من منفاه الاختياري في الخارج أطل زعيم إخوان اليمن، عشية تأسيس ذراعها السياسية حزب الإصلاح، الذي كان ولا يزال مجرد غطاء لتفريخ الإرهاب.
وعرف اليمن تنظيم الإخوان الإرهابي في الأربعينيات عند قدوم رجل دين جزائري يدعى “الفضيل الورتلاني” بتكليف من حسن البنا لزرع أفكاره المسمومة في البلد، التي ظلت تتفشى سرا حتى 13 سبتمبر/أيلول 1990 عقب تشكيل حزب الإصلاح كرافعة سياسية للتنظيم.
ولم يأت تشكيل “الإصلاح” آنذاك، استجابة لـ”إعلان التعددية السياسية والنهج الديمقراطي في اليمن” كما ادعى زعيم التنظيم محمد اليدومي في كلمته المرئية عشية الذكرى الـ34 لتأسيس الحزب، وإنما جزء من مخطط للوصول إلى سدة الحكم واغتيال اتفاق وحدة طوعية بين شطري البلد.
تكفير واغتيالات ففي أعقاب ظهوره علنا، تحرك رجال حزب الإصلاح في كل البلاد على رأس حملة تكفير من على منابر المساجد ضد الحزب الاشتراكي والكوادر الجنوبية التي وضعت ركائز الوحدة، مما عرض نخبها وقادتها لاغتيالات.
ومنذ انطلاق حملة التكفير الإخوانية عام 1991 اعترف تنظيم القاعدة أنه نفذ أكثر من 100 عملية اغتيال ناجحة لشخصيات جنوبية، مما فجر شرارة حرب 1994 بين شطري اليمن، خدمة لأطماع حزب الإصلاح الذي وفر غطاء حماية لأول أجيال الإرهاب بالتزامن مع عودة ما يعرف بـ”الأفغان العرب”، ومنهم أعضاء كبار في الحزب.
كما تكفل حزب الإصلاح بالغطاء الديني لحرب استباحة الجنوب، بفتوى أصدرها رؤوس مرجعياته أمثال عبدالوهاب الديلمي، وعبدالمجيد الزنداني، كفرت الحزب الاشتراكي رسميا واتهمته بـ”الردة والإلحاد”، فيما تولى جناحه الأمني بقيادة محمد اليدومي (الزعيم الحالي) مسؤولية إدارة وتمويل أول أجيال القاعدة جنوبا.
وبعد استباحة الجنوب صعد الإخوان للحكم كشركاء بدلا عن الحزب الاشتراكي، وذهب التنظيم من فوره لتأسيس “جامعة الإيمان” في العام نفسه كمكافأه للمتطرفين من تنظيم القاعدة ومن أتباعه في الحرب الظالمة، التي ظلت لنحو 20 عاما تفرخ أجيال الإرهاب في اليمن وخارجه ومن بذورها تكاثرت القاعدة وتناسل “داعش”.
وخلال الفترة 1994-2006 وضع حزب الإصلاح رجلا في سدة الحكم والأخرى في جناح المعارضة أو ما يسمى “اللقاء المشترك”، وظل يحمل في يد أوراق مصالحه وفي الأخرى يضغط لتمرير أهدافه ومنها تبني “مظلومية الحوثي” كأقلية في أولى حروب تمرد المليشيات.
وفيما كان الحوثيون يتمددون مثل السرطان في الجسد اليمني، ظل الإخوان يشعلون جبهة داخلية داخل الدولة من أدنى إدارة وحتى رئاسة الجمهورية، ووصل بهم الحال حتى لتسريب معلومات للقاعدة التي تتكفل بإيصالها للمتمردين في صعدة عند خروج أي حملات للجيش اليمني بهدف إخماد الفتنة.
كما رفع الإخوان كرت “لا لتوريث الحكم” انقلابا على الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في آخر حدث انتخابي، ثم فجروا الفوضى عام 2011, وفتحوا أبواب الساحات من صنعاء إلى تعز أمام الحوثيين للقدوم من صعدة، ما وفر لهم فرصة استكمال تغلغلهم في مفاصل البلد.
وحتى بعد تسليم صالح السلطة للرئيس السابق عبدالله منصور هادي، استأثر حزب الإصلاح بقراره وصمت عن تسليم محافظة عمران بثمن بخس على جثة القائد العسكري البارز حميد القشيبي، مما عبد الطريق وأسقط صنعاء في أيادي الحوثيين أواخر 2014.
وعقب انطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015 لدعم الشرعية ومواجهة المد الإيراني، لم يخرج حزب الإصلاح للانحياز للحكومة المعترف بها دوليا، إلا لأنه كان من يدير قرارها وانكشف ذلك جليا منذ الأعوام الأولى، عند احتكار الشرعية والعبث بمعركة إنهاء الانقلاب وتسليم الجوف ونهم وبيحان في شبوة ومديريات جنوب مأرب للحوثيين.
كما ظل حزب الإصلاح يكتب الخطابات الرئاسية ويسوق رؤيته ومطالبه غير التوافقية، وحرف بوصلة المعركة من مشارف صنعاء إلى قلب عدن وفجر أزمة عميقة داخل الشرعية كادت تعصف بها للأبد لولا تدخل مجلس التعاون الخليجي ورعاية مشاورات الرياض، التي توجت بتشكيل المجلس الرئاسي 2022.
طي الخلاف مع الحوثي ومنذ عام 2023 أجرى حزب الإصلاح هيكلة أذرعه في عديد المحافظات المحررة وغير المحررة والدفع بقيادات جديدة إلى الواجهة لإرضاء أتباعه الناقمين على ضابط المخابرات السابق محمد اليدومي باعتباره من الحرس القديم للتنظيم والمحتفظ بالقرار والمستأثر بالمال.
كما سعى إخوان اليمن إلى احتواء النزيف السياسي الذي تعرضوا له لا سيما في المحافظات الجنوبية، وتبديل جلودهم بجلود جديدة مرنة قادرة على التعامل مع المتغيرات وتفعيل النشاط التنظيمي السري، تزامنا مع تشييد مكونات تمثيلية للمحافظات تعيدهم للمشهد السياسي.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بدأت مرحلة جديدة من علاقة الأضداد بين مليشيات الحوثي وتنظيم الإخوان على وقع حرب غزة، إذ توج الطرفان العداء العلني والتحالف السري بسلسلة من اللقاءات العلنية في صنعاء.
وامتدت اللقاءات من صنعاء إلى الخارج، حيث أجرى أعضاء حزب الإصلاح لقاءات لكنها ظلت محاطة بالسرية مع ضباط في الحرس الثوري الإيراني على الحدود التركية الإيرانية، استهدفت تبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف ضد “العدو المشترك”.
وتوجت هذه اللقاءات بإعادة مليشيات الحوثي أملاك ومنازل تابعة لقيادات وأعضاء في حزب الإصلاح في يوليو/تموز 2024، بهدف “إذابة جليد الخلافات بين حواضن وقيادات الإصلاح وفتح صفحة جديدة من علاقة الأضداد”، وفق مراقبين.
وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، وهي الذراع القضائية المباشرة لزعيم المليشيات عبدالملك الحوثي، قررت إعادة ممتلكات ومنازل أكثر من 100 من قيادات وأعضاء حزب الإصلاح بعد سنوات من مصادرتها.
وبرر الحوثيون إعادة أملاك ومنازل قيادات وأعضاء “جمعية الإصلاح الاجتماعي”؛ القوة الناعمة لتنظيم الإخواني، بأنها جاءت بعد حضور القيادات والأعضاء مرافعات القضاء بعد أن “كانوا فارين من العدالة”، في إشارة إلى اتفاق ضمني بين حزب الإصلاح والمليشيات لفتح صفحة جديدة.
وتزامنا مع ذكرى تأسيسه -الذي احتفى بها على نطاق واسع- حث القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني أحمد المعبقي، حزب الإصلاح، على الاعتراف بـ”الخطيئة” ومغادرة “ثقافة الأقبية والغرف المظلمة” كثقافة أمنية أوصلت الحياة السياسية للانقراض
الاختياري في الخارج أطل زعيم إخوان اليمن، عشية تأسيس ذراعها السياسية حزب الإصلاح، الذي كان ولا يزال مجرد غطاء لتفريخ الإرهاب.
وعرف اليمن تنظيم الإخوان الإرهابي في الأربعينيات عند قدوم رجل دين جزائري يدعى “الفضيل الورتلاني” بتكليف من حسن البنا لزرع أفكاره المسمومة في البلد، التي ظلت تتفشى سرا حتى 13 سبتمبر/أيلول 1990 عقب تشكيل حزب الإصلاح كرافعة سياسية للتنظيم.
ولم يأت تشكيل “الإصلاح” آنذاك، استجابة لـ”إعلان التعددية السياسية والنهج الديمقراطي في اليمن” كما ادعى زعيم التنظيم محمد اليدومي في كلمته المرئية عشية الذكرى الـ34 لتأسيس الحزب، وإنما جزء من مخطط للوصول إلى سدة الحكم واغتيال اتفاق وحدة طوعية بين شطري البلد.
تكفير واغتيالات
ففي أعقاب ظهوره علنا، تحرك رجال حزب الإصلاح في كل البلاد على رأس حملة تكفير من على منابر المساجد ضد الحزب الاشتراكي والكوادر الجنوبية التي وضعت ركائز الوحدة، مما عرض نخبها وقادتها لاغتيالات.
ومنذ انطلاق حملة التكفير الإخوانية عام 1991 اعترف تنظيم القاعدة أنه نفذ أكثر من 100 عملية اغتيال ناجحة لشخصيات جنوبية، مما فجر شرارة حرب 1994 بين شطري اليمن، خدمة لأطماع حزب الإصلاح الذي وفر غطاء حماية لأول أجيال الإرهاب بالتزامن مع عودة ما يعرف بـ”الأفغان العرب”، ومنهم أعضاء كبار في الحزب.
كما تكفل حزب الإصلاح بالغطاء الديني لحرب استباحة الجنوب، بفتوى أصدرها رؤوس مرجعياته أمثال عبدالوهاب الديلمي، وعبدالمجيد الزنداني، كفرت الحزب الاشتراكي رسميا واتهمته بـ”الردة والإلحاد”، فيما تولى جناحه الأمني بقيادة محمد اليدومي (الزعيم الحالي) مسؤولية إدارة وتمويل أول أجيال القاعدة جنوبا.
وبعد استباحة الجنوب صعد الإخوان للحكم كشركاء بدلا عن الحزب الاشتراكي، وذهب التنظيم من فوره لتأسيس “جامعة الإيمان” في العام نفسه كمكافأه للمتطرفين من تنظيم القاعدة ومن أتباعه في الحرب الظالمة، التي ظلت لنحو 20 عاما تفرخ أجيال الإرهاب في اليمن وخارجه ومن بذورها تكاثرت القاعدة وتناسل “داعش”.
وخلال الفترة 1994-2006 وضع حزب الإصلاح رجلا في سدة الحكم والأخرى في جناح المعارضة أو ما يسمى “اللقاء المشترك”، وظل يحمل في يد أوراق مصالحه وفي الأخرى يضغط لتمرير أهدافه ومنها تبني “مظلومية الحوثي” كأقلية في أولى حروب تمرد المليشيات.
وفيما كان الحوثيون يتمددون مثل السرطان في الجسد اليمني، ظل الإخوان يشعلون جبهة داخلية داخل الدولة من أدنى إدارة وحتى رئاسة الجمهورية، ووصل بهم الحال حتى لتسريب معلومات للقاعدة التي تتكفل بإيصالها للمتمردين في صعدة عند خروج أي حملات للجيش اليمني بهدف إخماد الفتنة.
كما رفع الإخوان كرت “لا لتوريث الحكم” انقلابا على الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في آخر حدث انتخابي، ثم فجروا الفوضى عام 2011, وفتحوا أبواب الساحات من صنعاء إلى تعز أمام الحوثيين للقدوم من صعدة، ما وفر لهم فرصة استكمال تغلغلهم في مفاصل البلد.
وحتى بعد تسليم صالح السلطة للرئيس السابق عبدالله منصور هادي، استأثر حزب الإصلاح بقراره وصمت عن تسليم محافظة عمران بثمن بخس على جثة القائد العسكري البارز حميد القشيبي، مما عبد الطريق وأسقط صنعاء في أيادي الحوثيين أواخر 2014.
وعقب انطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015 لدعم الشرعية ومواجهة المد الإيراني، لم يخرج حزب الإصلاح للانحياز للحكومة المعترف بها دوليا، إلا لأنه كان من يدير قرارها وانكشف ذلك جليا منذ الأعوام الأولى، عند احتكار الشرعية والعبث بمعركة إنهاء الانقلاب وتسليم الجوف ونهم وبيحان في شبوة ومديريات جنوب مأرب للحوثيين.
كما ظل حزب الإصلاح يكتب الخطابات الرئاسية ويسوق رؤيته ومطالبه غير التوافقية، وحرف بوصلة المعركة من مشارف صنعاء إلى قلب عدن وفجر أزمة عميقة داخل الشرعية كادت تعصف بها للأبد لولا تدخل مجلس التعاون الخليجي ورعاية مشاورات الرياض، التي توجت بتشكيل المجلس الرئاسي 2022.
طي الخلاف مع الحوثي
ومنذ عام 2023 أجرى حزب الإصلاح هيكلة أذرعه في عديد المحافظات المحررة وغير المحررة والدفع بقيادات جديدة إلى الواجهة لإرضاء أتباعه الناقمين على ضابط المخابرات السابق محمد اليدومي باعتباره من الحرس القديم للتنظيم والمحتفظ بالقرار والمستأثر بالمال.
كما سعى إخوان اليمن إلى احتواء النزيف السياسي الذي تعرضوا له لا سيما في المحافظات الجنوبية، وتبديل جلودهم بجلود جديدة مرنة قادرة على التعامل مع المتغيرات وتفعيل النشاط التنظيمي السري، تزامنا مع تشييد مكونات تمثيلية للمحافظات تعيدهم للمشهد السياسي.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بدأت مرحلة جديدة من علاقة الأضداد بين مليشيات الحوثي وتنظيم الإخوان على وقع حرب غزة، إذ توج الطرفان العداء العلني والتحالف السري بسلسلة من اللقاءات العلنية في صنعاء.
وامتدت اللقاءات من صنعاء إلى الخارج، حيث أجرى أعضاء حزب الإصلاح لقاءات لكنها ظلت محاطة بالسرية مع ضباط في الحرس الثوري الإيراني على الحدود التركية الإيرانية، استهدفت تبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف ضد “العدو المشترك”.
وتوجت هذه اللقاءات بإعادة مليشيات الحوثي أملاك ومنازل تابعة لقيادات وأعضاء في حزب الإصلاح في يوليو/تموز 2024، بهدف “إذابة جليد الخلافات بين حواضن وقيادات الإصلاح وفتح صفحة جديدة من علاقة الأضداد”، وفق مراقبين.
وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، وهي الذراع القضائية المباشرة لزعيم المليشيات عبدالملك الحوثي، قررت إعادة ممتلكات ومنازل أكثر من 100 من قيادات وأعضاء حزب الإصلاح بعد سنوات من مصادرتها.
وبرر الحوثيون إعادة أملاك ومنازل قيادات وأعضاء “جمعية الإصلاح الاجتماعي”؛ القوة الناعمة لتنظيم الإخواني، بأنها جاءت بعد حضور القيادات والأعضاء مرافعات القضاء بعد أن “كانوا فارين من العدالة”، في إشارة إلى اتفاق ضمني بين حزب الإصلاح والمليشيات لفتح صفحة جديدة.
وتزامنا مع ذكرى تأسيسه -الذي احتفى بها على نطاق واسع- حث القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني أحمد المعبقي، حزب الإصلاح، على الاعتراف بـ”الخطيئة” ومغادرة “ثقافة الأقبية والغرف المظلمة” كثقافة أمنية أوصلت الحياة السياسية للانقراض في البلاد