لا أذكر طوال عمري المهني أن أستخدمت مفردات مثل فخامة الرئيس والقائد الرمز، والفرد الضرورة، ليست بطولة ولكن مكون نفسي يربط بين تلك المفردات ، والتزلف ، المصلحة مقابل تمجيد القيادة، ومع ذلك لا يعني هذا الإستخدام دوماً ذلك المعنى السالب ،طالما تجرد من الذات الانتهازية المتسمة بالرخص والابتذال ، ولم ينتج نفعاً شخصياً لصاحبه.
بعد هذا الاستهلال وجب القول أن شيئاً جديد طفى على خطاب المجلس الإنتقالي ، وأن أفقاً واسعاً تفتحت أمام تعاطيه مع جملة التحديات ذات الصلة باليمن عموماً، وبالقضية الجنوبية على وجه أخص.
خطاب عيدروس الزبيدي مع قيادات الضالع ، من شأنه أن يخلق إنعطافة في وعي حواضن الانتقالي، ويفك الأغلال التي تشد قضيتهم للجغرافيا المناطقية ، وتضع الحقوق العادلة مقابل ورديف إستعداء ملايين من أبناء الشمال ، لأسباب تتصل بتموضعهم -الشمال- على الخارطة ،وتنقل الخصومة من مواجهة غزو وقمع السلطات للجنوب ، إلى معادلة الجنوب ضد الشمال ، مع أن قواسم مشتركة توحد الجميع ،وضيم يمزق الجميع وأن طحناً ممنهجاً وأفقاراً جمعياً، قذف بالجميع إلى مادون خط الفقر والإنكفاء حد الإحباط.
الزبيدي كسر حاجز المنطقة والتعبئة الخاطئة ،وصحح المفاهيم المغلوطة، بإطلاقه مفردة “الشعب في بلدنا الحبيب في الشمال” ، ثم خطى خطوة أخرى نحو تظهير الإصطفافات الواجب تعزيزها، والتأكيد أن الحوثي لن يُهزم إلا بنضال مشترك للقوى الوطنية في الشمال والجنوب على حد سواء.
الحقيقة أن أدبيات الانتقالي التي صدرت مؤخراً تذهب في هذا الاتجاه المنفتح وغير العصبوي ،إلا أن يأتي مثل هكذا تأكيد على لسان قائد يحتفظ برمزيّته لدى حواضن الانتقالي ، يفرغ محابس المفاهيم الخاطئة ، ويبين أن هناك خط فاصل بين حق الجنوب كقضية ، وبين صناعة الأعداء وتحويل من هم شركاء محتملين في الشمال إلى الضفة المقابلة.
الحقيقة أن لغة جديدة تتشكل في الأداء السياسي للانتقالي ، وعلى هذه اللغة يجب البناء شمالاً بإسناد حق الجنوب في نيل حقوقه ، وجنوباً رفض ثقافة الكراهية ،وإعتبار المشتركات في السياسة لا تضعف بل تسند الجنوب ، وتقصِّر آلآم ومخاضات إسقاط الحوثي ، وتضع كل المشاريع في خانة المكن لا المستحيل.
وظيفة كل صاحب قضية ان يراكم الأصدقاء لا أن يصنع الخصوم.