لا يثق مُرشّح المُعارضة التركي التوافقي كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المُعارض ومن خلفه تحالفه السّداسي، بنزاهة العمليّة الانتخابيّة، وهذه مخاوف يجري الحديث عنها علناً، ضمن تصريحات صريحة عبّر فيها كليتشدار أوغلو صراحةً عن عدم ثقته بأجهزة الدولة، ومخاوف تتعلّق بتزوير الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة من قبل الهيئة العُليا للانتخابات التي تتبع بحُكم السيطرة على مفاصل الدولة للحزب الحاكم “العدالة والتنمية”.
لا تأتي مخاوف المُعارضة التركيّة من التزوير من العدم، فأكثر من 15 استطلاع مُؤخّرًا رصدتهم “رأي اليوم” في تقارير سابقة أظهرت تقدّم كمال كليتشدار أوغلو على مُنافسه الرئيس الحالي رجب طيّب أردوغان، وبنسب لافتة، كما أن الحزب الحاكم وزعيمه أردوغان أقر بأنه يخوض انتخابات وجوديّة، وصعبة، يُضاف إلى مبرّرات مخاوف التزوير، بأن الهيئة العُليا للانتخابات، رفضت استخدام الحبر في بطاقات الاقتراع منعاً للتزوير، ما أثار تساؤلات حول الرفض، هذا عدا رفض تقديم وزراء أردوغان استقالاتهم وفق ما يقتضي قانوناً قبل ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات، وها هُم الأتراك على بُعد أكثر من أسبوعين بقليل (14 أيّار/ مايو)، ولا يزال وزراء أردوغان يتمتّعون بالحصانة، ما يشي بالكثير حول النتائج، ومن هو الفائز.
ad
الهيئة العُليا للانتخابات أيضاً اتّخذت قرارًا يضع علامات استفهام حوله، بحرمان حزب الشعب الجمهوري المُعارض، وهو حزب المُرشّح كمال كليتشدار أوغلو الذي يتزعّمه المُنافس الأبرز لأردوغان بحرمانه من وجود مندوبين عنه بأكثر من 700 صندوق، هذا إلى جانب 600 صندوق آخر سيجري اتخاذ ذات القرار معها، وهو قرار برّرته الهيئة المذكورة، بأن قوائم المندوبين عن الحزب وصلت عن الموعد المُحدّد للتسليم بخمس دقائق كاملة، وهُنا تتعزّز مخاوف المّعارضة من التزوير.
وسائل الإعلام تخضع بشكل أو بآخر لسيطرة الحكومة الحزب الحاكم، وفي ذلك الخُصوص أحزاب المُعارضة وفقاً لصحف تركيّة مُعارضة، قلقة للغاية من أن العمليّة الانتخابيّة لن تتم في ظل ظروف عادلة، خاصّةً بسبب الموارد المُتاحة والتغطية المُوالية للحُكومة من وسائل الإعلام العامّة، ما يعني أن الانتخابات تفتقر هُنا لتغطية إعلام مُحايدة.
التزوير على الضفّة المُقابلة غير وارد، وغير مطروح، بالرغم أن الحزب الحاكم يتحدّث عن رغبة أمريكيّة في التدخّل للإطاحة بأردوغان عبر مؤامرة الانتخابات بعد تجربة الانقلابات الفاشلة، والإتيان “بزيلينسكي تركيا”، ولكن وفقاً للإعلام الرسمي كما يقول تضع السلطات التركية آليّة أمنيّة واسعة النطاق لتأمين الانتخابات الرئاسيّة، والبرلمانيّة، وستُشرف الهيئة العُليا للانتخابات (YSK)، أعلى هيئة انتخابيّة في البلاد، على العمليّة الديمقراطيّة الضّخمة حتى فرز التصويت النهائي وتحديد الفائزين، وهذه الهيئة يُشكّك مرشح المُعارضة بنزاهتها، ولا يثق بها كونها أحد أجهزة الدولة أو النظام الحالي.
لا بد من اللجوء إذًا إلى منظمات عالميّة مُحايدة، للإشراف على الانتخابات، وهو ما يجري فعليّاً في كل انتخابات كما يقول الحزب الحاكم، وسيُشرف على الانتخابات مُمثّلون عن الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE)، و10 من الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط (PAM)، و5 من برلمان منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود (PABSEC)، والجمعية البرلمانية للبلدان الناطقة بالتركية (TURKPA) ومنظمة الدول التركية، وهؤلاء وفقاً لحكومة الرئيس أردوغان، مُراقبون مُحايدون كانوا وسيكونوا خلال الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة والمحليّة السابقة والمُقبلة.
لا بد من الإشارة، بأن المُنظّمات التي يُدلّل بها الرئيس أردوغان على نزاهة الانتخابات في بلاده تأتي بناءً على دعوة حكومة الرئيس رجب طيّب أردوغان، وفقاً لتقليد بدأ في عام 2002، وهؤلاء الذين راقبوا وسيُراقبون الانتخابات قالوا وفقاً للإعلام الرسمي التركي بأن جميع الانتخابات التي أجريت في تركيا مُنذ عام 2002 كانت شفّافة وحرّة ونزيهة وفقاً للمعايير الدوليّة.
ولكن في المُقابل مثلاً قال فرانك شواب رئيس بعثة مُراقبة الانتخابات في الجمعيّة البرلمانيّة لمجلس أوروبا، إن هناك العديد من القضايا التي تُثير قلقًا كبيرًا لهم في هذه الانتخابات والوضع في تركيا، وفي تقييمه الذي كان طرحه قبل شهر واحد من الانتخابات، أعرب شواب عن القلق بشكل خاص بشأن مستوى الديمقراطيّة، وحريّة الإعلام والتعبير، وحريّة التجمّع، وهذا يتقاطع لعلّه مع مخاوف المُعارضة المطروحة.
ومنعاً لمخاوف للتزوير المطروحة من قبل المُعارضة التركيّة، ثمّة تساؤلات مطروحة حول سبب عدم السّماح للمُرشّحين المُنافسين لأردوغان الثلاثة، دعوة منظمات من جهتهم تُراقب هي الأخرى “نزاهة” الانتخابات، لأن عدم الاعتراف بالنتيجة حال إعلان أردوغان رئيساً، تعني احتماليّة صِدام، ومُواجهة مفتوحة.
المناطق التي تعرّضت للزلزال المُدمّر الأخير، هذه مناطق تُثير الجدل حولها، وهي أحد أحد أكبر التحدّيات التي تُواجهها الهيئة العُليا للانتخابات، أوّلاً في ضمان مُشاركة الناخبين في 11 مقاطعة دُمّرت في زلزال 6 فبراير/شباط في العمليّة الانتخابيّة، وثانياً مدى نزاهة ودقّة تلك العمليّة، مع احتمال نقل صناديق الاقتراع، والرقابة عليها.
السّؤال العريض كيف ستتصرّف المُعارضة التركيّة مع كل هذه المخاوف، مع إصرارها على التمسّك والثقة بالفوز، الإجابة بقرارها نشر 500 ألف شخص لمُراقبة عمليّات التصويت الأكثر أهميّةً في الانتخابات التي تشهدها البلاد، وقال أوجوز كان ساليجي نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري للصحفيين في إسطنبول، “نحشد ما يصل إلى نصف مليون شخص في 50 ألف مركز اقتراع، تضم 192 ألف صندوق اقتراع عبر تركيا”، مضيفا أن من بين هؤلاء الأشخاص محامين ومتطوعين، ساليجي أشار أيضاً إلى أن التحالف سوف يُشارك بياناته من صناديق الاقتراع بشكل مُنفصل، ومع كل هذه الإجراءات التي ستلجأ لها المُعارضة عبر (تحالف الأمّة)، جدّد ساليجي مخاوف المُعارضة، إن هُناك “مخاوف جادّة” بشأن سلامة الانتخابات بما في ذلك مشاكل فنية مُحتملة خلال التصويت أو الفرز في يوم الانتخابات.
بكُل الأحوال، هي معركة انتخابيّة شرسة سيخوضها الحزب الحاكم بكُل أدواته، وستُدافع المُعارضة عن فوزها بأسنانها، والحياد والشفافيّة تحتاج فيها إلى مرجعيّة موثوقة لكُلّ الأطراف، وفوز أردوغان مشهد يُعزّز زعامته، وخسارته مشهد آخر تماماً يبدو أنه ينتظره كثيرون.