… حكاية فرقة الاسماعيلية النزارية المعروفة باسم الحشاشين
شخصية غريبة تضاربت حولها الروايات التاريخية حتى نسجت بشأنها الأساطير؛ لكن الثابت أنها كانت ذات تأثير بالغ فى القرنين الخامس والسادس الهجرىين فى قلب العالم القديم.
الحسن الصباح
ولد الحسن الصباح فى بلاد فارس عام 430 هج-1037 م. ترك الصباح مذهبه الشيعى الإثنا عشرى فى باكورة شبابه ليعتنق المذهب الإسماعيلى (الفاطمى) على يد أحد دعاته. وقد زار بعد ذلك مصر وعاش فيها حوالى عامين حيث التقى بكبار علماء الإسماعيلية وأقطابها ثم رحل عنها بعد خلاف مع وزيرها الفاطمى بدر الجمالى ليدعو للمستنصر فى الشام والعراق. تنقل الصباح بعدها بين قرى العراق وبلاد فارس فى عصر السلاجقة, وتروى قصص غير مؤكدة تاريخيا عن لقائه بالوزير السلجوقى نظام الملك. باشر الصباح دعوته السرية لسنوات خارج المدن بين المزارعين والبدو, واستمال كثيرا من الأتباع حتى اكتشف أمره فتعقبه الوزير السلجوقى.
آلموت. عش النسر
هرب الصباح نحو الشمال باحثا عن مكان آمن يتخذه مستقرا حتى عثر على قلعة قديمة فى شمال إيران جنوب بحر قزوين تقع على قمة جبلية يزيد ارتفاعها على ألفى متر عن سطح البحر. كانت القلعة من بناء أحد ملوك الديلم القدماء على الأرجح, وتتميز بمنعتها وصعوبة الوصول اليها. إنها قلعة (آلموت) الشهيرة والتى تعنى بالفارسية عش النسر حيث استقر الصباح فيها بالفعل عام 483 هجرية, ولم يغادرها طيلة 35 عاما حتى وفاته. ومنها كون هو وأتباعه دولة تشمل سلسلة من القلاع والحصون والقرى الجبلية المتفرقة تمتد من شمال إيران حتى سورية.
انشقاق الحسن الصباح عن الفاطميين
انقلب الوزير الأفضل بن بدر الجمالى على ولى العهد الفاطمى نزار بن الخليفة المستنصر ليولي مكانه الابن الاصغر المستعلى، الذى كان فى الوقت نفسه ابنَ أخت الوزير. انقسمت الدعو الاسماعيلية من حينها إلى شرقية نزارية تؤمن بإمامة نزار, وغربية مستعلية تقر بإمامة المستعلى, ودب بين الفريقين خلاف كبير.
اغتيالات أتباع الصباح
حافظ الحسن الصباح على ولائه لنزار الوريث الشرعى للمستنصر الذى كان قد مات فى سجنه بالاسكندرية, وروج أتباعه أنه حى لم يمت وأنه غاب كغيبة المهدى المنتظر وسيعود, كما راجت نظرية أخرى مفادها أن أتباع الصباح استقدموا أفرادا من سلالة نزار إلى القلعة للحفاظ على نسله الذى منه الإمام الشرعى فى معتقدهم. واشتهرت منهم فرق فدائية هاجم أفرادها أعداء دعوة الصباح من الحكام المسلمين من مختلف المذاهب, كما هاجموا أمراء الصليبيين وكان أتباع الصباح على عداء عميق مع مختلف الدول فى المنطقة آنذاك كالسلاجقة فى بغداد, والأيوبيين فى الشام, والصليبيين فى إمارات ساحل المتوسط.
الحشاشين وصلاح الدين
نفذ أتباع الصباح عمليات لا تحصى من الاغتيالات المروعة ضد وزراء وقواد وعلماء فى أقطار مختلفة وقد حاولوا اغتيال صلاح الدين فى إحدى المرات, واغتالوا الوزير نظام الملك عماد دولة السلاجقة الذى اشتهر باهتمامه بالعلم والعلماء وإنشاء المدارس وغيرها من منشآت العمران.
وشاع الرعب من اغتيالاتهم البشعة التى برعوا فى التمويه عليها حتى كان أحدهم يدخل فى حراسة أحد القادة لسنوات إلى أن يصدر له الأمر بتصفيته فلا يتردد.
دولة الغموض والأسرار
كان الحسن ماهرا فى علوم الفلسفة والفلك إلى جانب علوم الفرقة الإسماعيلية وكانت له ولا شك قدرات تنظيمية عالية أدار بها إماراته وسط دول قوية راسخة, ويبدو أن الصباح انتهج أسلوب الاغتيالات ضد خصومه لعجزه عن المواجهات العسكرية المنظمة. أما عن طاعة أتباعه المطلقة فتتضارب التفسيرات التى يصعب ترجيح أحدها لأن الفرقة كلها اعتمدت منهج الكتمان أسلوبا فشحت المصادر التاريخية القاطعة. ولعل أهم ما أدى بالأمر إلى مزيد من الغموض تخريب المغول لقلعة آلموت لاحقا عام 654 هجرية بما فيها من مكتبات ووثائق.
مصطلح (الحشاشين)
لفت إقدام فتية حسن الصباح على الموت برضا وجسارة نظر الجميع حتى راجت أسطورة مفادها أن غلمان الباطنية -كما سماهم أهل السنة- يقدمون على القتل وهم غائبون عن الوعى مخدرين, وانتشرت قصصٌ مفادها أن الصباح أمير الجبل يقدم لهم الحشيش فيذهب وعيهم ثم يدخلهم إلى حدائق وارفة فيتوهمون أنه أدخلهم الجنة فإذا عادوا إلى وعيهم صاروا طوع أمره ولو ضحوا بحياتهم.
الحشاشين Assassin
من هنا ظهرت كلمة (الحشاشين) وصفا لهم, ورغم أنه ليست ثمة مصادر إسلامية معاصرة لفترة الصباح تعتمد هذه التسمية إلا أنها راجت لاحقا خاصة فى سورية على عهد خلفاء الصباح. شاعت التسمية وانتقلت عبر الصليبيين إلى أوروبا, ونطقت الكلمة (Assassin) وظلت تستعمل فى اللغات الأوروبية حتى اليوم بمعنى القاتل.