“صعود قضية الجنوب داخل الساحة الدولية على نحو يتجاوز تفويض مبعوث الأمم المتحدة يمثل تحديدًا الخوف الأكبر داخل أوصال معارضي المجلس الانتقالي الجنوبي..” تحليل لسوث24 | فرناندو كارفاخال
رحبت نيويورك الأسبوع الماضي بآلاف الدبلوماسيين في افتتاح الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وضم الوفد اليمني ما يزيد عن 20 مسؤولًا بينهم عيدروس الزبيدي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي. وتعد هذه المرة الثانية التي يشارك فيها الزبيدي كعضو بالوفد اليمني الرسمي، مما يضع قضية الجنوب بشكل متزايد وراسخ على الساحة الدولية. يتجاوز حضور الزبيدي الظاهر المرئي، إذ أن إدماجه في الوفد الرسمي يمثل أهمية حيوية للترويج للمظالم الجنوبية، وطمأنة الملايين في جنوب اليمن بأن تمثيلهم في المسرح العالمي من أولويات المجلس الانتقالي الجنوبي.
العام الماضي، تسببت المفاوضات بشأن إدراج رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ضمن الوفد الرسمي لليمن في حالة من التوتر واسع النطاق داخل مجلس القيادة الرئاسي والتحالف بالإضافة إلى تهديدات من الحوثيين في صنعاء. استندت تلك المعارضة بوضوح إلى موقف جذري طويل الأمد همشت خلاله “قضية الجنوب” على مدار عشرة أعوام من نشوب الحرب الأهلية بدلا من أن تكون في قلب الصراع على مستوى قومي. أضف إلى ذلك، فإن معارضة إدماج المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد المكونات الحيوية لمجلس القيادة الرئاسي الذي يشغل فيه ثلاثة مقاعد، تناقضت أيضا مع طبيعة اتفاقية الرياض المبرمة عام 2019 التي تدعو إلى جبهة موحدة في مواجهة الحوثيين. إن أي إقصاء للمجلس الانتقالي الجنوبي من المهام الرسمية لمجلس القيادة الرئاسي بمثابة انتهاك لنص وروح الاتفاقية المذكورة.
صعود قضية الجنوب داخل الساحة الدولية على نحو يتجاوز تفويض مبعوث الأمم المتحدة يمثل تحديدًا الخوف الأكبر داخل أوصال معارضي المجلس الانتقالي الجنوبي. علاوة على ذلك، فإن إدماج المجلس الانتقالي الجنوبي ينطوي- بالنسبة للمعارضين- على مخاطر إضافة مساحة لا يمكن التنبؤ بها جراء التفاعلات المباشرة التي تتركز على المظالم عميقة الجذور في جميع أنحاء محافظات الجنوب. وربما كان هذا بمثابة صرخة استيقاظ للمجلس الانتقالي الجنوبي وعامة الجنوبيين الذين اكتشفوا كيفية وضعهم المهمش وحجم ممانعة النظام الدولي للتعامل مع هذا المكون الحيوي في أي سلام شامل في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. تلك الحقيقة الصارخة التي واجهتها نيويورك عام 2023 دفعت الجنوبيين إلى رص الصفوف وتعزيز الجهود للارتباط بالمجتمع الدولي وتكوين إستراتيجية شاملة للتغلب على الجمود الذي يواجه المبعوث الأممي هانز جروندبرج كنتيجة للعملية أحادية المسار التي تركز فقط على العدوان الحوثي.
مسار العقبات التي ينبغي التغلب عليها
اليوم، لم تعد قضية الجنوب مقتصرة على أحداث عام 1994. بالرغم من أن الأزمة ما تزال مدفوعة بجهات فاعلة ونوايا مشابهة، لكنها تفاقمت حاليًا من خلال حقائق جديدة على الأرض وتأثير صراعات إقليمية ودولية. ينظر الجنوبيون إلى مجتمع دولي فشل في الالتزام بمبادئ التعاون وحل الصراع ليس فقط خلال عشرة أعوام منذ وضع اليمن تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن خلال العام المنصرم منذ أن دلف رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي للمرة الأولى إلى ردهات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.
وقبل عام مضى، تصاعدت التوترات لتشكيل وفد يمني يشارك في فعاليات الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بدور المجلس الانتقالي الجنوبي. واختلف أعضاء التحالف حول تشكيل الوفد وتعطلت التأشيرات وكانت اللوجستيات بمثابة عقبة هائلة. لعبت هذه اللحظة التي جاءت بعد عام على تأسيس مجلس القيادة الرئاسي تحت مظلة اتفاقية فارقة بين أعضاء التحالف وخصومهم الحوثيين دورًا حيويا للاعتراف بالفريق الممثل للجنوبيين على نطاق أوسع. كان من الضروري أيضًا أن يظهر القادة الجنوبيين لقاعدتهم أن الوضع الراهن لم يعد مقبولًا. ولسوء الحظ، منذ الدورة 78، تتزايد الانتقادات الموجهة للمجلس الانتقالي الجنوبي من داخل الجنوب نفسه. بيد أن الانتقادات الآن نتاج لتحديات جديدة فرضتها سياسات تعرقل الطموحات الجنوبية وليس بسبب افتقار القدرة على الوصول إلى القوى العالمية مثل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
في الوقت الحالي، تتصاعد الانتقادات وتتنامى مشاعر الإحباط داخل جنوب اليمن جراء تدهور الظروف الاقتصادية في أرجاء المناطق الحكومية. لقد أنشأت القوات الجنوبية بيئة أمنية مشددة منذ أواخر 2019. بيد أن التهديدات الحوثية ونقص التمويل أدى إلى تفاقم الأوضاع على الأرض. ووفقا لوكالات الأمم المتحدة “زاد الحجم الإجمالي لواردات الغذاء عبر كافة الموانئ اليمنية بنسبة 9% من يناير إلى أبريل 2024 بينما انخفض بنسبة 13% عبر ميناءي عدن والمكلا الجنوبيين”. ويكشف المزيد من البيانات التأثير العميق على عامة الجنوبيين حيث “ظلت أسعار الديزل في المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا في مستويات مرتفعة غير مسبوقة أثناء أبريل 2024 بزيادة 21% و19% على التوالي.
بينما استطاعت القوات الجنوبية تحسين الأمن على المستوى المحلي، تواصل السياسة والأطراف الدولية عرقلة التقدم على الصعيد الاقتصادي. إخفاق المجتمع الدولي في التعامل مع تهديدات الحوثيين ضد البنية التحتية النفطية منذ أكتوبر 2022 شجعهم على شن عدوان متواصل على امتداد البحر الأحمر. لم يبق لسكان جنوب اليمن إلا الاعتقاد أنهم ليسوا أولوية تحت مظلة الديناميكيات السياسية الراهنة. ولهذا حث الجنوبيون المجلس الانتقالي الجنوبي على تفعيل حكم ذاتي للحكومة لجنوب اليمن كما حدث عام 2020.
وبينما يحتفي الحوثيون بمرور عقد منذ انقلابهم على حكومة الرئيس هادي في 21 سبتمبر 2014، لم يضع أي طرف سياسي أو عسكري أولوية للسلامة الإقليمية للجمهورية. إذا لم تنظر الأطراف إلى استقرار المناطق المحررة في جنوب اليمن كأولوية، ينبغي على القوات والأطراف المحلية الاضطلاع بالمسؤولية من خلال اعتراف المجتمع الدولي بشرعيتهم والمساهمة مباشرة في الاستقرار الاقتصادي والسياسي. لم تعد قصة المجلس الانتقالي الجنوبي مقتصرة على حركة معارضة سلمية أو إعلان العصيان العام كما فعل الحراك الجنوبي، إذ أن الحقائق على الأرض تغيرت بشكل دراماتيكي وارتفع سقف التوقعات.
تحديات جديدة ينبغي مواجهتها
لم تجلب عامان تحت حكم مجلس القيادة الرئاسي أي تغيير إيجابي بالنسبة للجنوبيين في ظل اقتصاد متدهور وتهديدات أمنية من الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. لقد فشلت السياسات الاقتصادية تحت حكم مجلس القيادة الرئاسي في استقرار الريال اليمني في (المناطق المحررة)، حيث بلغت العملة أدنى مستوى لها في كافة العصور حيث أصبح الدولار يعادل 1900 ريال يمني وأكثر. في الوقت الذي تظهر فيه مطالبات جديدة بإحداث تغييرات داخل مجلس القيادة الرئاسي، تنذر الأزمات الاقتصادية والسياسية بتأجيج صراعات مسلحة جديدة في أرجاء المناطق المضطربة في جنوب اليمن.
وبعد مرور 10 سنوات من اندلاع الحرب الأهلية، ينبغي على المجتمع الدولي إدراك ضرورة تغيير الأولويات واستقرار المناطق الحكومية. أعلنت بعض الوكالات مشروعات للمناطق الحكومية منذ آخر عمليات احتجاز الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة في صنعاء هذا الصيف. بيد أنها تبدو مجرد تركيز قصير الأجل حيث تفتقر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى البنية التحتية الملائمة للإشراف على مشروعات طويلة الأمد. وكشفت وكالات الأمم المتحدة “أن حوالي 3.6 مليون شخص في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا يعانون من تخفيض حصص الإعاشة جراء نقص التمويل”، وأن “أزمة التمويل قد تؤثر بشكل متزايد على توصيل مساعدات الغذاء إلى حوالي 2.5 مليون شخص في جنوب اليمن إبان الشهور المقبلة ما لم يتم تأمين تمويل إضافي”.
أمل حدوث تقدم في الجمعية العامة للأمم المتحدة
وصل عيدروس الزبيدي إلى نيويورك في سياق توترات متزايدة وافتقار للوضوح بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. في ظل غياب واضح للتفاؤل، يؤكد مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي على تمسكهم بالمضي قدما في أجندتهم الأساسية إذا استمرت الأطراف في إظهار نقص للجدية. وعلاوة على ذلك، أشار المجلس الانتقالي الجنوبي إلى “استعداده مواصلة العمل مع القوات الشمالية لمجابهة العدو المشترك، “الحوثيين”. وأوضح القادة الجنوبيون إلى الإدارة الأمريكية أن القوات الجنوبية مستعدة للعب دور أكبر ضد الحوثيين بدعم من الولايات المتحدة بجانب جبهات مختلفة، لا سيما وأنها القوات العسكرية الوحيدة التي دحرت عدوان الحوثيين عام 2015. في خطابه بمجلس الأمن، أوضح الزبيدي أن “حل قضية شعب الجنوب يأتي بشكل طبيعي لكنه يتطلب قيادة فعالة ومشاركة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية لإيجاد نهج شامل وزخم كاف لإحلال السلام.” ولذلك، فإن الإدماج أمر حيوي كما يكتسب التوقيت أهمية ملحة.
لا يستطيع المجلس الانتقالي الجنوبي تحمل عام إضافي في ظل المأزق المسدود الحالي حيث لم يستطيع مبعوثا الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة إعادة المحادثات مع الحوثيين إلى مسار جاد، وفشلا في استكمال عملية تبادل الأسرى التي طال انتظارها في يوليو. ومع الإخفاق في وقف ضربات البحر الأحمر ونقص تمويل العمليات الإنسانية وتزايد أسعار السوق والعجز في الكهرباء والتهديدات المستمرة من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وضربات الحوثيين التي تستهدف لحج ويافع، لا يستطيع الجنوبيون البقاء ساكنين عامًا آخر. لا يمكن استمرار عقبة مجلس القيادة الرئاسي عقبة إذا أرادت الأحزاب السياسية الإبقاء على حضورها في أرجاء (المحافظات المحررة).