منذ اللقاء الأول الذي تم في بكين في 10مارس الماضي بين مستشار الأمن القومي السعودي مساعد محمد العيبان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الادميرال علي شمخاني،والذي تم الاتفاق فيه على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وأحياء بعض الاتفاقيات الثنائية بين الجانبين ،تواصلت الاتصالات الثنائية بين الجانبين ،حيث تم التواصل هاتفياً بين وزيري خارجية البلدين لثلاث مرات على الأقل ،وتوجت كل تلك التحركات والاتصالات بلقاء وزيري خارجية البلدين في بكين يوم (6)ابريل الحالي،اعقب هذا اللقاء تحركات دبلوماسية عربية نشطة ومكثفة،حيث قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة لسوريا وتركيا ،قابل خلالها الرئيس السوري بشار الاسد والرئس التركي اردوغان وقام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بزيارة للمملكة العربية السعودية،وهي اول زيارة له للمملكة منذ أكثر من إحدى عشر عاماً واول زيارة للوزير السوري منذ توليه منصبه، أعقب ذلك لقاء جدة بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم في مصر والعراق والأردن ،تلى ذلك زيارة وزير خارجية سوريا للجزائر وتونس ،ثم زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان لسوريا ومقابلته للرئيس السوري بشار الاسد،بالاضافة لزيارة رئيس دولة الإمارات العربية سمو الشيخ محمد بن زايد لمصر ولقائة بالرئيس السيسي،وزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للمملكة السعودية ولقائة بولي العهد السعودي ،سمو الأمير محمد بن سلمان ،مع تبادل الوفود الفنية بين طهران والرياض لتفقد مقر سفارتي البلدين استعداداً لإعادة سفيري البلدين وإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما،ويوم أمس الأول أجرى وزير الخارجية الإيراني مباحثات في بيروت مع نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب،تركزت حول تعزيز العلاقات الثنائية والتوافق بين اللبنانيين لإنهاء الشغور الرئاسي ،واليوم يواصل الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد زيارته لطهران ،حيث التقى يوم امس مع المرشد الإيراني علي خامنئي،واجرى مباحثات مع نظيرة الايراني ابراهيم رئيسي تركزت حول تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها ،ومواصلة العراق لدوره في تقريب وجهات النظر بين إيران والدول العربية، كل هذه التحركات الدبلوماسية النشطة والمكثفةوالمعلنة التي اشرنا إليها كانت خلال شهر ابريل الحالي،بالاضافة للعديد من الاتصالات واللقاءات الغير معلنة في المجالات الأمنية والإعلامية وغيرها، غداً سوف تستضيف المملكة الأردنية الهاشمية ،وزراء خارجية مصر وسوريا والسعودية والعراق،لمزيد من التشاور حول القضايا الإقليمية واستكمالاً لما تم بحثه في لقاء جدة بين قبل اسبوعين ،فهل هذه التحركات الدبلوماسية الجاريةبين العرب وإيران وبين الدول العربية نفسها والتحركات الأخرى للدول الكبرى الفاعلة،التي تدعو للتقارب مع سوريا وإعادة عضويتها إلى الجامعة العربية،مع الدعوات لتهدئة الأوضاع الداخلية في لبنان ،والمحاولات الجادة لإيقاف الحرب في اليمن،واستمرار الدور النشط للوساطة العمانية،ورغبة السعودية بإنهاء حرب اليمن التي طال أمدها وإغلاق هذا الملف الذي أصبح يؤرق حكام المملكة بشكل خاص. فماهي الأسباب الحقيقية لكل تلك التحركات ؟ وماهو دور الصين وروسيا في هذه التحركات ؟ قبل الخوض في معرفة الأسباب الحقيقية لكل ذلك ،علينا أن نوضح بعض النقاط الأساسية 1-ان السياسة الخارجية لإيران في المنطقة ثابتة ولم تتغير،سوى كان ذلك مع حلفائها في المنطقة أو مع دول الجوار أو مع الدول الكبرى، كما أن سياسة حلفاء إيران تجاه دول المنطقة ايضاً لم تتغير. 2- مواصلة روسيا والصين لنفس السياسة مع ايران ،وتم توقيع اتفاقيات ومعاهدات استراتيجية مع ايران كحليف أساسي للدولتين،وحافظا على نفس العلاقات الجيدة مع دول الخليج وفي مقدمتها الامارات والسعودية،ولم يكن تحسن العلاقات مع دول الخليج على حساب العلاقة مع ايران،رغم زيادة التوتر بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من جهة ثانية. 3-ان الاستدارة التي تمت كانت من قبل الدول العربية الحليفة لأمريكا ،او مايسمى بدول الاعتدال العربي ،فهي من ذهبت العاصمة الإيرانية ،والى عواصم حلفاء إيران في المنطقة. 4-ان الاستدارة العربية تجاه إيران وحلفائها كانت بقيادة المملكة العربية السعودية،ولولا التغيير في الموقف السعودي تجاه طهران ودمشق،لأستمرت الأوضاع في المنطقةكما هي عليه سابقاً. فهل هذه الاستدارة العربية التي تقودها المملكة العربية السعودية تجاه إيران وحلفائها،استدارة مستدامة تؤسس لسلام دائم وشامل في المنطقة وتؤسس لقيام نظام عربي جديد؟! ،ام استدارة مؤقته نتيجة لظروف موضوعية طرأت على سياسية الدول الكبرى تجاه المنطقة والعالم ؟!! أن الإجابة المنطقية والصحيحة توكد أن الاستدارة السعودية تجاه إيران وحلفائها استدارة موقته ومن المستحيل أن تكون استدارة مستدامة توسس لسلام شامل مع ايران للأسباب التالية: اولاً-حجم الاشتباك في المنطقة ومدته الزمنية بين السعودية وإيران كبير وعميق جداً،حول جميع ملفات المنطقة ابتدائاً بالملف البحريني مروراً بملفات العراق وسوريا ولبنان وانتهائاً بالملف اليمني،ووجهة نظر الطرفين ،السعودي والايراني حول كيفية حلول هذه الملفات متعاكسة تماماً وليس هناك أي نقاط التقاء،بالاضافة لحجم التدخلات في الشؤون الداخلية التي يدعي كل طرف ضد الطرف الآخر،تحت حجة الدفاع عن المسلمين السنة ،او المسلمين الشيعة لدى الطرفين. ثانياـ التأسيس لقيام نظام عربي جديد، كلام سابق الآونة ،فالعلاقات العربية- العربية،لازالت في أدنى مستوياتها،وحرب تفتيت دول المنطقة لازالت مستمرة ،ومايجري في السودان نموذجاً لذلك. ثالثاً: محاولات اسرائيل الجادة لضرب ايران عسكرياً وجر امريكا والغرب معها لحرب كبرى في المنطقة بسبب التقدم الكبير في البرنامج النووي الايراني،جعل من السعودية وبعض دول الخليج التهدئة المؤقته مع ايران لتجنب تحويل ارضي بلدانهم لساحة حرب تحرق الاخضر واليابس،واحتمالات نشوب هذه الحرب لازالت قوية وتزداد يوماً بعد يوم رابعاً: خلافات السعودية مع أمريكا ،خلافات مؤقته ومنحصرة بين ولي العهد السعودي وبين الإدارة الديمقراطية الحالية في البيت الأبيض ،وبالتالي فإن استدارة السعودية تجاه إيران مؤقته،وفي انتظار نتائج الانتخابات الأمريكيةالقادمة خلال شهر نوفمير2024م. خامساً: سعي السعودية لتعزيز بعض العلاقات مع الصين وروسيا،حتى لاتجعل من إيران رأس الحربة في المنطقة والحليف الوحيد للقطب الصيني الروسي القادم بقوة . سادساً:حرب اوكرانيا واستمرارها ،وماسينتج عنها من تطورات دولية كبيرة،بإعتبارها الفيصل في تحديد وتقرير مصيره القطبية الأحادية من عدمها سابعاً: الحرب الأوكرانية والحروب التي سبقتها في منطقة الشرق الأوسط ،والتي لازالت مستمرة ،جميعها تعتبر حروب من أجل السيطرة على مصادر الطاقة وممراتها البحرية والبرية،وهدف امريكا من إشعال حرب اوكرانيا هو قطع الامدادات الروسية من نفط وغاز ومصادر الطاقة الاخرى عن أوروبا،واستبدالها بمصادر الطاقة الخليجية والعربية التي أصبحت تحت سيطرة الشركات الأمريكية،وبالتالي فإن تسليم منطقة الخليج للصين اوروسيا لازال من ضمن الخطوط الحمراء الأمريكية ،ولايمكن لأمريكا وبريطانيا أن تسلما منطقة نفوذ خاضعة لهما منذ أكثر من خمسة وثمانين عاماً بهذه السهولة،بل ستخوضا صراعاً مستميتاً للدفاع عن هذه المصالح. وهناك أسباب أخرى عديدة،منها ضعف السياسية الأمريكية في المنطقة ،فلم تعد حليفاً موثوقاً يعتمد عليه في الدفاع عن اصدقائه وحلفائه،وفقدان قبضته عن مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتوالروسي الصيني الذي يقف بالمرصاد لاي محاولة أمريكية التفرد بالقرار الدولي،وارتفاع سقف الدين العام الأمريكي ،وانهيار بعض البنوك،وربما ستنهار بنوك أمريكية وأوروبية أخرى ،وحجم الإضرابات والمظاهرات في أوروبا التي تدعوا للخروج من العبائة الأمريكية،والنظر لاولوية المصالح الأوربية،وهذا يعني أن العالم قادم على متغيرات كبرى،ويجب التهدئة ولو مؤقتاً ومراقبة كل هذه المتغيرات والى أين ستصل بالعالم. تحياتي لكم عقيد /ركن م.مقبل ناجي مسعد 30ابريل 2023م