تعيش العديد من محافظات الجنوب، ارتفاعًا كبيرًا في عدد حالات الإصابة بوباء الكوليرا، مع غياب إحصائية دقيقة عن عدد الحالات المصابة في كل محافظة حتى الآن، وانعدام ترتيب رسمي للمحافظات، في مستوى انتشار الكارثة.
وتشهد بعض المحافظات انتشارًا متسارعًا ومخيفًا، وسط تحذيرات من خروج الوضع عن السيطرة مع انعدام كبير للحلول الوقائية والإجراءات الاحترازية للتصدّي لهذا الوباء الفتّاك.
وتُعتبر محافظة الضالع، أكثر المحافظات تضررًا هذه الأيام، إذ تشير مصادر غير رسمية، بأن مراكز الإيواء والمراكز الصحية تعج بمئات المصابين بالوباء، مع توافد عشرات الحالات بشكل يومي، إلى هذه المراكز والمخيمات، فضلًا عن حالات كثيرة يجري تطبيبها في المستشفيات.
وتعاني المنظومة الصحية في المحافظة من انهيار كبير في الخدمات الصحية منذ سنوات، بسبب شحة الإمكانيات، وقلة الدعم، وتدهور المنظومة الصحية، بسبب الحرب والصراع الدائر منذ العام 2015.
وتحاول السلطات الصحية في المحافظة تدارك الأمر بإقامة مخيمات عزل لمعالجة الحالات المصابة وتشكيل فرق طوارئ، لكن هذا الأمر لم يصل إلى حجم مستوى الكارثة، ولم يمنع من تفشيه بشكلٍ مُتسارع وخطير، مع انعدام ونقص كبير في المواد التطبيبية.
وتُظهر إحصائيات رسمية – حصلت “الصدارة سكاي” عليها – ارتفاعَ عدد الحالات المصابة بوباء الكوليرا إلى آلاف الحالات، جعلتها تتصدر قائمة المحافظات الأكثر تسجيلًا لحالات الإصابة بهذا الوباء، فيما تشهد محافظة لحج، والعاصمة عدن، ومحافظة أبين انتشارًا كبيرًا للوباء في الأشهر الماضية.
وكانت “الصدارة سكاي” قد حصلت على إحصائيات رسمية – بداية الجائحة – أظهرت عدن في المركز الأول لانتشار الوباء، تليها محافظة أبين في المركز الثاني، ثم محافظة الضالع في المركز الثالث، بينما احتلت شبوة المركز الرابع بعدد الإصابات، وحضرموت المركز الخامس .
ويشكك مراقبون صحيون في دقة الأرقام التي تنشرها الجهات الصحية، عن عدد الحالات المصابة، في ظل بقاء الكثير من الحالات في المنازل أو المستوصفات والمراكز الصحية الخاصة، نتيجة صعوبة الوصول للمراكز والمخيمات الرسمية، أو لقلة الإمكانيات وضعف الخدمات فيها.
انتشار مخيف ومراكز غير مؤهلة لاستيعاب الحالات
تشير إحصائيات رسمية حصلت عليها “الصدارة سكاي” صادرة عن مكتب الصحة في المحافظة، عن انتشار كبير ومخيف للكوليرا، في كل مديريات المحافظة، وبمستويات مختلفة، حيث تتصدر مديرية الأزارق النائية، القائمة بعدد حالات الإصابة بالكوليرا، بواقع أكثر من ألف وأربعمائة حالة بين اشتباه ومؤكد.
وتشهد منطقة حجر، التابعة لمديرية الضالع، انتشارًا كبيرًا لحالات الإصابة بالكوليرا، حيث سُجلت أكثر من ألف ومئة حالة إصابة بالإسهالات، بين مؤكدة واشتباه، في المحجر الصحي، بلكمة الدوكي، في حين سجلت في منطقة الفاخر، بقعطبة، أكثر من ثمانمائة حالة اشتباه وحالات مؤكدة.
بدورها تشهد مديرية جحاف، انتشارًا واسعًا للوباء، حيث ينتشر الوباء في مناطق عدة، في المديرية، بظهور حالات إسهالات، تحمل علامات الكوليرا، ووفقًا لمدير المركز الصحي، في مديرية جحاف، د. سامي العبادي، فإن المركز يستقبل أكثر من خمسة عشر حالة اشتباه بشكل يومي.
ويشير العبادي، في تصريح “للصدارة سكاي” بأن المركز، يفتقر لوجود شرائح فحص الكوليرا بشكل مطلق، فضلًا عن أنه يعاني نقصًا كبيرًا يصل حد الانعدام أحيانًا “لقرب الرنجر” بمختلف أحجامها، ومختلف أنواع المغذيات الوريدية، فضلًا عن نقص حاد في المضادات الحيوية، وأدوية تقوية المناعة.
ويأتي تفشي وباء الكوليرا في الضالع، وسطَ غياب تام لوزارة الصحة، عن القيام بمسؤولياتها لمواجهة هذا الوباء، وانعدام التغطية الإعلامية، المواكبة لحجم الكارثة، وعدم تحرك الجهات المعنية بشكل جِدِّي لدى الجهات المعنية، لإظهار هول الكارثة وحشد الدعم لمواجهة جائحة وباء الكوليرا.
وتشهد محافظة الضالع، تفشٍّ كبير للقمامة ومياه الصرف الصحي في شوارع رئيسية متعددة، بعضها مقابل لأحد المستشفيات الرئيسية، الأمر الذي أدّى إلى انتشار البعوض والأوبئة بشكلٍ مقلق وخطير يهدّد حياة وسلامة الكثير من الناس.
الوباء في تزايد مستمر
في السياق ذاته، أكد مدير عام الصحة في محافظة الضالع، د. أياد الجحافي، بأن وباء الكوليرا في ازدياد مستمر، وارتفاع ملحوظ بعدد الحالات يومًا بعد آخر، ما ينبئ بتوسع الوباء في مساحة جغرافية أكبر، ودخوله مناطق جديدة.
ويشير الدكتور أياد، في تصريح “للصدارة سكاي” إلى أن هناك نقص كبير في الأدوية، والمعدات اللازمة لمواجهة الوباء، مشيرًا إلى أن ثلاث منظمات تدخلت فقط في هذا المجال على مستوى المحافظة، بينما الوضع الصحي كارثي، ويحتاج حشد الدعم والإمكانيات لمواجهته.
وناشد مدير عام صحة الضالع، في تصريح “للصدارة سكاي” وزارة الصحة والمنظمات الدولية الداعمة، إلى المساعدة في مواجهة الوباء، وتسخير كل الإمكانيات بما من شأنه ضمان تقديم الرعاية الصحية للمرضى، ومحاصرة الوباء، وتوفير بيئة صحية تساهم في الحد من الكارثة.
كما أوضح أنّ مركز العزل يفتقر إلى العديد من الاحتياجات اللازمة؛ أهمُّها المكيفات، لمواجهة موجة الارتفاع الشديد للحرارة التي لا يتحمّلها المرضى من كبار السن والأطفال، مؤكدًا أنّ مركز العزل بمستشفى الصداقة يعدّ الوحيد حتى الآن في عدن الذي يستقبل الحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها بوباء الكوليرا.
وأكد مدير عام الصحة في الضالع، إلى أن إدارته تبذل قصارى جهودها لمواجهة هذا الوباء الفتّاك، والقضاء عليه رغم شحة الإمكانيات والأوضاع الصعبة التي تمُرّ بها البلاد في المرحلة الحالية”، لافتًا إلى أنّ إدارة الصحة تعمل بشكل مكثف على توعية المجتمع بأهمية الوقاية من المرض.
ويأتي تفشي الجائحة، في ظلّ انعدام كافة الإجراءات الوقائية مع قلة الوعي لدى غالبية الناس وغياب التثقيف الصحي، والاستجابة العاجلة لعزل الحالات المشتبه بها، على مستوى المحافظة، وفي ظل حالة اللامبالة، تجاه خطورة توسع وتفشي هذا المرض.
غياب الوعي الصحي والإصحاح البيئي
يؤكّد مواطنون أنّ الوضع الصحي في الضالع، يشهد انهيارًا مستمرًّا في ظلّ غياب الدور الفعلي لوزارة الصحة على أرض الواقع، وشحة الدعم من المنظمات الداعمة، حيث أصبح الكثير منهم يعاني الأمرَّين؛ انتشار الوباء، وانعدام الحلول الوقائية، الأمر الذي يعرض حياة الكثير من المواطنين للخطر.
والكوليرا عبارة عن عدوى حادّة تسبّب الإسهال، وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوثة ببكتيريا الكوليرا، ولا تبدو على معظم المصابين بعدوى الكوليرا أية أعراض، أو تبدو أعراض خفيفة للإصابة بها، غير أنّ العدوى قادرة على أن تُودي بحياة المُصاب بها في غضون ساعات، إن تُرِكت من دون علاج، حسب منظمة الصحة العالمية.
ويشير مراقبون إلى أنّ الموجة الجديدة من وباء الكوليرا تعتبر من أكثر الموجات انتشارًا في عدن، نتيجةً لزيادة الكثافة السكانية، والانهيار التام للإصحاح البيئي، وكذا تزايد توافد المهاجرين من القرن الإفريقي، في عدن والضالع وغيرها من المحافظات، الذين باتوا يفترشون الأرض في كل مكان.
ويضيف مراقبون، إلى أن البنية التحتية في اليمن بشكل عام “مُنهارة مع عدم وجود إصحاح بيئي مناسب لحماية البيئة والمواطن في المحافظات المنتشر فيها وباء الكوليرا،حيث بدأ المؤشر الوبائي يتصاعد بشكل مُتسارع، مستهدفًا الأطفال؛ الشريحة الأضعف في مواجهة الوباء”.
الوباء .. حجم الكارثة وأسبابها
يعتبر وباء الكوليرا، من الأمراض التي تم القضاء عليها، بشكل كلي، في الدول المتطورة، وتم القضاء عليه بشكل تام ونهائي، بينما لازالت البلدان النامية، خصوصًا التي تشهد نزاعًا مسلحًا وانقسامًا سياسيًا، خصوصًا في اليمن والقرن الأفريقي، انتشارًا واسعًا للوباء بين فترة وأخرى.
وتُعد مصادر المياه أحد مسببات انفجار الكوليرا، إضافة إلى عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، وهناك الأكلات والأطعمة الملوثة المكشوفة، وبرك المياه المفتوحة، وصنابير السبيل، والمجاعات أيضًا والتي تدفع بأناس للاعتماد على القمامة في أكلهم، وهذه من أسباب مرض الكوليرا”، وفقًا لمختصون.
ويضيف مختصون، إلى أن تراكم القمامة في الشوارع الرئيسية، فضلًا عن انتشار مياه الصرف الصحي، في الشوارع الرئيسية والحارات، وما تتسبب به من تلوث وانتشار للذباب والبعوض والحشرات الناقلة للأمراض يُعد سببًا لانتشار الكوليرا، وإذا ما حشدت الجهود وخُصصت الأموال لتحسين البيئة العامة فيمكن عمل الكثير لمواجهة الوباء.
ويُعتبر الكوليرا وباء مُعدٍ، ينتشر بشكلٍ سريع بين المرضى، خصوصًا الطبقة المتوسطة والفقيرة؛ بسبب تناول الأطعمة الملوثة أو شرب المياه الملوثة بالبكتيريا، حيث يشير مختصون إلى أنّ “علاجه سهل جدًّا، لكن التأخر في علاجه قد يتسبب في مضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة مباشرةً وخلال ساعات قليلة”.
ويُعد الفشل الكلوي الحادّ، وأيضًا نقصان المعادن الأساسية، مثل البوتاسيوم والصوديوم، من الأسباب الرئيسية للوفاة، وكلما وُجد وعي الناس بضرورة التدخل السريع لتعويض المريض بكمية كبيرة من السوائل عبر الوريد بطريقة سريعة، كلما أسهم في تقليل عدد الوفيات.
ووفقًا لتقارير دولية، فإنّ اليمن تشهد تفشيًا مُتسارعًا لحالات الإصابة بالكوليرا، حيث ساهمت الحرب، التي اندلعت في العام 2015، وما زالت مستمرة، وما رافقها من تدهور الحياة المعيشية، وانهيار القطاع الصحي، إلى ظهور المرض من جديد في العام 2016.
وبحسب ذات التقارير فقد تسبّب المرض في أواخر عام 2018، بوفاة 2500 يمنيّ، غالبيتهم من الأطفال، جراء انتشار موجة الإسهالات المائية الحادّة التي أصابت أكثر من مليون و300 ألف شخص، في أكبر وأسرع انتشار للمرض في التاريخ الحديث، بينما ما زال في انتشار مُتسارع حتى العام الجاري 2024.