إنه ذلك الفارس الأبيني الأصيل، ابن المدرسة العسكرية الجنوبية المتميزة.
عند ما التحق العميد الأسير فيصل رجب بالكلية العسكرية في صلاح الدين بعدن ليتخرج منها بعد سنتين برتبة ملازم ثاني، لم يكن يحلم بفلَّةٍ فخمة ورصيدٍ بنكيٍ كبير وأسهمَ ضخمةٍ في شركات التجارة والاستثمار، ولا حتى بأن يغدو قائداً عسكرياً برتبةٍ رفيعةٍ ومخصصاتٍ وعلاواتٍ ماليةٍ لا حصر لها، لأنه لم يتعلم ذلك في الكلية العسكرية.
في الكلية إياها علموهم أن افتداء الوطن بالروح والدم هو الشرف العسكري الأكبر.
علموهم أن العسكرية هي الانتماء والفداء ونكران الذات من أجل الشعب والوطن.
علموهم أن العسكرية هي شرف وعزة وكرامة والتصاق دائم بهموم ومعاناة الشعب، والدفاع عن مصالح الكادحين ومقاومة الظلم واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
علموهم أن الشرف العسكري يتعارض مع سلوك التعالي والتكبر والغرور والعنجهية والفوضى والعجرفة والعنصرية والفساد والإفساد.
ولم يعلموهم كيف ينهبون المخصصات ويبيعون تغذية الجنود والضباط، ولا كيف يتعالون على الأصغر منهم ولو كان عالماً، وينصاعون للأكبر ولو كان جاهلا، ولم يقولوا لهم انصاعوا للشيخ ونفذوا أوامره ولو كان عاصيا، كما لم يلقنوهم كيف يحتجزون البريء، لأنه ليس شيخا ويبرؤون المجرم لأنه شيخٌ أو ابن شيخ.
كان العميد الأسير فيصل والآلاف من الضباط والجنود الجنوبيين يؤمنون بهذه المبادئ حد التقديس.
تلك هي القيم والأخلاقيات التي تشربها جيل فيصل وكل الأجيال العسكرية الجنوبية، وكانت هي السبب في قيام جيشٍ مهنيٍ محترفٍ وفيٍّ للوطن، مطهرٍ من عيوب الفساد، التحلل والانحطاط القيمي والأخلاقي، يتماسك كتماسك حجارة البنيان لا تتباعد ولا تنفصل عن بعضها أبداً.
اليوم فيصل رجب يدفع ضريبة هذا الإيمان وهذا الموقف وذلك الصمود.
واليوم ينتظر أبناء أبين وكل أبناء الجنوب سرعة الإفراج عن هذا البطل الجنوبي على أحر من الجمر، وسيعود إلى بيته وأهله وذويه ورفاقه ومحبيه.
وقد كان المفترض أن يفرج عنه منذ أسبوعين، مع زميليه اللواء محمود الصبيحي واللواء ناصر منصور هادي وبقية المفرج عنهم، لكن سياسة الابتزاز التي تمارسها جماعة الحوثي هي من تسبب في تأخير الإفراج عنه، رغم وجود اسمه ضمن قائمة المفرج عنهم منذ أسبوعين.
إن أسوأ ما في قضية الأسر والأسرى أن تستغل للتسويق والمزايدات السياسية من قبل بعض المرضى النفسيين لا لشيء إلا لغرض المماحكة وحب الظهور وكسب ود المجرمين وتسويقهم كسرب من طيور الجنة.
ومع كل التقدير للجهود الفردية والقبلية لبعض أبناء أبين في سبيل الإفراج عن الأسير فيصل رجب فإن الجماعة الحوثية لن تفرج عنه ولا عن أي أسير أو مختطف لا بالواسطة القبلية ولا بالتودد والتملق مع هذه الجماعة العنصرية السلالية، بل بقوة الاتفاقات والمواثيق الموقع بينهما وبين الطرف الممثل للأسرى الجنوبيين لرعاية وإشراف المنظمات الدولية، ومن منطق الأحقية والمشروعية.
فالحرية هي الحق المشروع الوحيد الذي لا يقبل المساومة والمجاملة.
ولو كانت الجماعة العنصرية كريمة كما يقول بعض المتنطعين، لأظهرت كرمها في اليوم الأول ولما احتجزت واختطفت واغتصبت وغيبت وقتلت الآلاف من أبناء وبنات الجنوب والشمال على السواء.
الحرية لفيصل رجب ولجميع الأسرى والمختطفين.
{وقلْ جاء الحقُّ وزهقَ الباطلُ إنًّ الباطلَ كان زهوقاً}