفصائل الفلسطينية بالهجمات الحوثية، واعتبرتها فزعة عروبية وإسلامية مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لشتى أنواع الإجرام من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن مراقبين يرون بأن تلك الهجمات عديمة الجدوى وغير ذي تأثير حقيقي على مصالح الكيان بقدر ما هي ضرر على مصر من خلال تضرر شريان حياتها “قناة السويس”.
ويشكك مراقبون في مدى قدرة الحوثيين على شل الحركة التجارية لإسرائيل كونها أبعد من أن تمتلك القدرات العسكرية والاستخباراتية التي تمكنها من اكتشاف واستهداف كل السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى إسرائيل، وإن تمكنت من تحديد واستهداف بعضها.
وفي وقت سابق من شهر نوفمبر الفائت أعلنت شركة الشحن البحري الإسرائيلية “زيم”، تحويل سفنها عن قناة السويس المصرية، بدعوى الأوضاع في بحر العرب والبحر الأحمر.
ويعني ذلك، أن حركة الملاحة للشركة ستنتقل عبر قناة السويس ومنها إلى البحر المتوسط ثم مضيق جبل طارق، ومنها جنوبا عبر المحيط الأطلسي، مرورا برأس الرجاء الصالح، جنوبي جنوب إفريقيا، ومنها إلى آسيا.
وأعلنت جماعة الحوثي في أكثر من مناسبة، أن خطواتها على البحر الأحمر ومضيق باب المندب تأتي نصرة لفلسطين وقطاع غزة، ورهنت تعليق هجماتها ضد سفن إسرائيلية، بإنهاء الحرب على القطاع.
وتترقب شركات الملاحة البحرية العالمية، أية تطورات في حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، في وقت أظهرت بيانات لشركات الشحن، ارتفاعاً في تكلفة تأمين السفن العابرة للقناة، بسبب التطورات الأمنية على مضيق باب المندب.
ويرى خبراء عسكريون بأن هذه الهجمات في الوقت الذي استجلبت فيه حشود عسكرية غربية ضخمة، في إطار الصراع بين القوى العظمى، تحت مبرر حماية حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فقد وفرت المبرر الكافي لحضور بحري إسرائيلي حيث حشدت إسرائيل قواتها البحرية على امتداد البحر الأحمر وعلى مقربة من خليج عدن، بشكل علني لأول مرة.
ويستبعد خبراء ومحللون أن تكون لدى الجماعة الحوثية استقلالية امتلاك قرار التصعيد البحري دون أن يكون لإيران يد في ذلك، ويؤكدون بأن الحوثيين يعتمدون بشكل كلي على المعلومات القادمة من طهران لاستهداف هذه السفينة أو تلك في إطار سياسة الشد والجذب بينها وبين الغرب.
أرقام:
لا توجد إحصائيات محايدة دقيقة عن عدد الاستهدافات الحوثية للسفن في البحر الأحمر غير أن الجماعة أعلنت عن استهدافات عديدة للسفن، وتمكنت من تغيير مسار سفنتين على الأقل فيما نجحت في استهداف عدد من السفن بصواريخ وطائرات مسيرة وفشلت في استهداف أخرى. في 19 نوفمبر الماضي اختطف الحوثيون سفينة غالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، وفي 24 نوفمبر هاجم الحوثيون بطائرة مسيرة سفينة حاويات مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي وتحمل علم مالطا. وبعدها بيوم أُجبرت سفينة شحن مملوكة لشركة إسرائيلية وترفع علم مالطا، على تغيير مسارها. كما قام الحوثيون بنفس اليوم بالاستيلاء على سفينة مملوكة لشركة زودياك ماريتايم المرتبطة بإسرائيل. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان الأحد قبل الماضي، أن “سفينة حربية أمريكية وعددا من السفن التجارية تعرضت لهجوم في البحر الأحمر
وفي الفترة الممتدة بين 27 نوفمبر و 13 ديسمبر تعرضت ثمان سفن وناقلات نفط كانت متجهة إلى إسرائيل، لهجوم بالصواريخ البالستية والطيران المسير، توزعت الأعلام التي تحملها بين الولايات المتحدة ومالطا وليبيريا والنرويج وباهاماس وبنما وجزر المارشال.
وكان أحدث هجوم تشنه المليشيات الحوثية، هو ما أعلنته الجماعة يوم أمس الجمعة عن تنفيذها هجومًا على سفينة شحن سويسرية في باب المندب، وكانت قبلها أعلنت أنها نفذت عملية عسكرية بطائرة مسيرة على سفينة شحن تابعة لشركة ميرسك كانت متجهة إلى إسرائيل، وأصابتها بشكل مباشر، بدورها، أكدت شركة الشحن الدنماركية المالكة سلامة الطاقم والسفينة.
حدود تأثير الهجمات الحوثية
وفي الوقت الذي تتزايد فيه هذه الهجمات، تبرز هناك علامات استفهام كثيرة، عن مدى القدرات الاستخباراتية للمليشيات الحوثية التي تمكنها من تحديد هوية السفن الإسرائيلية التي تحمل علامات دول أخرى، أو المتجهة إلى إسرائيل في بحر يعج بحركة ملاحة هائلة من وإلى دول العالم المختلفة، والجهات التي تعتمد عليها المليشيات الحوثية، في تزويدها بهذه المعلومات.
ويبرز السؤال الأهم عن مدى الضرر الذي تسببه هذه الهجمات بالكيان الإسرائيلي، ومقدرتها على فرض معادلة صراع جديدة أو التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي.
وإذ يرى المحلل السياسي والعسكري العقيد/ مقبل ناجي الجحافي، بأن الهجمات الحوثية على إيلات ومناطق في فلسطين المحتلة، لا تؤثر كثيرًا في إسرائيل، فإنه يرى بخصوص الاستهانة بقدرات الحوثي على تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، مجافي للواقع، حيث يرى بأن لديهم القدرة الكاملة على تعطيل الملاحة بالبحر الأحمر. ويشير المهندس مقبل في تصريح “للصدارة سكاي” بأن الهدف من الهجمات على السفن الاسرائيلية في البحر الأحمر، ليست اسرائيل، بل تعطيل الملاحة الدولية، وهذه هي المهمة المناطة بهم من قبل المحور الذي تتزعمه إيران.
ويضيف: “الهدف من الهجمات الحوثية معروف، هو تعطيل عمل الناقلات النفطية والتجارية بهدف زيادة اسعار النفط، وزيادة تكاليف التأمين على نقل البضائع وعلى السفن الغربية بشكل عام، وهذا يؤدي الى ضرر كبير في مصالح الشركات الغربية وفي المقدمة منها الشركات الامريكية، وهذه الشركات سيكون لها دور في الضغط على امريكا بإعتبارها القائد الفعلي لهذه الحرب، بتهدئة الأوضاع وإيقاف الحرب ومنع توسعتها وانتشارها”.
لكن السياسي الجنوبي خالد سلمان يرى بأن الهجمات الحوثية “لم تحقق شيء لغزة بل جلبت الأساطيل إلى قبالة بلد محترب مع نفسه حد الإنهاك”.
وأضاف في تغريدة له على منصة إكس”مالا يستطيع الحوثي أن يفهمه ، أن أساس كل الحروب العالمية، وإعادة رسم الخرائط السياسية للدول وتغيير نُظمها ، هو إقتصادي ، وبالتالي فإن هذا الحوثي مجرد قشة أمام المصالح الدولية ، ومهما كانت ألآعيبه الصبيانيه سيُكنس”.
وعلق خالد سلمان على استهداف الحوثيين سفينة شحن سويسرية في باب المندب بالقول: “هذا اليمن لم يعد يحتمل كل هذا الجنون ، وكأن الحوثي يحرق الزمن ويستدعي كل أسباب حتفه”.
قناة السويس هل تأثرت بتوترات البحر الأحمر؟
بينما كانت تقديرات تتوقع تضرر حركة الملاحة في قناة السويس، جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما تبعها من تدخل جماعة الحوثي اليمنية التي أربكت مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، إلا أن الأرقام جاءت عكس ذلك. في 25 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، قالت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية إن للتطورات الأمنية في مضيق باب المندب تأثيرات على حركة الملاحة العابرة للبحر الأحمر وبالتالي قناة السويس المصرية.
في حين أن بيانات مصرية رسمية صدرت الخميس الماضي، كشفت عن أرقام قياسية جديدة على صعيد أعداد السفن والحمولات الصافية والعائدات المحققة خلال نوفمبر الماضي.
وبحسب بيانات صادرة عن الهيئة العامة لقناة السويس، سجلت القناة عبور 2264 سفينة من الاتجاهين في نوفمبر الماضي، مقابل عبور 2171 سفينة خلال ذات الشهر من العام الماضي، بنسبة زيادة 4.3 بالمئة. كما بلغ إجمالي الحمولات الصافية 135.5 مليون طن مقابل 125.2 مليون طن خلال نوفمبر من العام الماضي بفارق 10.3 مليون طن بنسبة زيادة قدرها 8.2 بالمئة. في المقابل، نمت عائدات قناة السويس خلال نوفمبر الماضي، بنسبة 20.3 بالمئة، إلى 854.7 مليون دولار مقابل 710.3 ملايين دولار خلال نوفمبر 2022.
وقناة السويس التي تعتبر من أهم القنوات والمضائق حول العالم، هي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتعد من المصادر الرئيسية للعملة الصعبة لمصر. وفي يونيو/ حزيران الماضي، قال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، إن القناة حققت في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2023، إيرادات بقيمة 9.4 مليارات دولار، بزيادة 35 بالمئة عن السنة المالية الماضية.
وتبدأ السنة المالية في مصر مطلع يوليو/تموز حتى نهاية يونيو/حزيران من العام التالي.
مخاوف من “عسكرة” البحر الأحمر
تقول الولايات المتحدة وإسرائيل أنهما تأخذان التهديدات الحوثية على محمل الجد، فقد ذكرت تقارير إعلامية أن إسرائيل طلبت من عدة دول، بينها بريطانيا واليابان، تشكيل قوة عمليات خاصة لتأمين الممرات الملاحية في البحر الأحمر، وذلك بالتزامن مع تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بأن واشنطن تبحث حاليا إنشاء قوة لحماية الملاحة بالبحر الأحمر، متهما إيران بدعمها للهجمات التي شنها الحوثيون.
لم يحدد سوليفان ماهية تلك القوة بالضبط، ولكنه أشار إلى أنه سيتم التعاون مع “دول أخرى والسفن التابعة لتلك الدول من أجل توفير مستوى أعلى من الأمن عبر البحر الأحمر”.
ويرى مراقبون بأن عمل تلك القوة سيكون مماثلا لعملية “الرغبة الجادة” في ثمانينات القرن الماضي، “حيث كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يرافقون ناقلات النفط لدى مرورها في مياه الخليج العربي خلال الحرب العراقية-الإيرانية بعد تعرض بعض الناقلات للهجوم من قبل إيران.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تقاسم الأعباء، فكافة الدول ينبغي أن تتحمل جزءا من عبء الحفاظ على الأمن في البحر الأحمر، لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تصاب [بحريتها] بالإنهاك”.
ردود أفعال محلية:
أدانت بعض القوى السياسية في اليمن ما تقوم به مليشيات الحوثي، لكن الموقف الأبرز كان من المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي اعتبر أن ما تقوم به مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، تعد قرصنة ولا يمكن أن تفيد الشعب الفلسطيني بشيء.
وقال المجلس الانتقالي الجنوبي في بيان صادر عنه، بأن هذا السلوك الذي وصفه بالإرهابي يهدد بشكل مباشر أمننا الغذائي وينذر بمضاعفة الأزمة الإقتصادية والإنسانية التي تعيشها بلادنا و يهدد الملاحة الدولية وخطوط التجارة في باب المندب وخليج عدن والبحر الاحمر. وأكد المجلس استعداده الدائم للعمل على تأمين مسار الملاحة الدولية وردع السلوك الارهابي الحوثي، وذلك من خلال رفع جاهزية القوات البحرية الجنوبية والعمل على تطويرها، بالشراكة مع دول التحالف العربي والشركاء الإقليميين والدوليين.