لوحظ مؤخرًا: حضور ونشر بعض الاعلاميين، وبعض ناشطي حقوق الانسان، لبعض المحاكمات الجنائية، وتضمن هذا نشر أقوال المتهمين وشهادة الشهود بحذافيرها؟!
ولقد كنت حريصًا: على عدم الإدلاء برأينا في هذا الموضوع بالتحديد، الا أن موضوع النشر قد تجاوز حدوده القانونية، وقد يصل الأمر أحيانًا إلى التأثير على تحديد مسار العدالة في بعض القضايا!
لذلك: ومن واجبنا كرجل خبير في القانون والقضاء الجنائي، التوضيح في آن نشر أقوال بعض شهادة الشهود قبل الانتهاء من سماع أقوال باقى الشهود الأخرين، قد يكون من شأنه التأثير على بقية الشهود الذين لم يتم سماعهم، سواءً كان هذا التأثير لمصلحة المتهم أو ضده، الأمر الذي قد يؤثر على إختلال مسار العدالة!
– وفي نفس الاتجاة: فإن نشر اقوال المتهم بحذافيرها، سواءً كانت إعترافات أو انكارات، قد يؤدي بالشاهد إلى عدم تحرى الدقة عند الإدلاء بشهادته، وقد يدفعه إلى تأكيد الاتهام أو نفيه؛ مطمئنًا إلى أعتراف المتهم بجريمته، أو انكارها، كما قد يؤدي نشر هذة الاقوال، إلى إحجام بعض الشهود ممن لديهم معلومات في صالح المتهم أو ضده عن أداء شهادتهم؛ لشعورهم بأنه لا جدوى من تلك الشهادة؛ في ضوء أقوال المتهم بالجريمة.
– ولا يقتصر الأمر: على نشر شهادات الشهود وأقوال المتهمين، بل قد يمتد أحيانًا إلى نشر قائمة ادلّة الإثبات المقدمة من النيابة، والتي قد تتضمن تقارير الخبراء، كتقرير الطبيب الشرعي، وتقرير التكنيك الجنائي، وتقرير معاينة مسرح الجريمة، وبالتفصيل المبين لأسباب قتل المجني عليه، ونوع السلاح المستخدم في الجريمة، وموضع الاصابه، و اوصافها بالكامل، وموقع الجاني من المجني عليه، وكافة التفاصيل المتعلقه بارتكاب الجريمة.. والغريب في الموضوع، أن النشر يتم من بعد أول جلسة مباشرة، الأمر المؤدي إلى إطلاع ومعرفة الشهود بكافة وقائع القضية، من ظروف وملابسات وحتى تفاصيل أسلوب ارتكاب الجريمة، فيأتي الشهود للادلاء بشهادته أمام المحكمة، وقد كوّنوا فكرة مسبقة عن كافة تفاصيل القضية، الأمر الذي قد يؤثر على شهادتهم، سواءً لصالح المتهم أو ضدة!!
– كما لا ننسى: أن التقاط صور أثناء المحاكمة، يجب أن يكون محدودًا للغاية ومنحصرًا بلقطة واحدة، للمتهم وللمحكمة ولممثلي النيابة ولمحامو الاطراف، مع جزء من حضور الجمهور، دون أن تدخل فيها عناصر المدح أو القدح لمن ذكروا، كما يجب أن لا تدخل فيها الإثارة الإعلامية المطلوبة؛ لتحويلها لمادة مستهلكة إعلامياً، أو على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، كالفيس، الأمر الذي قد يحوّل جلسة المحاكمة الى أشبه “بالمسرحية”، يقوم بأدوارها اطراف القضية والمحامون.. لذلك، فواجب الاحاطة والتنويه لا يتعلق بحقوق المتهم والمجني عليه، بل بإجراءات سير العدالة!
– كما لوحظ موخرا قيام بعض الاعلاميين، وناشطي حقوق الانسان، ومرتادي التواصل الاجتماعي، بنشر أخبار التحقيقات التي تجريها النيابة في قضايا معينه، ومنها (قضية طفل الروضه الكندية المشتبه باغتصابه)، على الرغم أن قانون الإجراءات يمنع صراحة نشر أخبار إجراءات التحقيق، بالذات التي تجريها أجهزة البحث والتحري والنيابة؛ لما تشكّله تلك الاخبار من آراء وأفكار سلبيه أو إيجابية ضد المشتبه بهم أو حتى ضد المجني عليهم!
– وفي المحصله: فإن تدخل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي (بدون ضوابط وقيود)، في قضايا المحاكم الجنائية، دائمًا ما تكون ضحيته العدالة والوعي الجمعي، خصوصًا عندما يشكك الاعلام أحيانًا في نزاهة القضاء بدون دليل! فإذا كانت إثارة العواطف واستخدام المانشتات اللافتة للنظر، هي أفضل وسيلة لجذب إهتمام القراء أو المشاهدين، فان ذلك ليس هو الشأن في المحاكمات الجنائية، التي تعتمد على الاوراق المعروضه أمام القاضي وسلامة تطبيقة للقانون، دون التأثّر بوسائل التواصل أو بالاعلام.
– فضلًا عن ذلك: هناك ملاحظات أخرى قانونية مؤثرة، لا يتسع المجال هنا لذكرها…! فحرصًا للحفاظ على البيت العدلي، ولعدم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام في القضايا الجنائية، فقد نشرت دراسة موجزة، تضمنت قواعد ومبادئ وخطوط عامة للتقرير المنشور، سواءً كان صادرا من بعض الاعلاميين أو من بعض ناشطي حقوق الانسان، فيستحسن وننصح العمل بها عند تناول ونشر قضايا المحاكم، وبالأخص في القضايا الجنائية الحساسة، وعلى الأخص الجرائم الماسّة بالعرض، فيمكن العودة إليها في دراستنا المنشورة في هذا الرابط: