مع حلول موعد سريان تصنيف مليشيا الحوثي كجماعة إرهابية من قبل الإدارة الأمريكية، تتزايد التوقعات بتأثير هذا التصنيف على عملية السلام في اليمن.
خلال الأسابيع القليلة الماضية حاولت أمريكا إعطاء الحوثيين فرصة لمراجعة موقفهم من التصعيد العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن، لكنهم رفضوا ذلك. ورغم استجابة وفدهم المفاوض بالذهاب إلى الرياض -مؤخرا- ضمن مساعي المملكة العربية السعودية لإنعاش عملية التسوية السياسية، إلا أن رئيس الوفد الحوثي أصر على فصل استهداف جماعته لسفن الشحن البحري عن مسار مفاوضات السلام. فهل ستدعم أمريكا وحلفاؤها الدوليون والإقليميون استمرار جهود السلام في اليمن بعد سريان هذا التصنيف؟
يبدأ سريان تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية دولية من يوم الجمعة 16 فبراير الجاري، ومن الواضح أن جهود السعودية في دعوة الوفد الحوثي إلى الرياض مطلع الأسبوع الجاري، تأتي ضمن محاولة الفرصة الأخيرة.
ويرى كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة “نافانتي” الاستشارية الأميركية محمد الباشا أنه “من غير المرجّح أن يدعم المجتمع الدولي خطة السلام في اليمن بسبب مخاوف من أن تشكل نوعًا من مكافأة للحوثيين على هجماتهم في البحر الأحمر”. فعلى العكس من ذلك، تسعى الدول الغربية إلى معاقبة الحوثيين مع إدراجهم من قبل الولايات المتحدة على لائحتها “للكيانات الإرهابية”، وفرضها ولندن عقوبات على مسؤولين في صفوفهم، بدون أن يفضي ذلك إلى تغيير في سلوك الحوثيين. وقال الباشا: إن مفاوضات السلام كانت قد توصلت لـ”رؤى لحلحلة الأزمة، لا سيما بعد المفاوضات بين الرياض وصنعاء، والتوافق على خارطة طريق لحل أزمة اليمن”.
لكن يبدو الوضع في غاية التعقيد بالنسبة للولايات المتحدة. ويوضح مدير قسم شؤون شبه الجزيرة العربية في معهد الشرق الأوسط، جيرالد فايرستاين الذي كان سفيرًا أميركيًا سابقًا في اليمن، خلال لقاء عبر الإنترنت نظّمه المعهد، أنه “إضافةً إلى رغبتها في عدم التصعيد، فهي تتعرض أيضًا لضغوط كبرى كي لا تفعل أي شيء من شأنه أن يقوض مفاوضات” السلام، مشيرًا إلى أن ذلك “يأتي خصوصا من السعوديين والأمم المتحدة”.
ويقول فايرستاين: “أظن أن فكرة بناء القوات المناهضة للحوثيين إلى مستوى يمكّنها من تجديد القتال، ببساطة غير واردة”، بالنسبة لواشنطن.
تشعب مسار السلام
تربط أمريكا وبريطانيا تصعيدها ضد المليشيا الحوثية بإيقاف الأخيرة هجماتها على السفن المرتبطة بهما وبإسرائيل في خطوط الملاحة البحرية قبالة اليمن، بينما تستمر مطالبة مجلس القيادة الرئاسي للمجتمع الدولي بالقضاء على قدرات الحوثيين العسكرية كون هذا الأمر هو الذي يضمن استمرار ونجاح جهود إحلال السلام في البلاد.
وفي تصريحات متكررة خلال الأسابيع الماضية، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، إن الحل يتمثل في القضاء على قدرات الحوثيين العسكرية، والشراكة مع الحكومة الشرعية للسيطرة على المناطق واستعادة مؤسسات الدولة.
وترى هانا بورتر، الباحثة في “إيه. آر. كيه”، وهي مؤسسة دولية تعنى بالتنمية والأبحاث، أنه لا يزال من غير الواضح كيف ومتى ستتوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. ومن غير المرجح أن تؤدي الضربات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إضعاف قدرات الحوثيين بما يكفي لوقف هذه الهجمات بشكل كامل.
وعن كيفية قدرة اليمنيين على تجاوز أزمة البحر الأحمر والتركيز على خريطة الطريق الأممية للسلام، في الوقت الذي يلوّح فيه الغرب بأن عمليات البحر (تهدد) السلام، يقول إبراهيم جلال الباحث بمعهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إن أزمة البحر الأحمر أعادت الهواجس الأمنية والعسكرية إلى الواجهة على الصعيد الدولي؛ الأمر الذي يتطلب من الحوثيين إرسال رسائل تطمينية تجاه الحكومة والشعب اليمني والمجتمع الدولي عبر إجراءات بناء ثقة مرتبطة بالخريطة وسلك مسار خفض التصعيد. ويضيف إبراهيم جلال، إن محاولة خلط الأوراق أو عزل أزمة البحر الأحمر عن عملية السلام في اليمن تارة وعن ديناميكيات المنطقة تارة أخرى، لا تستوعب أبعاد التصعيد وتداعياته على المدى الطويل.
والأحد، أفادت تقارير إعلامية عن مصادر يمنية قالت إن الحوثيين رفضوا مقابلة مبعوث الأمم المتحدة مؤخرا في سلطنة عُمان واضطر حينها الذهاب إلى طهران التي تسعى لربط الملف اليمني بملفات أخرى بالمنطقة، في إشارة إلى الزيارة الأخيرة للمبعوث الأممي هانس جروندبرج إلى طهران في يناير الماضي.
وفي حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، قال رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي، إن التوترات الراهنة في البحر الأحمر قد أثرت كليا على مسار التسوية السياسية في البلاد. ونوّه المذحجي إلى تأثير التوترات على مسار التفاوض بين السعودية وجماعة الحوثي في ضوء محاولة التوصل إلى تسوية سلام في الداخل اليمني، مشيرا إلى أن سلوك الحوثي قد ينسف كافة المنجزات الماضية في هذا الملف.
تكثيف المحاولات قبل سريان التصنيف
خلال الشهر الذي حددته الإدارة الأمريكية قبل بدء سريان تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، قام مسؤولون غربيون وإقليميون بمحاولات مكثفة بهدف الضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر. ومن هذه المحاولات زيارة المبعوث الأميركي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ إلى المنطقة، والذي قال في تسجيل مصور الثلاثاء، إن جهودا دبلوماسية جارية لمحاولة الحد من نشاط مسلحي حركة الحوثي في اليمن، حتى تتوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وأشار ضمن هذه الجهود، إلى المحادثات التي أجراها في عُمان مؤخرا وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، ونائب وزير الخارجية النرويجي، بالإضافة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ.
رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية في العاصمة واشنطن، عبد الصمد الفقيه، قال إن الحوثيين “قد يكونون راضين عما وصلت إليه الأمور من تعقيد، لأنهم قد يريدون الاستمرار في ممارسات العنف بما يخدم مصالحهم، وركوب موجة ما يحصل في غزة لكسب الشعبية في المنطقة، رغم أن ما تقوم به إسرائيل في غزة لا يقل فظاعة عما يقوم به الحوثي في اليمن”، منوها بأن “ممارسات الحوثيين غير محسوبة على الإطلاق”.
وقالت نائبة مدير “برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” في مركز “تشاتام هاوس”، سنام وكيل، في تصريحات صحفية منتصف الأسبوع الجاري، إن “التفاوض مع جماعة إرهابية سيكون بشكل واضح صعبًا، حتى بالنسبة للرياض”.
كما تعتقد مديرة كلية غورتن في جامعة كامبريدج، إليزابيث كيندال، أنه “سيكون من الصعب بالنسبة للأمم المتحدة مواصلة جهود الوساطة مع جماعة مصنفة إرهابية، من دون الحديث عن دمجها في صيغة لتقاسم السلطة”، بحسب ما قالت لوكالة فرانس برس التي أشارت أيضا إلى أن المفاوضات المتقطعة التي يجريها منذ أشهر الحوثيون مع السعودية، الراغبة في الانسحاب من النزاع في اليمن، قد تتأثر أيضا بهذا التصنيف.