-أعلنت في ساعة مبكرة من صباح اليوم الاثنين:08 يوليو2024م نتائج إقتراع الجولة الثانية والحاسمة للإنتخابات التشريعية الفرنسية، التي جرت يوم امس الاحد:07 يوليو 2024م،حيث وصلت نسبة المشاركة في الاقتراع الى:(67.1%) واظهرت النتائج شبه الرسمية عن تقدم إئتلاف اليسار المنطوي تحت مسمى:الجبهة الشعبية الجديدة بزعامة جان لوك ميلانشون وحصوله على المركز الاول ب(182) مقعد.توزعت مقاعد الفوز بين مكونات الجبهة الشعببة على النحو التالي:
1-حزب فرنسا الابية بزعامة جان لوك ميلانشون: (74)مقعد
2-الحزب الاشتراكي الفرنسي بزعامة اوليفييه فور:(64)
3-حزب الخضر بزعامة مارين تونديلير:(34) مقعد
4-الحزب الشيوعي الفرنسي بزعامة فابيان روسيل:(10) مقاعد.
فيما حصل المعسكر الرئاسي(معاً) بزعامة الرئيس ماكرون على(168) مقعد ،محتلاً المركز الثاني في قائمة الانتخابات،حيث توزعت مقاعد الفوز بين مكونات المعسكر الرئاسي على النحو التالي:
1-حزب النهضة بقيادة الرئيس ماكرون :(106) مقاعد
2-تجمع الوسط:(34) مقعد
3-حركة آفاق بزعامة رئيس الوزراء الاسبق ادوارد فيليب:(28) مقعد.
وحصل حزب التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبن على:(143) مقعد،محتلاً المرتبة الثالثة
فيما حصل الجمهوريون مع يمينيون مستقلون على:(49) مقعد.
و حصل حزب الجمهوريين اليميني بزعامة ايريك سبوتي والمتحالف مع حزب التجمع الوطني اليمني على:(15) مقعد.
وفاز يساريون مستقلون ب:(11) مقعد،فيما حصلت احزاب صغيرة وبعص المستقلين على:(9) مقاعد.
هذه النتائج المعلنة التي اسفرت عنها جولة الاقتراع الثانية،قلبت نتائج اقتراع الجولة الاولى التي وصلت نسبة المشاركة فيها الى:(66.71%) والتي جرت يوم الاحد ال(30) من يونيو الماضي رأساً على عقب،حيث اظهرت الجولة الاولى تقدم حزب التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبين في المركز الاول بحصولة على أكثر الاصوات الممنوحة له في هذه الجولة،وحصلت الجبهة الشعبية الجديدة بزعامة جان لوك ميلانشون على المرتبة الثانية والمعسكر الرئاسي( معاً) بزعامة الرئيس ماكرون على المرتبة الثالثة،لكن هذا التفوق لحزب التجمع الوطني اليميني لم يشفع له الفوز في الجولة الثانية والحاسمة،حيث ان نتيجة الجولة الاولى لم تحسم سوى(76) مقعد فقط من مجموع مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها:(577) مقعد،كان نصيب حزب التجمع الوطني اليميني:(37) مقعد،والجبهة الشعبية الجديدة:(32) مقعد والمعسكر الرئاسي بمقعدين فقط،بينما فاز بعض المستقلين والحزب الجمهوري وبعض المكونات الصغيرة:ب(5) مقاعد وتبقى (501) مقعد من مقاعد الجمعية الوطنية جرى التنافس عليها في الجولة الثانية والحاسمة.
فما الذي قلب نتائج الجولة الاولى رأساً على عقب؟!
وماهي التحالفات الجديدة التي تمت بعد اعلان نتائج الجولة الاولى؟!
منذ اعلان نتائج الجولة الاولى مساء يوم الاحد:(30) يونيو الماضي شهدت الساحة الفرنسية إجتماعات مكثفة داخل قيادة الجبهة الشعبية الجديدة ووافقت جميع قيادات الجبهة الشعبية على العمل بكل الطرق والوسائل لمنع حصول حزب التجمع الوطني اليميني على الاغلبية المطلقة التي تمكنه من الوصول الى السلطة وتشكيل حكومة بمفردة،وباشرت قيادة الجبهة الشعبية الجديدة بالتواصل مع قيادة المعسكر الرئاسي وفي مقدمتهم الرئيس ماكرون ورئيس حكومته جابرييل آتال بهدف وضع استراتيجية مشتركة لمنع وصول اليمين المتطرف الى السلطة،حيث تم الاتفاق على تشكيل تحالف جديد سمي ب( الجبهة الجمهورية) واقرت (الجبهة الجمهورية) بسحب بعض مرشحيها من( 216) دائرة انتخابية،حيث ان الجولة الاولى قد اسفرت عن وجود(308) دوائر انتخابية يتنافس فيها ثلاثة مرشحين،الاول من حزب الجبهة الوطنية اليميني والثاني والثالث اما للمعسكر الرئاسي اوللجبهة الشعبية الجديدة،ومن اجل منع فوز مرشح حزب الجبهة الوطنية اليميني تم التنسيق بعد دراسة دقيقة لموقع الدائرة وعدد المقترعين وتوجهاتهم الانتخابية،حيث اقدمت الجبهة الشعبية الجديدة على سحب مرشحيها من(134) دائرة انتخابية لصالح قائمة المعسكر الرئاسي الانتخابية،بينما تم انسحاب مرشحي المعسكر الرئاسي من(82) دائرة انتخابية اخرى لصالح مرشحي الجبهة الشعبية الجديدة،بينما انسحب (13) مرشح من مكونات اخرى من(13) دائرة اخرى للهدف ذاته،اي وقوف الجميع لمنع حزب التجمع الوطني اليميني من تحقيق الاغلبية المطلقة والوصول الى السلطة،والحقيقة ان هذا التحالف بين قوى اليسار والمعسكر الرئاسي قد حقق الهدف من انشائه،حيث لم ينجح فقط في منع حصول حزب مارين لوبين على الاغلبية المطلقة،بل وازاحته الى المرتبة الثالثة بعد ماكان يتصدر قائمة الانتخابات في جولتها الاولى،لكن هذا التحالف الظرفي بين قوى اليسار والمعسكر الرئاسي اسفر عن وجود ثلاث كتل انتخابية رئيسية لم تحصل اينمنهم على الاغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة القادمة،فالمعسكر الرئاسي خسر الاغلبية النسبية التي كان يتمتع بها في الجمعية الوطنية المنحلة،وصرح في اكثر من مناسبة انه لم ولن يتحالف مع قوى اليسار،وبالذات زعيم حزب فرنسا الابية جان لوك ميلانشون،بينما التحالف من قبل اليسار ومن قبل المعسكر الرئاسي غير ممكن،بل ومستحيل مع حزب التجمع الوطني اليميني،وهذا يعني ان هذه الانتخابات لم تنتج اي حلول،بل انتجت ازمة جديدة،وهذا ما اشرت اليه في المداخلة التحليلية التي كتبتها قبل اقتراع الجولة الاولى بساعات قليلة.
في تقديري ان الذي اتخذ قرار ابعاد حزب الجبهة الوطنية اليميني عن السلطة،قد قدم لليمين
المتطرف خدمة كبيرة،حيث ان من يقود الحكومة الفرنسية خلال الثلاث سنوات القادمة لايمكن ان يحقق شيئاً يذكر ،فوجود حكومة غير متجانسة مع عدم توافق هذه الحكومة مع توجهات الرئيس،في ظل ازمة اقتصادية وتحميل الرئيس مسؤولية ماألت اليه الاوضاع في البلاد،كل ذلك يجعل من الحزب او الائتلاف الذي يقدم على تشكيل الحكومة كبش فداء وبالتالي احراق كل رصيده امام الناخب الفرنسي،وبالتالي فإن اليمين المتطرف بكل مكوناته سوف يراجع اخطائه ويحافظ على خطابه الذي يدغدغ فيه مشاعر المواطن الفرنسي من خلال وعود بحلول جاهزة لكل مايعانيه المجتمع الفرنسي،ومن يرفض اليوم تسلم اليمين المتطرف رئاسة الحكومة،عليه ان يعد نفسه لتقبل وصول اليمين المتطرف الى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في انتخابات 2027م،مالم تكن هناك احداث كبرى تسفر عن
انفرجات كبرى في حرب اوكراينا وتحسن في العلاقات بين الاتحاد ت الاوروبي وروسيا وعودة الاستقرار للشرق الاوسط وشمال ووسط افريقيا.
بغض النظر عن نتائج الانتخابات المعلنة،فإن هناك بعض الحقائق التي يجب فهمها واستيعابها:
1-ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باقياً في منصبة كرئيس للجمهوريةللثلاث السنوات القادمة وحتى نهاية ولايته الدستورية الثانية والاخيرة والتي تنتهي اواخر عام 2027م،بغض النظر عن نتيجة انتخابات الجمعية الوطنية.
2-ان النتيجة العامة للانتخابات قد افرزت ثلاث كتل ليس لديها الاغلبية المطلقة تمكنها من تشكيل حكومة، وغير متجانسة،بل وغير قابلة للتعايش او للتحالف مع بعضها او للتعايش مع سياسة رئيس الجمهورية، وان حصلت بعض التحالفات بين معسكر الرئيس وبعض كتل يسار الوسط تحت حجة قطع الطريق على اليمين المتطرف فهي ظرفية ومؤقته ،وبالتالي فإن نتيجة هذه الانتخابات هي بداية دخول فرنسا في ازمتها الحقيقية وليس بدايةً للخروج منها.
3-بغض النظر عن نتيجة الانتخابات وعما ستحصل عليه كل كتلة من الكتل الانتخابية،فإن الازمة اعمق. حل الجمعية الوطنية واجراء انتخابات مبكرة لن يحل الازمة،بل مجرد مسكنات للرأي العام وايهامه بإن الانتخابات وتغيير بعض المسميات هو بداية لحل الازمة،لكن الحقيقة ليست كذلك،فجوهر الازمة يكمن في كل النخب السياسية الموجودة على ارض الواقع والتي احكمت قبضتها على كل مفاصل السلطة منذ خمسينيات القرن الماضي والذي كان للولايات المتحدة الامريكية دوراً رئيسياً في صناعتها منذ مشروع جورج مارشال الخاص بإعادة اعمار اوروبا،والتي وصلت اليوم الى طريق مسدود و فشلت في حل قضايا المجتمع وفقدت كل مقومات البقاء،واصبحت عبئاً ثقيلاً على المجتمع الفرنسي،ويجب تغيير كل هذه النخب بما يتماشى مع المصالح الفرنسية والاوروبية اولاً،وهذا هو المخاض الحقيقي الذي يخوضه المجتمع الفرنسي والمجتمع الاوروبي في مختلف الدول الاوروبية،حيث ان اوروبا لازالت في مخاض البحث عن الذات بعد ان سلبتها امريكا دورها المستقل،وفرنسا نموذج لذلك،وبالتالي فإن حل الازمة يكمن في التغيير الجذري للنخبة السياسيةالخاضعة للإدارات الامريكية المتعاقبةوتبعيتها العمياء لحلف الناتو وللسياسة الامريكية ،وتعديل الدستور،او إعداد دستور جديد يضع فرنسا على اعتاب الجمهورية السادسة.