تعاظم صراعات الأجنحة في صنعاء.. كيف يبدو وضع ميلشيات الحوثي ؟؟ كيف تبدو علاقة الميليشيات بنظام إيران الملالي؟ وهل جماعة الحوثي مستعدة للمضي في سلام شامل؟ (تقرير)
يبدو أن القبضة الحديدية التي تحكمها ميليشيات الحوثي على صنعاء ومحافظات وسط وغرب اليمن لم تكن كافية للإيحاء للرأي العام بأنها تمسك بزمام الأمور، فما تعيشه صنعاء من حال غير مسبوقة من عدم الاستقرار والتوتر والخلافات بين (قناديل الميليشيات) أنفسهم هي بداية ارتخاء تلك القبضة وفق مراقبين.
الأزمات الاقتصادية لاسيما اقتصاد “السوق السوداء” التي يديرها مشرفي الجماعة _ وتدرّ عليهم أموالًا طائلة _ فتحت شراهة كبار المشرفين الحوثيين وباتت تترسخ وتتشكل مصالح ونفوذ لم يكن في حسبانهم، وهو ما ينذر باندلاع جولات من الصراع.
هذا الصراع بالتأكيد لن يقتصر على صراع المصالح الاقتصادية اليومية فقط، بل يشمل جوانب النفوذ والأجندات المتصادمة بين عدد من رموز وأجنحة الميليشيات التي بعضها يصنف بأنه أكثر قربًا من دوائر الحرس الثوري الإيراني.
التي أثرت على كافة مناحي الحياة فيها، وقلبت ساحتها السياسية رأسا على عقب، وفجرت بداخلها أزمة ثقة كبيرة انعكست سلبًا على مكانة الميليشيات المهزوزة بين قبائل (الهضبة)، والمناطق الوسطى التي كانت تدعمها وساندتها في حربها.
الاحتقانات بين أذرع الميليشيات العسكرية
يرى محللون بأن الأجنحة المتنافسة على السلطة والنفوذ تسعى لتحقيق المزيد من المكاسب على هذا الصعيد.
يُعدّ محمد على الحوثي رئيس مايسمى “باللجان الثورية” أبرز المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني ويتصرف بناء على تنسيق مع الحرس الثوري، حيث يظهر ذلك جليًا في التعبير عن مواقف الجماعة بتشدد واضحٍ يحمل نبرة تصعيدية تجنح للحرب أكثر من جنوحها للسلام، فبالنسبة لجماعة الحوثي تعد الحرب خيارًا جيدًا لتسويق نفسها وتغليف مشروعها بصبغة دينية تمكنها من بث السموم الطائفية وأدلجة أكبر عدد من الأطفال والشباب للزج بهم في سبيل فرض مشروعها السلالي.
ويبدو أن (هاشميي صعدة) وفق مراقبين قد تمادوا في تهميش الهاشميين من خارج صعدة مهد العمق الطائفي للجماعة التي تضفي شيئًا من القداسة على من تسميهم (قادة المسيرة القرآنية، وأعلام الهدى).
لقد بات واضحًا حال الانقسام السياسي والتصدع المجتمعي في مناطق سيطرة الميليشيات رغم التعتيم الإعلامي والبطش الذي تجابه به الميليشيات الحوثية النشطاء، والصحفيين مثل أكرم الوليدي،وعبدالخالق عمران، وحارث حميد، وتوفيق المنصوري وجميعهم محكوم عليهم بالإعدام من قبل السلطات القضائية الحوثية، وكل من حاول أن ينقل صورة للوضع هناك، أو يقترب من التصريح أو لمجرد التلميح بشأن الممارسات بحق المواطنين، والنشطاء وأساتذة الجامعات المغلوبين على أمرهم، ومنهم على سبيل المثال يوسف البواب وهو أستاذًا جامعيًا محكوم عليه بالإعدام، والناشطة أسماء العميسي المحكوم عليها بالسجن 15 عامًا.
الصراع التاريخي المصبوغ دينيًا بين (القناديل، والزنابيل)
بدأ التصنيف التاريخي المصبوغ دينيًا (القناديل والزنابيل) وهذه فوارق عقائدية جاءت بها شيعة الحسين منذو القدم ، لكن مع تطورات الأحداث وصل الخلاف بين القناديل أنفسهم فباتوا قسمين قناديل زيد بن علي وقناديل الكهف الإثنى عشرية متشيعو الألفية الآخيرة ، ولكن الحرب الخارجية كما يسمونها هي من وحدتهم في صف واحد معتبرينه عدوانا خارجيا ،ولكن المحللين السياسيين يقولون أن هذا التوحد مخادع ومزيف فبمجرد انسحاب العربي من اليمن سوف تنتهي كل التحالفات الداخلية في الشمال المشكلة بقوة وبطش الحوثي، وسوف ينفجر الغضب المكبوت في صدورهم المتراكم خلال سنوات الحرب.
أبرز الأجنحة المتصادمة وطبيعة علاقتها بنظام طهران
ويقول آخرون إن المليشيات الحاكمة في الشمال تنقسم إلى جناحين مختلفين:
الأول محمد علي الحوثي
يُعدّ محمد على الحوثي رئيس مايسمى “باللجان الثورية” أبرز المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني ويتصرف بناء على تنسيق مع الحرس الثوري، حيث يظهر ذلك جليًا في التعبير عن مواقف الجماعة بتشدد واضحٍ يحمل نبرة تصعيدية تجنح للحرب أكثر من جنوحها للسلام.
والقسم الآخر أتباع المشاط الذي يرأس السلطة التنفيذية للحوثيين وهذا الخلاف يندرج ضمن الصراع على السلطة والنفوذ رغم محاولة قادة مليشيات الحوثي الحاكمة في صنعاء إخفاء ما يجري، إلا أن الكثير من المعلومات السرية يتم تسربيها لوسائل الإعلام، نظرًا لتفشي الخلافات الداخلية ووصولها لحد الانتقام والتشويه والشواهد واضحة على ذلك فما حصل في القضية الأخيرة التي انتشرت في كثير من المواقع والصحف وذلك ما قام به أتباع “القنديل” محمد علي الحوثي بنشر غسيل فساد المشاط ومدير مكتبه عبر المهرج المومري، والذي قام الطرف الآخر باعتقاله والحكم عليه بالسجن عدة سنوات لتجنيه على النظام والدولة، لكن سرعان ما جاءت التوجيهات من الكهف بالإفراج عنه كون ولي الفقيه هو المرجع في حالة الخلافات التي تحصل داخل إطار سلطة المليشيات.
ويبرز أبو علي الحاكم باعتباره واحد من أبرز قادة الميليشيات الميدانيين وأتباعه – كما يصنفهم مراقبون- خليط من العسكريين وأبناء القبائل غير العسكريين (مجاميع ميليشياوية مسلحة)، ويسعى أبو على الحاكم أن يوسع نفوذه على حساب جناحي المشاط ومحمد علي الحوثي رغم قربه من الأخير في إطار تعزيز كل “قنديل” قوته لتحقيق مكاسب سلطوية ومادية.
ومن المعروف أن إغتيالات القيادات السلالية الهاشمية في العاصمة صنعاء قبل وبعد انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية، مثل: محمد عبد الملك المتوكل، وأحمد شرف الدين، وعبد الكريم جدبان، وعبد الكريم الخيواني، وأيضا إبراهيم الحوثي، الذي كان ممسكًا بالملف الاقتصادي والمالي للجماعة، إلا أن حادثة اغتيال حسن زيد شكلت منعطفا خطيرًا في العلاقة بين أقطاب جماعة الحوثي وأجنحتها المتنافرة، وربما فتحت الباب على مصراعيه لحوادث اغتيالات مماثلة والتعجيل بحسم هذا الملف كان هناك من يريد تأخيره إلى أجل غير مسمى، وكل تلك الشواهد تدلل على أن الصراع قد بلغ مداه داخل الجماعة نفسها وهذا سيتحول إلى صراع داخل الأجنحة وسوف يتجلى أكثر بعد أن ينتهي تدخل التحالف العربي.
ويرى مراقبون أن أسباب الصراعات تعود إلى تعدد أجنحة الجماعة، وهذه الأجنحة ظهرت كنتيجة لتعدد العائلات السلالية الطامحة للسيطرة على السلطة مثل عائلة آل المتوكل وعائلة آل الشامي وعائلة آل شرف الدين وغيرها، والتي تحاول إزاحة عائلة آل الحوثي من المشهد من خلال التحالف مع بعض قادة المليشيات من وراء ستار، خاصة أن مختلف العائلات السلالية تنظر لعائلة آل الحوثي نظرة دونية باعتبارها عائلة متخلفة ولا تفقه شيئا في شؤون السياسة والحكم والاقتصاد.
تعاطي الميليشيات مع سكان المناطق الوسطى والقبائل اليمنية
المناطق الوسطى محكومة بالقوة والعنف من قبل المليشيات الحوثية، وهي مناطق تشعر بالغبن التاريخي الذي تعرضت خلال مئات السنين منذ إمامة المهدي قبل أكثر من ألف ومئتي عام ، ومن خلال استقراء التاريخ ثبت أن هذه المناطق قامت بمقاومة قبائل القناديل عدد من المرات آخرها في القرن الماضي وشكلت ما تعرف بالجبهة الوطنية وكانت هذه المناطق إلى جوار محافظات جنوب اليمن منطلقاً للمدنيّة والنضال الوطني والحداثة.
القبائل اليمنية الواقعة تحت عصا الحوثي والتي تعتبر أكبر من الحوثي بكثير، ماسبب سكوتها منذ اليوم الأول للحرب؟ ، هل هو العداء للتحالف؟
وكيف سيكون مستقبلها إذا انسحب التحالف من اليمن؟
كل القوى القبلية والعسكرية بتناقضاتها تختلف مع الحوثي وتضمر عدائها له.
مستقبل قاتم ينتظر الميليشيات
يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أحمد حرمل في مقال له نشر على موقع كريتر نت : “إن الوضع في الشمال سيكون كارثيًا وسينفجر صراع مذهبي وسياسي وقبلي لم تشهده اليمن في كل تاريخها وسيتحول الشمال إلى عدة دويلات متناحرة”.
ويضيف حرمل بالقول: “ثمان سنوات من الحرب ارتكبت خلالها مليشيات الحوثي جرائم يندى لها الجبين، فبالإضافة إلى أرقام الضحايا البشرية المهولة والخسائر المادية التي لا تعد ولا تحصى عملت المليشيات على ضرب القبيلة وفككت الجيش، واستهدفت التعليم والمعتقدات الدينية، ونهبت ثروات البلد ومقدرات الشعب، ودمرت المعالم التاريخية وسرقت الآثار، وحوثنة الجامعات وغيرت المناهج، ولغمت الطرقات والمزارع ودمرت القرى وفجرت المنازل”.
وأشار حرمل بقوله: “كل هذه الجرائم التي طالت فئات وشرائح المجتمع بطبيعية الحال أنتجت خصومة سياسية جديدة وأسست لثأر سياسي وثأر قبلي وثأر ديني ومزقت النسيج الاجتماعي وأوجدت حالة من التشظي والانقسام”.
موقف جماعة الحوثي من السلام والتسوية السياسية
كشفت صحيفة العرب اللندنية قبل أكثر من أسبوع بأن ميليشيات الحوثي غير مستعدة لسلام دائم وشامل في ظل المساعي السعودية وزيارة سفيرها آل جابر إلى صنعاء ولقائه بقادة الميليشيات بعد جهود وساطة عمانية بين كل من المملكة والحوثيين والمملكة وإيران.
وقال مدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري للعرب اللندنية: ” الأرضية السياسية في اليمن ليست مهيأة لتحقيق سلام”.
ويرى الجبري أن “الميليشيا الحوثية، ومن خلفها إيران، سقطت في اختبارها الأول وهو الأسهل من بين اختبارات كبيرة تتطلبها المرحلة القادمة، بما فيها الاعتراف بحقيقتها وواقعها في اليمن كانقلابيين وجماعة متمردة تعمل لأجندة خارجية”.
وعلق الجبري على تعثر المفاوضات مع الحوثيين بالقول: “لا يوجد للتفاؤل مكان في علاقة بالتفاوض مع الميليشيا الحوثية، ما دامت تمسك بأسلحتها والعالم يتسامح معها ويقدم لها الحوافز الكبيرة التي تثير شهوة السلطة لديها، لتطمح إلى السيطرة والحكم في اليمن”.
ولفت إلى أن الأرضية السياسية في اليمن ليست مهيأة لتحقيق سلام شامل وعادل ومستدام يلبي حقوق أبناء الشعب اليمني، لاسيما وجماعة الحوثي تمتلك وسائل الضغط وتقصف الموانئ اليمنية والأعيان المدنية، في حين أن الحكومة الشرعية تمضي وفقا للإرادة الدولية التي يمكن أن تفرض اتفاقا أشبه باتفاق ستوكهولم الذي لم ينفذ منه شيء ونتج عن ضغوط ومقاربات دولية.
وعن أبرز العوائق التي تعترض طريق السلام في اليمن، قال الجبري في تصريحاته لـ”العرب اللندنية“: “منذ سنوات والحوثيون يرفضون أي خطوات للتقدم تجاه إنهاء الحرب وتحقيق السلام، كون حالة الفوضى والحرب يعتبرونها المناخ الملائم لتحقيق مكاسب سياسية من خلال التفرد بالسلطة وقمع الخصوم ونهب الإيرادات وفرض الجبايات، ومن خلال أدلجة المجتمع وتنشئة جيل جديد يؤمن بأفكارهم العنصرية، ولذلك أي توجه حقيقي وجاد للتوجه نحو السلام يمثل تهديدا لمصالح القيادات الحوثية المستفيدة من الحرب ماديا وسياسيا، وأيضا تهديدا لمشروع أيديولوجي طائفي خلفه تنظيم سلالي يتبناه من عشرات السنين”.
وعن التصريحات الإيرانية بشأن فصل المسار الإيراني عن اليمني، أضاف الجبري: “حديث إيران عن أن قرار الحوثيين بأيديهم استغفال للإقليم والعالم كونها تمتلك قرار الميليشيا، ومجلس الحرب الجهادي-التنظيم السري الذي يدير الحرب في اليمن- يتبع الحرس الثوري الإيراني، وعبدالملك الحوثي عضو فقط في المجلس، ما يعني أن إيران تمتلك قرار الحرب والسلم في اليمن بأدق تفاصيله”.