في الثالث عشر من يوليو (تموز) الجاري استفاق المتابعون للشأن اليمني، على رسالة من المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، يطالب فيها بوقف الإجراءات التي اتخذها مركزي عدن، بحق بنوك محلية مخالفة، في مناطق سيطرة الحوثيين.
يتعلق الطلب، بوقف إجراءات اتخذها البنك المركزي اليمني ضد بنوك محلية مخالفة في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، “لمنع حدوث أي تصعيد عسكري”، بحسب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانز غروندبرغ، الذي يمارس ضغوطًا مكثفة، لوقف قرار “مركزي عدن”.
ودعا غروندبرغ في رسالته، إلى تأجيل تنفيذ قرار البنك المركزي إلى نهاية شهر أغسطس/ آب المقبل، على أقل تقدير، وإلى حوار بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وميليشيا الحوثي، برعاية أممية، لمناقشة التطورات الاقتصادية التي وقعت مؤخرًا.
وتوقع مراقبون، أن يستجيب مجلس القيادة الرئاسي، لطلب المبعوث الأممي، خشية التعرض لضغوطات سعودية، التي يُعتقد أنها وراء رسالة المبعوث الأممي، والتي تخشى انهيار مفاوضات وقف الحرب، التي تجري بين الطرفين منذ أشهر، في العاصمة العُمانية مسقط، بوساطة عمانية، ورعاية الأمم المتحدة.
ولأول مرة منذ اندلاع الحرب معها، تتكبد مليشيات الحوثي خسائر اقتصادية هائلة، بعد إجراءات مركزي عدن، وهو الأمر الذي دفعها لتحريك كل أوراقها السياسية والعسكرية للضغط على السعودية كي تقوم الأخيرة بالضغط على مجلس القيادة الرئاسي، في محاولة لإثناء بنك عدن عن تلك الإجراءات.
وقبل أيام ألمح الناطق الرسمي باسم مليشيات الحوثي، محمد عبدالسلام، في مقابلة تلفزيونية، إلى الانسحاب من التفاهمات التي جرى التوصل إليها في مفاوضات مسقط، إذا ما استمرت الإجراءات الاقتصادية، التي قال أن المملكة هي من قامت بها، خدمة للأمريكي، بحسب تعبيره.
وأكد عبدالسلام، إلى أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، لا تساهم في الوصول إلى تفاهمات جديدة بخصوص خارطة الطريق، بل اعتبرها تراجعًا عن الهدنة ومسار المفاوضات، وتهديدًا صريحًا لخارطة الطريق.
بدوره هدد زعيم مليشيا الحوثيين، عبد الملك الحوثي، بالرد بالمثل على قرارات مركزي عدن وإغلاق مطار صنعاء، من خلال استهداف بنوك ومطارات وموانئ سعودية، باعتبار أن قرار نقل البنوك وإغلاق المطار هي خطوات سعودية بتوجيه أمريكي، حسب زعمه.
وخرجت مظاهرات شعبية في عدد من المحافظات اليمنية، داعمة لإجراءات بنك عدن، ومحافظه، ومنددة بالضغطوطات الدولية وخذلان مجلس القيادة الرئاسي لمحافظ البنك المركزي، احمد غالب المعبقي، كما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حملات تضامن مع الرجل.
وارتدى العديد من الناشطون، ورُفعت على رؤوس المتظاهرين، الكوفية الزنجبارية، التي تُعتبر جزء من الموروث الشعبي الأبيني، والتي كان يرتديها المعبقي، قبل تعيينه محافظًا للبنك، في إشارة على التضامن الشعبي معه، في مواجهة الضغوطات.
حرب البنوك.. هكذا استعرت (توطئة)
في الثلاثين من مايو أيار الماضي، أصدر البنك المركزي في عدن، قرارات وُصفت بالجريئة، والأكثر إيلامًا وتأثيرًا على المصادر المالية للحوثيين، منذ بدء الحرب مع الجماعة مطلع العام 2015، واستهدف في محصلته، تجفيف المنابع المالية للحوثيين.
واعتُبرت القرارات التي أصدرها مركزي عدن بمثابة الضربة القاصمة التي ستضع مليشيات الحوثي امام أمر واقع مغاير، إذ فرضت تلك الإجراءات تحجيم شامل لكل الابواب التي اعتمد عليها الحوثيين في تمويل حروبهم، واستطاعت عزل الجماعة عن العالم الخارجي، وأحدثت صدمة اقتصادية أرعبت الجماعة.
وكان «البنك المركزي» قد قرر وقف التعامل مع 6 بنوك رئيسية في مناطق سيطرة الحوثيين بعد أن أمهلها 60 يومًا لنقل مقارها إلى عدن، وهو الأمر الذي لم تنفذه هذه البنوك.
كما قرر البنك سحب الطبعة من العملة القديمة قبل 2016 من الفئات كافة، ومنح مهلة شهرين للمودعين والبنوك والشركات لتسليم هذه الفئات إلى البنك، تمهيداً لقرار مرتقب بإلغاء هذه الطبعات التي تفرض الجماعة الحوثية التعامل بها حصراً.
وفي قرار ثالث كان «المركزي اليمني»، عزز سيطرته على التحويلات المالية من الخارج، وأصدر تعليمات بتنظيم مزاولة هذا النشاط، تضمنت حصرها على البنوك وشركات الصرافة المؤهلة والمعتمدة من قبله فقط.
إجراءات «مركزي عدن» واكبه امتثال أول شركة عالمية للتحويلات «موني غرام» لتدابير البنك، القاضية بحصول الوكلاء من شركات الصرافة، على شهادة عدم ممانعة من قبل مركزي عدن.
ووجه البنك جميع المصارف والبنوك، ووكلاء الحوالات العاملة بالجمهورية بعدم التعامل مع البنوك والمصارف المدرجة بالقرار، وهي بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، مصرف اليمن والبحرين الشامل، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك الكريمي، وبنك اليمن الدولي.
بدوره أصدر البنك المركزي في صنعاء، الخاضع لسيطرة الحوثيين، قرارًا بوقف التعامل مع 13 بنكًا في عدن ردا على قرار بنك عدن بعد صدور قرار سحب العملة القديمة من مناطق سيطرتهم.
وبحسب قرار مركزي صنعاء، فإن البنوك التي شملها القرار هي بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر، بنك البسيري للتمويل الأصغر، بنك عدن الإسلامي للتمويل الأصغر، بنك الشمول للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك السلام كابيتال للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك تمكين للتمويل الأصغر.
كما شمل قرار مركزي صنعاء، إيقاف التعامل مع بنك الإنماء للتمويل الأصغر، وبنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك بن دول للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك عدن الأول الإسلامي، والبنك الأهلي اليمني – عدن، وبنك التسليف والتعاوني الزراعي – عدن، وبنك حضرموت التجاري.
مركزي عدن.. صمود مستمر ومؤشرات بالخذلان
وفي تأكيد جديد له على مضيه في إجراءاته بحق الحوثيين، أصدر ينك عدن بيانًا جديدًا، يوم أمس الأول، الإثنين، الموافق 16 يوليو (تموز) الجاري، بيانًا أدان فيه بشدة الممارسات التعسفية التي تقوم بها ميليشيا الحوثي ضد القطاع المصرفي الوطني.
شملت هذه الممارسات وفق بيان الإدانة الضغط والإكراه والابتزاز لإجبار البنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر على إغلاق فروعها وتجميد أعمالها، معتبرًا أن هذه الممارسات تتجاوز كل القوانين والأعراف المصرفية.
وأشار مركزي عدن، في بيانه، إلى أن هذه الممارسات تعكس عجز إدارات البنوك عن مقاومة الضغوط الحوثية، موضحًا أن استمرار هذه الانتهاكات يعرض البنوك لإجراءات قانونية صارمة من قبله، ومنوهًا إلى ضرورة الالتزام بضوابط العمل المصرفي وعدم الرضوخ لضغوط الحوثيين.
وتشير مصادر سياسية مقربة من مجلس القيادة الرئاسي، إلى أن رئيس المجلس، رشاد العليمي، بصدد الموافقة على الاستجابة لطلب المبعوث الأممي، بشأن تجميد الإجراءات المالية التي اتخذها بحق الجماعة، رغم معارضة بعض أعضاء المجلس، على رأسهم اللواء الزبيدي.
وفي بيانه الأخير بعد الاجتماع الطارئ الذي عقده، اشترط المجلس للمشاركة في أي حوار اقتصادي، وجود جدول أعمال واضحة، تتضمن “استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كل الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي ومجتمع المال والأعمال”.
ويرى الصحفي، والخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، أن محافظ البنك، لازال صامدًا حتى هذه اللحظة، وهو رافضًا لقبول الاملاءات، التي تحاول تعطيل قراره النقدي الهام والتاريخي – إن صح التعبير – باعتبار أن هذه البنوك الستة هي التي تعتمد عليها مليشيات الحوثي في تحويلاتها الخارجية من أكثر من دولة.
ويضيف الداعري، في تصريح “للصدارة سكاي” بأن المحافظ لازال معتكفًا في شقة سكنه بالبنك المركزي، وأنه تقدم بطلب إما التراجع عن تعطيل قرارات البنك باعتبارها قرارات سيادية من صلب صلاحيته النقدية في استعادة إدارة القطاع المصرفي اليمني أو قبول استقالته.
تراجع الرئاسي واستجابته للضغوط.. الانتكاسة والتبعات
في رده على رسالة غروندبرغ، عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعًا طارئًا أكد فيه على “تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي.
وأكد المجلس في بيانه، مضيه في ردع الممارسات التعسفية للمليشيات الحوثية الإرهابية، مع انتهاج أقصى درجات المرونة، والانفتاح على مناقشة أي مقترحات من شأنها تعزيز استقلالية القطاع المصرفي، والمركز القانوني للدولة في العاصمة عدن.
واعتُبرت لغة بيان المجلس بالركيكة، والغير حازمة، وتحمل في طياتها، إمكانية التراجع، عن الإجراءات الاقتصادية، التي اتخذها مركزي عدن، ضد الحوثيين، فيما تتوالى الضغوط على المجلس الرئاسي والحكومة، لثنيهما عن المضي في تنفيذ هذه الإجراءات المتخذة من البنك المركزي في عدن.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، خالد سلمان، بأن لغة بيان مجلس القيادة كان ركيكًا حد التفريط، ومفتوحًا على احتمالية التراجع مقابل الاستجابة لشروط طرحها المجلس، ما يعني أن قرارات البنك المركزي – بحسب رأيه – ليست نهائية، بل هي ورقة ضغط ومناورة لإجبار الحوثي على تقديم أي قدر مهما تضاءل من التنازلات.
ويؤكد خالد سلمان، إلى أن تحرير عنق الحوثي من نير تلك الإجراءات، بلا ثمن حقيقي يدفع بعملية التسوية نحو المزيد من التوازن، وفي حال كهذا سيصبح التراجع للحكومة الشرعية هزيمة أشد قسوة من نكسات تسع سنوات حرب.
ويضيف: “هذا يعيدنا إلى سؤال من يملك القرار السيادي، ومن يرسم سياسات الشرعية ويقيدها بلاءات ومرجعيات ماوراء وطنية، حيث يصبح فيها الإقليم هو سيد القرار من الحرب والسلم، وحتى التراجع عن قرارات البنك المركزي .
أما الصحفي والخبير الاقتصادي، ماجد الداعري فيرى بأن التراجع، سيؤدي في المحصلة إلى استمرار عبث المليشيات الحوثية بالعملة الوطنية، والتلاعب بفارق الصرف، واللعب بالدورة المالية وسيُعطل بقية الخطة الاقتصادية، والسياسة النقدية التي قدمها محافظ البنك المركزي.
ويشير الداعري إلى أن المعبقي، قد وضع المجلس الرئاسي، أمام خيار الاستمرار في الإجراءات النقدية، أو قبول استقالته، وهو مالم يبت فيه العليمي حتى هذه اللحظة تجنبًا للضغط والتأييد الشعبي لقرارات محافظ البنك، مُعتبرًا قبول استقالة محافظ البنك المركزي بأنه قرارًا انتحاريًا.
إجراءات البنك وقراراته.. المصير والتوقعات
يُعتقد أن إجراءات البنك المركزي، في عدن، بقدر ما أحدثت صدمة اقتصادية غير مسبوقة، للحوثيين، فإن التراجع عنها يمثل نكسة مضادة للحكومة الشرعية، ومهما كان الثمن، يُعد التراجع انتحارًا سياسيًا، وإهداء الحوثي أوراق قوة الشرعية الأخيرة بثمن بخس.
ويقول الصحفي، ماجد الداعري، في تصريح “للصدارة سكاي” بأن كل المؤشرات حتى اللحظة تؤكد تجميد أو تأجيل قرارات البنك المركزي بإلغاء تراخيص البنوك الستة المتمردة على قرار نقل المراكز الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن، أو بالأصح فالقرار أصبح معطلًا من قبل مجلس القيادة الرئاسي.
لكنه يرى بأن القرارات قانونيًا – وفق لقانون إنشاء البنك المركزي كسلطة مستقلة عن باقي السلطات الأخرى – تعتبر سارية المفعول حتى هذه اللحظة نظرًا لرفض محافظ البنك المركزي قبول أي تراجع أو الاستجابة لضغوط تأجيل القرارات.
ويشير الداعري، إلى أن الضغوط تبدو أكبر من مجلس القيادة والحكومة، لكن القرارات من وجهة نظره ستبقى معطلةً ومعلقةً حتى إشعار آخر، بينما مصير البنك المركزي ومحافظه وسياسته النقدية، مرتبطة بهذا القرار.
ولا يسبتبعد مراقبون بأن تجميد إجراءات البنك، وقراراته، وحتى إلغاءها قد يتم، دون ثمن، ودون الاستجابة للشروط التي طرحها مجلس القيادة الرئاسي، والمتمثلة بالسماح باستئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال” في اليمن.
وتسعى المملكة العربية السعودية، التي يعتقد مراقبون بأنها هي من تقف خلف رسالة المبعوث الأممي، والتي تخوض مفاوضات معقدة، مع مليشيات الحوثي، في مسقط، إلى عدم استثارة الحوثيين، أو اتخاذ أي إجراءات قد تدفع بالحوثيبن، إلى الانسحاب من هذه المفاوضات
ويعتقد مراقبون بأن مجلس القيادة الرئاسي، يستجيب للضغوط، وسيلغي أو يوقف إجراءات البنك، لكن ما هو غير معروف هو موقف محافظ البنك المركزي، وإمكانية استمراره في منصبه بعد هذا التراجع أم لا.