الشرعية اليمنية القائمة على إعتراف المجتمع الدولي بدرجة رئيسية ورعاية ودعم التحالف العربي لها؛ والتي صنفت قبل أشهر قليلة الحركة الحوثية كمنظمة إرهابية؛ وطالبت من المجتمع الدولي وبغباء مثير للسخرية أن يتعامل معها على أساس قرارها هذا؛ والذي لم يكن في تقديرنا سوى فرقعة إعلامية أكثر منه فعلاً ملموساً على الأرض.
فمجريات الأمور وتطورات الأحداث المتلاحقة وبعناوينها السياسية والدبلوماسية والعسكرية المختلفة؛ والمتعلقة بوضع الحرب والأزمة في اليمن قد ذهبت بعيدا عن ذلك القرار وأصبحت الشرعية في وضع لا يحسد عليه؛ بل أن قرارها هذا ربما قد كان تغطية لطبيعة موقفها الحقيقي من ( شرعية ) وسلطة الأمر الواقع القائم على التفاهم والإذعان والقبول بشروط حكام صنعاء مرة تلو أخرى؛ حتى وإن حاولت إخفاء ذلك بالتصريحات والتشدد اللفظي في بياناتها.
فقد أصبحت الحوارات المباشرة مع قيادات حوثية من قبل جهات رسمية سعودية معروفة وغيرها من الأطراف الإقليمية والدولية؛ بل أن التواصل مازال مستمراً بين السعودية والحركة الحوثية وقد أثمر عن تفاهمات عديدة حسب تصريحات إعلامية كثيرة؛ بل والخوض في آليات وعناوين الإتفاق فيما بينهما بشأن التسوية وبالتشاور والتناغم مع مواقف أطراف أخرى؛ وغير ذلك مما قد تم الإعلان عنه عمداً وعبر أكثر من وسيلة.
ولأن الأمور قد وصلت إلى هذا المستوى؛ فإن موقف الشرعية قد أصبح يتقلص يوماً بعد آخر ويجعلها الحلقة الأضعف في إطار عملية التسوية المرتقبة؛ وتتحول مع الأسف إلى مجرد ( كومبارس هزيل ) وتابع ذليل لمن بيدهم القرار الفعلي ( إقليمياً ودولياً )؛ ومع ذلك فهي تتقبل كل ذلك صاغرة لأن الأهم بالنسبة لها أن تبقى ( ممثلة شرعية لدولة اليمن المختطفة ) ولن تعترض على إرغامها بإلغاء قرارها هذا أو إتخاذ قرارات وتدابير جديدة بشأن التعامل مع حكام صنعاء؛ مضافاً لذلك ما سبقه من عجز فاضح والمتمثل بعدم قدرتها على إيقاف إيرادات مؤسسات الدولة في الجنوب التي تذهب لخزينة سلطة صنعاء الإنقلابية.
وكل ذلك يصب في مصلحة صنعاء ويقوي موقفها ومنسجماً مع قناعات ورغبة أطراف عدة في الشرعية لها تخادمها وصلاتها وتنسيقها مع الحوثة؛ وأقصى ما قد تطلبه هو السمح لها بإستمرار تصرفها بثروات الشعب وموارده والعبث بها وكما تريد ودون مساءلة أو محاسبة وعلى حساب الجنوب وشعبه بالدرجة الأولى؛ فقد وصلت معاناته إلى درجة لا تحتمل إطلاقاً.
لهذا لا نستغرب من مفاجئات قادمة ستكون الشرعية جسراً لها وبأسمها؛ وستكون كارثية مهما حملت من عناوين أو تغييرات شكلية مؤقتة وخادعة؛ وهو ما يتطلب من القوى الجنوبية المختلفة وفي مقدمتها المجلس الإنتقالي الجنوبي الحذر والتصدي لأي مشاريع تسوية منقوصة؛ أو لا تلبي مطلب شعب الجنوب العادل وحقه الشرعي في إستعادة دولته وسيادته على أرضه؛ ولن يتم كل ذلك مالم يكن ممثلي الجنوب مشاركون فعليون في كل خطوة تتعلق بعملية التسوية المنتظرة؛ وعدم القبول بأية ضغوطات قد تجبرهم على إتخاذ أي إجراء يتناقض مع إرادة شعبهم وقضيته الوطنية؛ ونحن على ثقة تماماً بأنهم عند مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية الملقاة على عاتقهم ولن يكون شعبهم إلا معهم في كل ذلك.
ومن جانب أخر فإن نهوض الناس الموحد والمنظم للدفاع عن حقهم ومستقبلهم أصبح أمراً ضرورياً وحاسماً لوضع حد ونهاية لهذا الإستهتار بمصير الجنوبيين والتنكر لتضحياتهم العظيمة؛ والذي تجاوز كل الحدود وبالطرق والوسائل المشروعة والمتاحة وهي كثيرة ومتنوعة؛ فلم يعد هناك متسعا من الوقت لتلقي المزيد من موجات الوجع والألم؛ فقد أصبحت الحياة جحيماً لا يطاق وفي كل مناحي الحياة؛ ولا مفر من خوض معركة الدفاع عن الحق والحياة الكريمة لشعبنا الجنوبي العظيم.